((سَعَةُ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَكَمَالُهَا))
فَإِنَّ مِنْ أَظْلَمِ الظُّلْمِ أَنْ تُوصَفَ الْحَسَنَاتُ بِأَنَّهَا سَيِّئَاتٌ، وَمِنْ أَظْلَمِ الظُّلْمِ أَنْ يُوصَفَ الْحُسْنُ وَالْمَلَاحَةُ بِالْقُبْحِ وَالدَّمَامَةِ!!
وَإِنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ -لِأَنَّهُ مِنْ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ- دِينٌ كَامِلٌ، لَيْسَ فِيهِ نَقْصٌ بِحَالٍ أَبَدًا، أَكْمَلَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَأَتَمَّهُ، وَأَتَمَّ بِهِ النِّعْمَةَ عَلَى عِبَادِهِ، وَجَعَلَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- صَالِحًا مُنَاسِبًا لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ.
وَضَبَطَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهِ نِسَبَ الْأَشْيَاءِ، فَلَا تَجِدُ فِيهِ خَلَلًا أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ عِنْدَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ.
((دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ أَكْمَلُ الْأَدْيَانِ، وَأَفْضَلُهَا, وَأَعْلَاهَا، وَأَجَلُّهَا.
وَقَدْ حَوَى مِنَ الْمَحَاسِنِ، وَالْكَمَالِ، وَالصَّلَاحِ، وَالرَّحْمَةِ، وَالْعَدْلِ، وَالْحِكْمَةِ مَا يَشْهَدُ للهِ تَعَالَى بِالْكَمَالِ الْمُطْلَقِ، وَسَعَةِ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، وَيَشْهَدُ لِنَبِيِّهِ ﷺ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأَنَّهُ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ، الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4].
فَهَذَا الدِّينُ الْإِسْلَامِيُّ أَعْظَمُ بُرْهَانٍ، وَأَجَلُّ شَاهِدٍ للهِ تَعَالَى بِالتَّفَرُّدِ بِالْكَمَالِ الْمُطْلَقِ كُلِّهِ، وَلِنَبِيِّهِ ﷺ بِالرِّسَالَةِ وَالصِّدْقِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَاسِنَ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ عَامَّةً فِي جَمِيعِ مَسَائِلِهِ وَدَلَائِلِهِ، وَفِي أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، وَفِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ عُلُومِ الشَّرْعِ وَالْأَحْكَامِ، وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ عُلُومِ الْكَوْنِ وَالِاجْتِمَاعِ.
دِينُ الْإِسْلَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى أُصُولِ الْإِيمَانِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136].
فَهَذِهِ الْأُصُولُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ عِبَادَهُ بِهَا هِيَ الْأُصُولُ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ، وَهِيَ مُحْتَوِيَةٌ عَلَى أَجَلِّ الْمَعَارِفِ وَالِاعْتِقَادَاتِ؛ مِنَ الْإِيمَانِ بِكُلِّ مَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ، وَعَلَى بَذْلِ الْجُهْدِ فِي سُلُوكِ مَرْضَاتِهِ.
فَدِينٌ أَصْلُهُ الْإِيمَانُ بِاللهِ، وَثَمَرَتُهُ السَّعْيُ فِي كُلِّ مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَإِخْلَاصُ ذَلِكَ للهِ، هَلْ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ دِينٌ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَأَجَلَّ، وَأَفْضَلَ؟!!
وَدِينٌ أَمَرَ بِالْإِيمَانِ بِكُلِّ مَا أُوتِيهِ الْأَنْبِيَاءُ، وَالتَّصْدِيقِ بِرِسَالَاتِهِمْ، وَالِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ الَّذِي جَاءُوا بِهِ مِنْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَعَدَمِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمْ، وَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ رُسُلُ اللهِ الصَّادِقُونَ، وَأُمَنَاؤُهُ الْمُخْلِصُونَ، يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ -أَيْ إِلَى هَذَا الدِّينِ الَّذِي أَمَرَ بِهَذَا كُلِّهِ- أَيُّ اعْتِرَاضٍ وَقَدْحٍ.
فَهُوَ يَأْمُرُ بِكُلِّ حَقٍّ، وَيَعْتَرِفُ بِكُلِّ صِدْقٍ، وَيُقَرِّرُ الْحَقَائِقَ الدِّينِيَّةَ الْمُسْتَنِدَةَ إِلَى وَحْيِ اللهِ لِرُسُلِهِ، وَيَجْرِي مَعَ الْحَقَائِقِ الْعَقْلِيَّةِ الْفِطْرِيَّةِ النَّافِعَةِ.
وَلَا يَرُدُّ حَقًّا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَلَا يُصَدِّقُ بِكَذِبٍ، وَلَا يَرُوجُ عَلَيْهِ الْبَاطِلُ، فَهُوَ مُهَيْمِنٌ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ، يَأْمُرُ بِمَحَاسِنِ الْأَعْمَالِ، وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَمَصَالِحِ الْعِبَادِ; وَيَحُثُّ عَلَى الْعَدْلِ، وَالْفَضْلِ، وَالرَّحْمَةِ، وَالْخَيْرِ، وَيَزْجُرُ عَنِ الظُّلْمِ، وَالْبَغْيِ، وَمَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ.
مَا مِنْ خَصْلَةِ كَمَالٍ قَرَّرَهَا الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ إِلَّا وَقَرَّرَهَا وَأَثْبَتَهَا، وَمَا مِنْ مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ وَدُنْيَوِيَّةٍ دَعَتْ إِلَيْهَا الشَّرَائِعُ إِلَّا حَثَّ عَلَيْهَا، وَلَا مَفْسَدَةٍ إِلَّا نَهَى عَنْهَا، وَأَمَرَ بِمُجَانَبَتِهَا.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ عَقَائِدَ هَذَا الدِّينِ هِيَ الَّتِي تَزْكُو بِهَا الْقُلُوبُ، وَتَصْلُحُ الْأَرْوَاحُ، وَتَتَأَصَّلُ بِهَا مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ، وَمَحَاسِنُ الْأَعْمَالِ)) .
المصدر:فَهْمُ مَقَاصِدِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَصَلَاحِيَتُهَا لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ