((الْحُدُودُ عُقُوبَاتٌ لِأَفْرَادٍ جُنَاةٍ وَحِمَايَةٌ لِلدِّينِ وَالْمُجْتَمَعِ))
عِبَادَ اللهِ! ((إِنَّ مِنْ مَحَاسِنِ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ مَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ مِنَ الْحُدُودِ, وَتَنَوُّعِهَا بِحَسَبِ الْجَرَائِمِ.
وَهَذَا لِأَنَّ الْجَرَائِمَ وَالتَّعَدِّيَ عَلَى حُقُوقِ اللهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ مِنْ أَعْظَمِ الظُّلْمِ الَّذِي يُخِلُّ بِالنِّظَامِ, وَيَخْتَلُّ بِهِ الدِّينُ وَالدُّنْيَا.
فَوَضَعَ الشَّارِعُ لِلْجَرَائِمِ وَالتَّجَرَؤُّاتِ حُدُودًا تَرْدَعُ عَنْ مُوَاقَعَتِهَا، وَتُخَفِّفُ مِنْ وَطْأَتِهَا: مِنَ الْقَتْلِ، وَالْقَطْعِ، وَالْجَلْدِ، وَأَنْوَاعِ التَّعْزِيرَاتِ.
وَكُلُّهَا فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْمَصَالِحِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ مَا يَعْرِفُ بِهِ الْعَاقِلُ حُسْنَ الشَّرِيعَةِ، وَأَنَّ الشُّرُورَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُقَاوَمَ وَتُدْفَعَ دَفْعًا كَامِلًا إِلَّا بِالْحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي رَتَّبَهَا الشَّارِعُ بِحَسَبِ الْجَرَائِمِ قِلَّةً وَكَثْرَةً، وَشِدَّةً وَضَعْفًا)).
*فَحَرَّمَ اللهُ السَّرِقَةَ، وَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْعِقَابَ الشَّدِيدَ؛ تَنْكِيلًا وَتَرْهِيبًا لِلسَّارِقِ وَلِغَيْرِهِ؛ لِيَرْتَدِعَ السُّرَّاقُ -إِذَا عَلِمُوا- أَنَّهُمْ سَيُقْطَعُونَ إِذَا سَرَقُوا، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38].
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ اللَّذَانِ يَأْخُذَانِ الْمَالَ الْمُحَرَّزَ الْمَصُونَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِخْفَاءِ، فَاقْطَعُوا -يَا وُلَاةَ الْأَمْرِ- أَيْدِيَهُمَا؛ بِقَطْعِ يَمِينِ السَّارِقِ مِنْ رُؤُوسِ الْأَصَابِعِ إِلَى الرُّسْغِ.
ذَلِكَ الْقَطْعُ مُجَازَاةٌ لَهُمَا عَلَى أَخْذِهِمَا أَمْوَالَ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ عُقُوبَةً مِنَ اللهِ، يَمْنَعُ بِهَا غَيْرَهُمَا أَنْ يَصْنَعَ مِثْلَ صَنِيعِهِمَا، وَاللهُ قَوِيٌّ غَالِبٌ فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنْ عَصَاهُ، حَكِيمٌ فِيمَا أَوْجَبَهُ مِنْ قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ السَّرِقَةَ: أَخْذُ الْمَالِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِخْفَاءِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُحَرَّزًا مَصُونًا، مَعْنِيًّا بِحِفْظِهِ الْعِنَايَةُ الَّتِي تَلِيقُ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَالًا مُتَقَوِّمًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَلَا قُصُورَ فِي مَالِيَّتِهِ بِأَنْ يَتَمَوَّلَهُ النَّاسُ، وَيُعِدُّونَهُ لِأَغْرَاضِهِمُ الْمُخْتَلِفَةِ، وَيَتَنَافَسُونَ فِي طَلَبِهِ.
كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْيَدَ لَا تُقْطَعُ إِلَّا إِذَا بَلَغَ الْمَسْرُوقُ قَدْرًا مِنَ الْمَالِ مِقْدَارُهُ رُبُعُ دِينَارٍ أَوْ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ.
*وَجَعَلَ اللهُ فِي شَرْعِ الْقِصَاصِ لَكُمْ -وَهُوَ قَتْلُ الْقَاتِلِ- حِكْمَةً عَظِيمَةً لَكُمْ، وَهِيَ بَقَاءُ الْمُهَجِ وَصَوْنُهَا; لِأَنَّهُ إِذَا عَلِمَ الْقَاتِلُ أَنَّهُ يُقْتَلُ انْكَفَّ عَنْ صَنِيعِهِ؛ فَكَانَ فِي ذَلِكَ حَيَاةُ النُّفُوسِ.
قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179].
وَلَكُمْ فِي تَشْرِيعِ الْقِصَاصِ -فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ، وَالْقَطْعِ، وَالْجُرُوحِ، وَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِذَوَاتِ الْأَحْيَاءِ أَنْفُسِهِمْ فَمَا دُونَ ذَلِكَ- لَكُمْ ِفي تَشْرِيعِ الْقِصَاصِ فِي ذَلِكَ حَيَاةٌ آمِنَةٌ يَا ذَوِي الْعُقُولِ الْخَالِصَةِ مِنْ شَوَائِبِ الْأَوْهَامِ، الْمُتَدَبِّرَةِ عَوَاقِبَ الْأُمُورِ، الْمُتَبَصِّرَةِ حِكَمَ التَّشْرِيعِ؛ لِتَنْتَهُوا عَنِ الْقَتْلِ؛ خَوْفَ الْقِصَاصِ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ تُحَدِّثُهُ نَفْسُهُ بِالْعُدْوَانِ عَلَى فَرْدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ فِي كُلِّ النَّفْسِ -أَيْ بِالْقَتْلِ-، أَوْ فِي بَعْضِ أَجْزَاءِ الْجَسَدِ -بِالْجِرَاحَاتِ-؛ فَإِنَّ خَوْفَهُ مِنَ الْقِصَاصِ يُرَوِّعُهُ؛ فَيَكُفَّ عَنِ ارْتِكَابِ الْجَرِيمَةِ!!
وَبِهَذَا تَقِلُّ جَرَائِمُ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ وَالْجُرُوحِ فِي الْمُجْتَمَعِ إِلَى أَدْنَى الْحُدُودِ، فَيَعِيشُ أَفْرَادُ الْمُجْتَمَعِ حَيَاةً آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً.
كَمَا أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَاوَزُ الْجَانِيَ إِلَى غَيْرِهِ؛ فَيَكُونُ سَبَبًا لِحِمَايَةِ نُفُوسٍ كَثِيرَةٍ مِنْ غَائِلَةِ الْإِسْرَافِ فِي الِانْتِقَامِ.
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَوْ بُنِيَ عَلَى أَخْذِ الثَّأْرِ؛ فَإِنَّهُ يَتَسَلْسَلُ وَلَا يَنْقَطِعُ، فَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ بِالْمَقْتُولِ، وَيَأْتِي بَعْضُ أَوْلِيَاءِ هَذَا الَّذِي قُتِلَ وَكَانَ قَاتِلًا؛ لِيَقْتُلُوا مَنْ قَتَلَهُ، وَرُبَّمَا قَتَلُوا غَيْرَهُ مِمَّنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْقَتْلَ أَصْلًا، فَيَتَسَلْسَلُ الْأَخْذُ بِالثَّأْرِ بِضَيَاعِ النُّفُوسِ إِلَى حَدٍّ بَعِيدٍ.
وَكَانَ هَذَا الْأَمْرُ شَائِعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَامَتْ بِسَبَبِهِ حُرُوبٌ كَثِيرَةٌ.
وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَإِنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ، وَتَهْدَأُ النُّفُوسُ، وَهُوَ شَرْعُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَيَحْيَا بِسَبَبِ الْأَخْذِ بِالْقِصَاصِ أَقْوَامٌ وَأَقْوَامٌ.
فَأَنْزَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ شَرْعَ الْقِصَاصِ، وَبَيَّنَ أَنَّ فِيهِ الْحَيَاةَ.
*وَنَهَانَا رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ تَأْخُذَنَا رَأْفَةٌ بِالزُّنَاةِ فِي دِينِ اللَّهِ، تَمْنَعُنَا مِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ.
فَرَحْمَتُهُ حَقِيقَةٌ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ.
وَأَمَرَ تَعَالَى أَنْ يَحْضُرَ عَذَابَ الزَّانِيَيْنِ طَائِفَةٌ -أَيْ: جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ-؛ لِيَشْتَهِرَ، وَيَحْصُلَ بِذَلِكَ الْخِزْيُ وَالِارْتِدَاعُ.
قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2].
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي -وَهُمَا: الْمَرْأَةُ الْمُكَلَّفَةُ وَالرَّجُلُ الْمُكَلَّفُ الْعَالِمَانِ بِتَحْرِيمِ الْإِسْلَامِ بِالزِّنَا، وَأَقْدَمَا عَلَى ارْتِكَابِهِ حَقِيقَةً بِاخْتِيَارِهِمَا-؛ فَاضْرِبُوا -أَيُّهَا الْحُكَّامُ- كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ بِالسَّوْطِ؛ تُبَاشِرُ أَجْسَادَهُمْ.
وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ وَرَحْمَةٌ فِي شَرْعِ اللهِ وَحُكْمِهِ؛ فَتُعَطِّلُوا الْحُدُودَ وَلَا تُقِيمُوهَا، أَوْ تُخَفِّفُوا الضَّرْبَ، بَلْ أَوْجِعُوهُمَا ضَرْبًا إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ حَقِيقَةً لَا ادِّعَاءً.
وَلْيَحْضُرْ مَشْهَدَ التَّعْذِيبِ وَالتَّأْدِيبِ لِأُولَئِكَ الزُّنَاةِ وَالزَّوَانِي جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ رِجَالًا وَنِسَاءً؛ تَشْهِيرًا بِهِمَا، وَزِيَادَةً فِي افْتِضَاحِهِمَا؛ لِيَكُونَ الْخِزْيُ وَالْعَارُ أَبْلَغَ فِي حَقِّهِمَا.
وَهَذَا فِي حَدِّ الزَّانِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ.
وَأَمَّا الْمُحْصَنُ -وَهُوَ مَنْ وَطِئَ فِي زَوَاجٍ شَرْعِيٍّ صَحِيحٍ- فَحَدُّهُ الرَّجْمُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ -كَمَا ثَبَتَ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ-.
*وَشَرَعَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- حَدَّ الْحِرَابَةِ لِقُطَّاعِ الطُّرُقِ، وَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ؛ حَتَّى لَا يَسْفِكُوا الدِّمَاءَ، وَحَتَّى لَا يُخِلُّوا بِالْأَمْنِ، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 33].
«الْمُحَارِبُونَ للهِ وَرَسُولِهِ هُمُ الَّذِينَ بَارَزُوهُ بِالْعَدَاوَةِ، وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ؛ بِالْكُفْرِ، وَالْقَتْلِ، وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ، وَإِخَافَةِ السُّبُلِ.
وَالمَشْهُورُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ فِي أَحْكَامِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ الَّذِينَ يَعْرِضُونَ لِلنَّاسِ فِي الْقُرَى وَالْبَوَادِي، فَيَغْصِبُونَهُمْ أَمْوَالَهُمْ، وَيَقْتُلُونَهُمْ، وَيُخِيفُونَهُمْ، فَيَمْتَنِعُ النَّاسُ مِنْ سُلُوكِ الطَّرِيقِ الَّتِي هُمْ بِهَا، فَتَنْقَطِعُ بِذَلِكَ.
فَأَخْبَرَ اللهُ أَنَّ جَزَاءَهُمْ وَنَكَالَهُمْ عِنْدَ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُفْعَلَ بِهِمْ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ».
وَقَطْعُ الطَّرِيقِ، وَتَرْوِيعُ الْآمِنِينَ وَالسَّابِلَةِ، وَإِخَافَةُ النَّاسِ، وَتَخْرِيبُ الْمُنْشَآتِ، وَتَفْجِيرُ الْأَبْرَاجِ الْكَهْرُبَائِيَّةِ وَالْأَكْشَاكِ، وَالِاعْتِدَاءُ عَلَى الْمُمْتَلَكَاتِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ؛ كُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْحِرَابَةِ؛ مِنَ الْإِفْسَادِ في الْأَرْضِ، مِمَّا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ الْعَارَ وَالشَّنَارَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا لَهُ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ الْعَظِيمِ فِي الْآخِرَةِ.
عِبَادَ اللهِ! لَقَدْ دُعِيَ الْمَلِكُ فَيْصَلُ -رَحِمَهُ اللهُ- إِلَى مُؤْتَمَرٍ صَحَافِيٍّ عَالَمِيٍّ فِي أَمِرِيكَا؛ لِيُجِيبَ عَنْ أَسْئِلَةِ كِبَارِ الْكُتَّابِ وَالْمُفَكِّرِينَ -وَفِيهِمُ الْكَثِيرُ مِنَ الْيَهُودِ-؛ فَسَأَلَهُ أَحَدُهُمْ -قَاصِدًا إِحْرَاجَهُ-:
سَمِعْنَا أَنَّكُمْ تُعَاقِبُونَ السَّارِقَ بِقَطْعِ يَدِهِ، وَالزَّانِي بِالرَّجْمِ، وَتِلْكَ عُقُوبَاتٌ بَرْبَرِيَّةٌ هَمَجِيَّةٌ، تَرْفُضُهَا مَدَنِيَّةُ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ؟!!
فَأَطْرَقَ الْمَلِكُ -رَحِمَهُ اللهُ-، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْيَهُودِيِّ، وَقَالَ بِهُدُوءٍ:
أُحِبُّ أَنْ أُؤَكِّدَ لَكَ أَنَّ تَطْبِيقَ تِلْكَ الْعُقُوبَةِ خِلَالَ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ قَدِ اقْتَصَرَ عَلَى حَادِثَتَيْنِ فِي بِلَادٍ شَاسِعَةٍ كَالْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ، وَقَدِ انْقَطَعَ دَابِرُ السَّرِقَةِ -أَوْ كَادَ- فِي بِلَادِنَا.
ثُمَّ قُلْ لِي أَنْتَ: هَلْ حَقَّقَتْ قَوَانِينُكُمُ الْوَضْعِيَّةُ الْقَضَاءَ عَلَى السَّرِقَاتِ، أَمْ أَنَّهَا شَجَّعَتِ النَّاسَ عَلَى التَّفَنُّنِ فِيهَا؟!!
لَقَدْ قَرَأْتُ فِي صُحُفِكُمُ الْيَوْمَ مِئَاتِ الْحَوَادِثِ عَنِ السَّرِقَاتِ الْمَصْحُوبَةِ بِالْعُنْفِ الَّتِي يَذْهَبُ ضَحِيَّتَهَا كُلَّ سَنَةٍ مِئَاتُ الْأُلُوفِ مِنَ الْأَبْرِيَاءِ.
هَلْ هَذَا الْقَانُونُ أَفْضَلُ أَمْ قَانُونُكُمْ؟!!
أَمَّا عُقُوبَةُ رَجْمِ الزَّانِي فَقَدْ أَحَاطَهَا الْإِسْلَامُ بِاحْتِرَازَاتٍ كَثِيرَةٍ، تَجْعَلُ إِقَامَةَ الْحَدِّ فِيهَا مُتَعَذِّرَةً لِلْغَايَةِ، أَهَذَا أَفْضَلُ أَمْ مَا فِي مُجْتَمَعِكُمْ مِنْ مَبَاذِلَ أَخْلَاقِيَّةٍ، أَسْتَحِي أَنْ أُشِيرَ إِلَيْهَا؟!!
فَحَنَى الْيَهُودِيُّ رَأْسَهُ؛ مُوَافِقًا، وَضَجَّتِ الْقَاعَةُ بِتَصْفِيقِهِمْ.
مَعَ أَنَّ السَّائِلَ يَهُودِيٌّ، وَرَجْمُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ مِنَ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي قَرَّرَهَا اللهُ تَعَالَى فِي التَّوْرَاةِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّوْرَاةِ الَّتِي يُؤْمِنُ بِهَا هَذَا السَّائِلُ الْيَهُودِيُّ!!
وَلَكِنْ مَحْضُ الِافْتِرَاءِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ!! مَحْضُ الْبُهْتَانِ!!
المصدر:تَقْدِيمُ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ عَلَى الْخَاصَّةِ وَأَثَرُهَا فِي اسْتِقْرَارِ الْمُجْتَمَعَاتِ وَبِنَاءِ الدُّوَلِ