التَّحْذِيرُ مِنْ إِشَاعَةِ الْفَوْضَى


((التَّحْذِيرُ مِنْ إِشَاعَةِ الْفَوْضَى))

فَقَدْ حَذَّرَ الْإِسْلَامُ مِنَ الْغِيبَةِ وَالْوَقِيعَةِ فِي الْأَعْرَاضِ، وَمِنَ الْكَذِبِ وَالْبُهتَانِ وَالنَّمِيمَةِ.

وَهَلِ الشَّائِعَةُ إِلَّا كَذَلِكَ؟!!

وَأَمَرَ الْإِسْلَامُ بِحِفْظِ اللِّسَانِ، وَأَظْهَرَ خُطُورَةَ الْكَلِمَةِ، وَحَرَّمَ الْقَذْفَ وَالْإِفْكَ، وَتَوَعَّدَ مُحِبِّي رَوَاجِ الشَّائِعَاتِ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور: 19].

عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُقَدِّمَ حُسْنَ الظَّنِّ بِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ, {لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُواْ هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ} [النور: 12].

وَالشَّائِعَاتُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى سُوءِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِينَ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12 ].

وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي «صَحِيحَيْهِمَا» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَرْفَعُهُ: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَنَافَسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانًا».

لَقَدْ حَثَّ الْإِسْلَامُ عَلَى التَّثَبُّتِ وَالتَّبَيُّنِ فِي نَقْلِ الْأَخْبَارِ، وَأَنْ يَطْلُبَ الْمُسْلِمُ الدَّلِيلَ الْبُرهَانِيَّ عَلَى أَيِّ خَبَرٍ يَسمَعُهُ, {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].

وَقَدْ أَخْبَرَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَنَّ الْإِنْسَانَ مَسْئُولٌ أَمَامَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-, وَمُحَاسَبٌ عَلَى كُلِّ صَغِيرٍ وَجَلِيلٍ: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].

نَهَى الْإِسْلَامُ أَتْبَاعَهُ أَنْ يُطْلِقُوا الْكَلَامَ عَلَى عَوَاهِنِهِ، وَيُلْغُوا عُقُولَهُمْ عِنْدَ كُلِّ كَلَامٍ وَشَائِعَةٍ، وَيُجَانِبُوا تَفْكِيرَهُمْ عِنْدَ كُلِّ ذَائِعَةٍ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَنْسَاقُوا وَرَاءَ كُلِّ نَاعِقٍ، نَهَاهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوا كُلَّ دَاعٍ مَارِقٍ.

عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَفَكَّرَ فِي عَوَاقِبِ الْإِشَاعَةِ, وَأَنْ يَعُودَ مَرَّةً وَمَرَّةً وَمَرَّةً وَمَرَّاتٍ إِلَى آيَةِ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ: {أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].

كُلُّ خَبَر يَنْشُرُهُ الْإِنْسَانُ مِمَّا يُثِيرُ الْفِتْنَةَ أَوِ الْغَوْغَاءَ, أَوْ يُثِيرُ التَّسَخُّطَ, أَوْ يُسَبِّبُ شَتْمًا أَوْ أَذِيَّةً لِأَيِّ إِنسَانٍ بَغَيْرِ وَجْهِ حَقٍّ, أَوْ يُنَبِّهُ بَعْضَ النَّاسِ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الشَّرِّ كَانُوا عَنْهُ غَافِلِينَ, لَا يَجُوزُ نَشْرُهُ، وَنَاشِرُهُ آثِمٌ, يَحْمِلُ إِثْمَ كُلِّ مَا تَسَبَّبَ بِهِ خَبَرُهُ.

وَاللهُ تَعَالَى ذَمَّ كُلَّ نَاشِرٍ  لِلْأَخْبَارِ الَّتِي تُزَعْزِعُ أَمْنَ النَّاسِ, وَتُثِيرُ الْخَوْفَ وَتَدْعُو إِلَى الْفَوْضَى فِي الْمُجْتَمَعِ؛ لِأَنَّ السُّوقَةَ وَعَامَّةَ النَّاسِ لَا يَصْلُحُونَ لِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ, وَلَا لِأُمُورِ السِّيَاسَةِ, وَلَيْسَ لِعَامَّةِ النَّاسِ أَنْ يَلُوكُوا أَلْسِنَتَهُمْ بِسِيَاسَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ.

السِّيَاسَةُ لَهَا نَاسُهَا, وَلَوْ أَنَّ السِّيَاسَةَ صَارَتْ تُلَاكُ بَيْنَ أَلْسُنِ عَامَّةِ النَّاسِ لَفَسَدَتِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُ عَقْلٌ.

الْعَامَّةُ لَيْسُوا كَأُولِي الْأَمْرِ, وَأُولِي الرَّأْيِ وَالْمَشُورَةِ, فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي السِّيَاسَةِ مِنَ الْمَجَالَاتِ الْعَامَّةِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ فِيهَا أَفرَادُ الْمُجْتَمَعِ جَمِيعًا!!

مَنْ أَرَادَ أَنْ تَكُونَ الْعَامَّةُ مُشَارِكَةً لِوُلَاةِ الْأُمُور فِي سِياسَاتِهَا وَفِي رَأْيِهَا وَفِكْرِهَا؛ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا, وَخَرَجَ عَن هَدْيِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-.

هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ مُذِيعًا, كُلَّمَا سَمِعَ عَنْ خَبَرٍ مِنْ خَوْفٍ أَوْ أَمْنٍ أَذَاعَهُ, بَلْ قَد يَكُونُ مِنَ الْخَيْرِ أَنْ يَكْتُمَ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي حَصَلَ.

إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَنَا بِحِفْظِ مَنْطِقِنَا وَبحِفْظِ أَلْسِنَتِنَا؛ لِأَنَّ إِذَاعَةَ الْأَخْبَارِ وَالشَّائِعَاتِ بَيْنَ صُفُوفِ النَّاسِ مِمَّنْ لَا يَعْنِيهِمُ الْخَبَرُ أَوَّلًا, ثُمَّ يُشَارِكُونَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُمْ مِنَ الْخُبَرَاءِ -كَمَا هُوَ وَاضِحٌ فِي الْمُجْتَمَعِ الْمِصْرِيِّ-!!

عِنْدَنَا تِسْعُونَ مِلْيُونًا مِنَ الْمُحَلِّلِينَ الِاسْتِرَاتِيجِيِّينَ, وَالسِّيَاسِيِّينَ, وَالْعَسْكَرِيِّينَ, وَالِاقْتِصَادِيِّينَ, وَالْأَمْنِيِّينَ, وَالِاجْتِمَاعِيِّينَ، كُلُّ مِصْرِيٍّ صَارَ مُحَلِّلًا -إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ-!!

أَمْسِكْ لِسَانَكَ..

اتَّقِ اللهَ رَبَّكَ, خَفْ عَلَى بَلَدِكَ..

أَمْسِكُوا أَلْسِنَتَكُمْ يَرْحَمْكُمُ اللهُ..

أَقْبِلُوا عَلَى شَأْنِكُمْ..

ابْذُلُوا الْمَجْهُودَ؛ لِرِفْعَةِ وَطَنِكُمْ، وَالْحِفَاظِ عَلَيْهِ, إِنَّهُ يُغَرَّبُ!!

وَطَنُكُمْ يُغَرَّبُ!! يُقْصَدُ مَحْوُ هُوِيَّتِهِ الْإِسْلَامِيَّةِ, مَحْوُهَا تَمَامًا؛ لِكَيْ يَكُونَ مُجْتَمَعًا جَدِيدًا عَلَى نِظَامٍ جَدِيدٍ، يَتْبَعُ لِلنِّظَامِ الْعَالَمِيِّ الْجَدِيدِ!! أَلَا تَنْتَبِهُونَ؟!!

وَيْحَكُمْ أَلَا تُبْصِرُون؟!!

مَا لَكُمْ تَنْظُرُونَ وَلَا تُبْصِرُونَ؟!!

اتَّقُوا اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 

المصدر:حُرْمَةُ الْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ وَالْإِفْسَادِ وَإِشَاعَةِ الْفَوْضَى

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الدَّعْوَةُ إِلَى إِفْرَادِ اللهِ بِالْعِبَادَةِ
  فَضَائِلُ ذِكْرِ اللهِ وَثَمَرَاتُهُ
  وَسَائِلُ الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ السَّعِيدَةِ
  الْهِجْرَةُ هِجْرَتَانِ
  مِنْ مُوجِبَاتِ الْعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ: قِرَاءَةُ وَتَدَبُّرُ الْقُرْآنِ وَالْعَمَلُ بِهِ
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: رِعَايَةُ الْأَيْتَامِ وَالْفُقَرَاءِ
  فَضْلُ مِصْرَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  مَظَاهِرُ النِّظَامِ فِي الْعِبَادَاتِ
  حَثُّ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ
  أَمْرُ النَّبِيِّ ﷺ بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَتَرْغِيبُهُ فِيهَا
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: رِعَايَةُ الْأَهْلِ وَتَعْلِيمُهُمْ
  تَوَاضُعُ الصَّالِحِينَ وَعَدَمُ الِاغْتِرَارِ بِالنَّفْسِ
  الرَّدُّ عَلَى شُبُهَاتِ الطَّاعِنِينَ فِي رَحْمَةِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ
  أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ
  انْتِصَارُ الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ فِي السَّادِسِ مِنْ أُكْتُوبَر
  • شارك