تَقْدِيمُ مَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ عَلَى الْمَصَالِحِ الْخَاصَّةِ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ


 

((تَقْدِيمُ مَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ عَلَى الْمَصَالِحِ الْخَاصَّةِ

بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ))

فَقَدْ دَلَّتِ النُّصُوصُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أُصُولِ الدِّينِ: الِاجْتِمَاعَ عَلَى الْحَقِّ، وَالِاعْتِصَامَ بِحَبْلِ اللهِ تَعَالَى.

فَقَدْ قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَنَّهُمَا قَالَا: ((يَدُ اللهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ)). أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ)). أَخْرَجَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي ((زَوَائِدِ الْمُسْنَدِ))، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي ((السُّنَّةِ)) بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، كَمَا قَالَ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((تَحْقِيقِهِ عَلَى السُّنَّةِ)) لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ.

وَأَخْرَجَ الْآجُرِيُّ وَاللَّالَكَائِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((وَمَا تَكْرَهُونَ فِي الْجَمَاعَةِ خَيْرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ فِي الْفُرْقَةِ)).

عِبَادَ اللهِ! إِذَا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ بِإِمَامٍ جَائِرٍ؛ فَإِنَّ الصَّبْرَ عَلَى جَوْرِهِ هُوَ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ وَطَرِيقَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَلَيْهِ يُوجِبُ مِنَ الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ أَكْثَرَ مِنْ ظُلْمِهِ.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ؛ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ)). أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا)).

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! فَمَا تَأْمُرُنَا؟

قَالَ: ((تَؤُدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ)). أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ.

وَقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: ((أَثَرَةٌ)): هِيَ الِانْفِرَادُ بِالشَّيْءِ عَمَّنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ وَتَعَلُّقٌ بِالْأَمْوَالِ.

وَقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: ((وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا)): أَيْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ؛ إِمَّا بِالتَّقْصِيرِ فِيهَا، أَوْ بِإِحْدَاثِ الْبِدَعِ.

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي بَيَانِ هَذَا الْأَصْلِ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ

: ((الْإِنْكَارُ عَلَى الْمُلُوكِ وَالْوُلَاةِ بِالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ أَسَاسُ كُلِّ شَرٍّ وَفِتْنَةٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ.

وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا جَرَى عَلَى الْإِسْلَامِ فِي الْفِتَنِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ رَآهَا مِنْ إِضَاعَةِ هَذَا الْأَصْلِ، وَعَدَمِ الصَّبْرِ عَلَى مُنْكَرٍ؛ فَطَلَبَ إِزَالَتَهُ؛ فَتَوَلَّدَ مِنْهُ مَا هُوَ أَكْبَرُ)).

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَمَّا نَهَاهُمْ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى الْوَاثِقِ: اصْبِرُوا!

وَوَاللهِ مَا رَضِيَ الْإِمَامُ فَسَادًا، وَلَا فِي الْعَقِيدَةِ انْحِرَافًا، وَلَا رَضِيَ ظُلْمًا وَلَا جَوْرًا، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى الْمَصْلَحَةِ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ، وَلَا يُضَيِّعُهَا مِنْ أَجْلِ الْمَصْلَحَةِ الصُّغْرَى.

فَالْمَصْلَحَةُ الْعُلْيَا تُقَدَّمُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْخَاصَّةِ -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ-.

المصدر:تَقْدِيمُ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ عَلَى الْخَاصَّةِ وَأَثَرُهَا فِي اسْتِقْرَارِ الْمُجْتَمَعَاتِ وَبِنَاءِ الدُّوَلِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مِنْ مَعَانِي الْخِيَانَةِ
  مِنْ أَيْنَ نُؤْتَى؟!!
  خُطُورَةُ التَّسَتُّرِ عَلَى الْإِرْهَابِيِّينَ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْعَصِيبِ
  أَعْظَمُ سُبُلِ بِنَاءِ الْأُمَّةِ: الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ
  مَنْزِلَةُ السُّنَّةِ فِي الْإِسْلَامِ وَحُجِّيَّتُهَا
  حُرْمَةُ قَتْلِ الْمُسْتَأْمَنِينَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  الزَّكَاةُ مِنْ مَحَاسِنِ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  عَقِيدَةُ الْيَهُودِ التَّوْرَاتِيَّةُ الْقَتْلُ وَالذَّبْحُ
  ثَمَرَاتُ التَّرْشِيدِ فِي الْإِنْفَاقِ فِي رَمَضَانَ
  الرَّدُّ عَلَى شُبُهَاتِ الطَّاعِنِينَ فِي رَحْمَةِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ
  وَاجِبُنَا عِنْدَ سَمَاعِ الْبَاطِلِ وَالزُّورِ
  مِنْ أَعْلَى دَرَجَاتِ الْعَطَاءِ لِلْوَطَنِ: الْعَمَلُ الْجَادُّ
  قَضِيَّةُ الْقُدْسِ قَضِيَّةُ الْأُمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ
  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: الِالْتِزَامُ بِسُنَنِ النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَ وِلَادَتِهِ
  مِنْ أَعْظَمِ صِفَاتِ النَّبِيِّ ﷺ وَأُمَّتِهِ الرَّحْمَةُ
  • شارك