عِبَادَاتُ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ


((عِبَادَاتُ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ))

فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ))؛ يَعْنِيْ الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ.

 فَهَذِهِ الْأَيَّامُ الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ هِيَ خَيْرُ أَيَّامِ الْعَامِ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ؛ لَأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ فِيهَا مِنْ هَذَا الْمَنْسَكِ الْعَظِيمِ، وَمِنْ هَذَا الْقَصْدِ الطَّاهِرِ، وَمِنْ هَذَا الْفَضْلِ الْكَرِيمِ مَا جَعَلَ!

وَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهَا مِنَ النَّفَحَاتِ، وَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِيْنَ فِيهَا مِنْ الرَّحَمَاتِ، وَأَنْزَلَ اللهُ فِيهَا مِنَ الْفُيُوضَاتِ مَا أَنْزَلَ!

 اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ هَذِهِ الْأَيَّامَ خَيْرَ أَيَّامِ الْعَامِ، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ مُحَمَّدٌ ﷺ.

 خَيْرُ أَيَّامِ الْعَامِ.. أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ هِيَ أَيَّامُ الْعَشْرِ؛ يَعْنِي الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ.

 وَكَانَتِ الْعَشْرُ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى مَنْ سَبَقَنَا مِنْ عُلَمَائِنَا -بَدْءًا مِنْ صَحَابَةِ نَبِيِّنَا ﷺ، مُرُورًا بِالتَّابِعِينَ، وَتَابِعِيهِمْ، وَأَتْبَاعِ تَابِعِيهِمْ، وَالْأَئِمَّةِ، وَمَنْ تَلَا مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ إِلَى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا- إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ أَقْبَلُوا عَلَى الْعِبَادَةِ؛ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْمَزِيدَ.

 وَكَانُوا يَتَوَخُّونَ فِيهَا سُنَّةَ الرَّسُولِ ﷺ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ مُسْلِمٌ بِسَنَدِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ -يَعْنِي: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ- فَإِذَا أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ -يَعْنِي: فَدَخَلَ عَلَيْهِ شَهْرُ ذِي الْحِجَّةِ- فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعَرِهِ -لَا مِنْ إِبِطِهِ، وَلَا مِنْ عَانَتِهِ، وَلَا مِنْ شَارِبِهِ- فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعَرِهِ، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ)).

 وَالنَّبِيُّ ﷺ جَعَلَهَا سُنَّةً مَسْنُونَةً.

 وَعِنْدَنَا كَمَا فِي ((صَحِيحِ مُسْلِمٍ)) ، عَنْ عَمْرو بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَمَّارٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: ((كُنَّا فِي الْحَمَّامِ قُبَيْلَ الْأَضْحَى، فَاطَّلَى فِيهِ نَاسٌ -يَعْنِي: اسْتَخْدَمُوا النَّوْرَةَ، وَهِيَ حَجَرٌ جِيرِيٌّ كَلْسِيٌّ، يُوضَعُ عَلَى الشَّعَرِ، ثُمَّ يَتَلَبَّثُ يَنْتَظِرُ الْمَرْءُ قَلِيلًا؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُزِيلَ بِهِ الشَّعَرَ، فَهِيَ مُزِيلٌ لِلشَّعَرِ كَانَ-.

فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَمَّامِ: إِنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَكْرَهُ هَذَا أَوْ يَنْهَى عَنْهُ، فَلَقِيتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: ((يَا ابْنَ أَخِي! هَذَا حَدِيثٌ قَدْ نُسِيَ وَتُرِكَ)).

هَذَا أَمْرٌ قَدْ نُسِيَ، هَذَا أَمْرٌ قَدْ تُرِكَ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ أَحَدٌ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَعُدْ أَحَدٌ يَفْعَلُهُ!!

قَالَ سَعِيدٌ: ((حَدَّثَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ، زَوْجُ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعَرِهِ، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ».

وَانْظُرْ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى الْجَلِيلِ الَّذِي جَعَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ؛ لِكَيْ يُشَارِكَ فِي هَذَا الْخَيْرِ كُلُّ أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ مِمَّنْ أَسْعَدَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِشُهُودِ الْمَوْسِمِ، وَمِمَّنْ فَاتَهُ أَنْ يُشَارِكَ، فَهُوَ يُشَارِكُ الْمُحْرِمَ فِي بَعْضِ مَا عَلَى الْمُحْرِمِ؛ إِذْ لَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا؛ لَا مِنْ شَعَرِهِ، وَلَا مِنْ بَشَرِهِ، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ.

وَلَكِنَّ الْمُقِيمَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ لَيْسَ مَحْظُوُرًا عَلَيْهِ أَنْ يُجَامِعَ أَهْلَهُ، وَلَا أَنْ يَلْبَسَ الْمَخِيطَ، وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ الَّتِي حَظَرَهَا الشَّارِعُ الْحَكِيمُ عَلَى مَنْ دَخَلَ فِي النُّسُكِ.

 وَإِنَّمَا جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هَذَا الْأَمْرَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ الْجَلِيلَةَ -وَهِيَ الْفِدَاءُ بِالذِّبْحِ الْعَظِيمِ- إِنَّمَا تُذَكِّرُ بِمَا كَانَ مِنَ التَّسْلِيمِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [ الصافات: ١٠٣ ].

لَمَّا أَنْ أَسْلَمَا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْقِيَادَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا -يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ-، أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَسَلَّمَ الْأَمْرَ للهِ بِأَنْ يَذْبَحَ وَلَدَهُ بِيَدِهِ، وَهُوَ وَحِيدُهُ، وَبِكْرُهُ، وَفِلْذَةُ كَبِدِهِ، وَأَنْ يَذْبَحَهُ بِيَدِهِ بِرُؤْيَا مَنَامٍ لَا بِوَحْيٍ مُبَاشِرٍ.

لَمَّا أَسْلَمَ الْأَمْرَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَدْ مَنَّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِ بِهِ، عَلَى عُلُوِّ السِّنِّ وَارْتِفَاعِ السُّنُونَ، وَقَدْ بَلَغَ مِنَ الْكِبَرِ الْمَبَالِغَ، وَأَيِسَ مِنْ أَنْ يُنْجِبَ وَأَنْ يُرْزَقَ بِالْوَلَدِ، فَآتَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَلَدًا حَلِيمًا، أَخَذَ بِهَذَا الْحِلْمِ فِي نَفْسِهِ وَفِي أَبِيهِ.

فَلَمَّا أَخْبَرَهُ أَبُوهُ أَنَّهُ يَرَى فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ يَذْبَحُهُ، قَالَ: يَا أَبَتِ! يُنَادِيهِ هَكَذَا بِهَذَا اللُّطْفِ، وَبِهَذَا الْحُبِّ، وَبِهَذَا الرِّفْقِ، وَبِهَذِهِ الشَّفَقَةِ.

قَالَ: يَا أَبَتِ! لَيْسَ عِنْدِي مِنْ مَوْجِدَةٍ عَلَيْكَ!!

يَا أَبَتِ! إِنَّمَا هُوَ الْحُبُّ مِنَ الْقَلْبِ دَافِقًا، وَإِنَّمَا هُوَ الْحُبُّ فِي الْقَلْبِ لِلْبَدَنِ مُتْرِعًا، وَإِنَّمَا هُوَ الْحُبُّ مِنَ النَّفْسِ مُنْبَثِقًا!!

{قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102]؛ لِأَنَّكَ لَا تَأْتِي بِأَمْرٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِكَ.

{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}: لَمَّا سَلَّمَ الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ لِأَمْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ -وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَنْ كَانَ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَالِدًا وَوَلَدًا مَا كَانَ لَيَلْتَفِتَ لِأَخْذِ شَيْءٍ لَا مِنْ شَعَرِهِ، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ -وَقَدْ صَدَّقَ الرُّؤْيَا حَتَّى جَاءَ أَوَانُ الْفِدَاءِ بِالذِّبْحِ الْعَظِيمِ.

وَإِذَنْ؛ فَمِنَ التَّشَبُّهِ بِإِبْرَاهِيمَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ كَذَلِكَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَيَّامِ الَّتِي جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهَا مِنَ الْعَطَاءَاتِ وَالْفُيُوضَاتِ مَا يَجْعَلُ مَنْ تَخَلَّفَ مُقْتَرِبًا مِمَّنْ سَبَقَ وَآتَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هَذِهِ النِّعْمَةَ الْكُبْرَى بِشُهُودِ الْمَوْسِمِ.

 فَأَتَى بِالْأَمْرِ، كَمَا أَمَرَ الرَّسُولُ ﷺ: ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ)) .

فَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هَذَا الْعَمَلَ الْمَفْضُولَ فِي الْوَقْتِ الْفَاضِلِ لَاحِقًا بِالْعَمَلِ الْفَاضِلِ فِي الْوَقْتِ الْمَفْضُولِ، وَرُبَّمَا زَادَ عَلَيْهِ.

 يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((مَا مِنْ أَيَّامٍ.. ))؛ هَكَذَا كَمَا مَرَّ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِ اللهِ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] بِهَذَا النَّفْيِ، ثُمَّ مَا أَتَى بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ: ((مَا مِنْ أَيَّامٍ..))؛ مِنْ مُطْلَقِ مَا يُقَالُ لَهُ أَيَّامٌ، يَعْنِي مِنْ جِنْسِ مَا يُقَالُ لَهُ أَيَّامٌ، إِنْ أَرَدْتَ الْجِنْسَ، أَوْ مِنْ بِدَايَةِ مَا يُقَالُ لَهُ أَيَّامٌ، إِنْ أَرَدْتَ أَنَّهَا لِلابْتِدَاءِ.

 وَمَعَ ذَلِكَ يَتَأَتَّى النَّفْيُ، وَتَقَعُ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِهِ لَإِرَادَةِ الْعُمُومِ، ((مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ -يَعْنِي مِنْ أَيَّامِ الْعَشْرِ-)).

 وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ؟

 قَالَ: ((وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)) .

فَعَلَ ذَلِكَ فِيْ غَيْرِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ أَتَى بِغَيْرِ الْجِهَادِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ الَّتِي دَلَّنَا نَبِيُّنَا ﷺ عَلَى عَظِيمِ قَدْرِهَا وَارْتِفَاعِ مَكَانَتِهَا .

وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَفِي ((السُّنَنِ))  عَنْ حَفْصَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ: ((لَـمْ يَكُنْ يَدَعُ صِيَامَ الْعَشْرِ))؛ تَعْنِي الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ.

وَعِنْدَ مُسْلِمٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ».

وفي رواية: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَصُمِ الْعَشْرَ».

وَيَأْتِيَ أَقْوَامٌ مِمَّنْ يُعَارِضُونَ النُّصُوصَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ؛ لِكَيْ يَتَشَبَّثُوا بِنَصِّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، فَيَدَّعُونَ كَرَاهِيَةَ صِيَامِ التِّسْعِ الْأُوَلِ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ!!

 بَلْ إِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَجُمْهُورُهُمْ هُوَ أَنَّ الصِّيَامَ مُسْتَحَبٌّ جِدًّا، وَارْجِعْ فِي ذَلِكَ إِلَى ((صَحِيحِ مُسْلِمٍ)) بِشَرْحِ النَّوَوِيِّ -عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ-: ((فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ اسْتِحْبَابًا أَكِيدًا: أَنْ يَصُومَ الْمَرْءُ التِّسْعَ الْأُوَلَ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ)).

 وَأَمَّا التَّاسِعُ فَفِيهِ نَصًّا: «أَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يُكَفِّرُ بِصِيَامِهِ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ»، كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ ﷺ ؛ يَعْنِي بِذَلِكَ يَوْمَ عَرَفَةَ.

وَإِذَنْ؛ فَصِيَامُ هَذِهِ الْأَيَّامِ مُسْتَحَبٌّ اسْتِحْبَابًا شَدِيدًا، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ كَمَا فِي ((السُّنَنِ)): ((أَنَّهُ ﷺ كَانَ لَا يَدَعُ -لَا يَتْرُكُ- صِيَامَ الْعَشْرِ)).

وَقَدْ ذَكَرَتْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ؛ لِأَنَّ الْعَاشِرَ لَا يُصَامُ إِذْ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمُ الْعِيدِ مُحَرَّمٌ صَوْمُهُ -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ-، وَإِنَّمَا أَخْرَجَتْ ذَلِكَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ عَلَىَ سَبِيِلِ الْتَّغْلِيبِ، فَذَكَرَتِ الْعَشْرَ وَأَرَادَتِ الْتِّسْعَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-.

 وَمْعُلُومٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ- أَنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ إِذَا مَا أَخْبَرَتْ عَنْهُ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ شَيْئًا، وَأَخْبَرَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ؛ فَالْحُكْمُ لِلْمُثْبِتِ، وَلَا يُلْتَفَتُ لِلنَّافِي.

وَعِنْدَكَ أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- -كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) - قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا))؛ يَعْنِي تَقُولُ: وَأَنَا أُصَلِّي الضُّحَى.

وَلَكِنْ أَخْبَرَتْ بِعِلْمِهَا، وَلَا تَثْرِيبَ عَلَيْهَا، وَلَا يَعْنِي عَدَمُ عِلْمِهَا عَدَمَ الشَّيْءِ فِي ذَاتِهِ.

وَإِنَّمَا الشَّأْنُ هَا هُنَا وَالْمَصِيرُ إِلَى مَا أَخْبَرَتْ بِهِ أَمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، وَذَلِكَ صَحِيحٌ عَنْهَا.

وَعَلَيْهِ؛ فَيُسْتَحَبُّ الصَّوْمُ فِي تِسْعِ ذِي الْحِجَّةِ، وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ، وَأَنْ تَأْتِيَ بِأَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الْعِبَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ فِيْهِ غَايَةَ الْجُهْدِ كَمَا كَانَ الْسَّابِقُونَ مِنَ الصَّالِحِينَ يَفْعَلُوْنَ.

عِبَادَ اللهِ! النَّبِيُّ ﷺ دَلَّ عَلَى فَضِيلَةِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ يَدْخُلُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَالذِّكْرُ: تَهْلِيلًا وَتَحْمِيدًا وَتَسْبِيحًا وَتَكْبِيرًا، وَيَدْخُلُ فِيهِ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ طَلَبُ الْعِلْمِ وَبَثُّهُ وَإِذَاعَتُهُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الصِّيَامُ، وَالزَّكَاةُ، وَالصَّدَقَةُ، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ، وَالْعَطْفُ عَلَى الْأَيْتَامِ وَالْمَسَاكِينِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ، وَحُسْنُ الْجِوَارِ، وَمَا أَشْبَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ؛ فَيَدْخُلُ الصِّيَامُ.

فَلَا تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ -عِبَادَ اللهِ-، وَالْتَزِمُوا سَنَّةَ الْنَّبِيِّ ﷺ فِي أَحْوَالِكُمْ، وَأُعْمَالِكُمْ، وَأَقْوَالِكُمْ.

أَسْأَلُ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُه- أَنْ يَجْمَعَنَا جَمِيْعًا عِنْدَ بَيْتِهِ الْحَرَامِ، وَعَلَىَ صَعِيدِ عَرَفَاتٍ مِنْ قَابِلٍ بِرَحْمَتِهِ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللهم احْمِلْنَا إِلَى بَلَدِكَ الْحَرَامِ.

اللهم احْمِلْنَا إِلَى بَلَدِكَ الْحَرَامِ.

اللهم احْمِلْنَا إِلَىَ بَلَدِكَ الْحَرَامِ، وَبَيْتِكَ الْحَرَامِ؛ حُجَّاجًا وَمُعْتَمِرِيْنَ، وَتَقَبَّلْ مِنَّا أَجْمَعِينَ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

المصدر:اسْتِقْبَالُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ بِالْوَفَاءِ بِالْحُقُوقِ وَتَحَرِّي الْحَلَالِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ: الْحِفَاظُ عَلَى سَفِينَةِ الْوَطَنِ
  مَعْنَى الْمَعِيَّةِ وَأَقْسَامُهَا
  حُكْمُ الشَّائِعَاتِ فِي الْإِسْلَامِ
  الْمِعْرَاجُ وَبَذْلُ الْحُبِّ وَالْوُدِّ
  آثَارٌ عَظِيمَةٌ وَثَمَرَاتٌ جَلِيلَةٌ لِلْإِيمَانِ عَلَى الْمُجْتَمَعِ وَالْأُمَّةِ
  مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ
  سَعَةُ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَكَمَالُهَا
  الْهِجْرَةُ إِلَى الْحَبَشَةِ أَوَّلُ هِجْرَةٍ فِي الْإِسْلَامِ
  خُطُورَةُ الْكَذِبَةِ تَبْلُغُ الْآفَاقَ
  رَحْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ فِي السِّلْمِ وَالْحَرْبِ
  اتَّقُوا اللهَ فِي الْجَزائِرِ وَاحْذَرُوا الْفَوْضَى!!
  مِنْ ثَمَرَاتِ بِرِّ الْأُمِّ: مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ وَالْفَوْزُ بِالْجَنَّةِ
  نَهْيُ الْإِسْلَامِ عَنِ الْغُلُوِّ وَالتَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ
  أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى الثَّقَليْنِ نِعْمَةُ الرَسُولِ ﷺ
  عِيشُوا بِالْوَحْيِ تَسْعَدُوا!
  • شارك