((الْمُسْلِمُونَ جَسَدٌ وَاحِدٌ))
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْحَقَّ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ، نَأْخُذُ كِتَابَ اللهِ مُؤْمِنِينَ بِكِتَابِ اللهِ عَلَى مُرَادِ رَبِّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَنَأْخُذُ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ مُؤْمِنِينَ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ عَلَى مُرَادِ رَسُولِ اللهِ.
الْكِتَابُ عَلَى مُرَادِ اللهِ, وَالسُّنَّةُ عَلَى مُرَادِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
وَلَنْ تَعْرِفَ مُرَادَ اللهِ، وَلَا مُرَادَ رَسُولِهِ إِلَّا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ بِفَهْمِهِمْ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- عَاصَرُوا وَقَائِعَ التَّنْزِيلِ، وَعِنْدَهُمُ السَّلِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ؛ فَيَفْهَمُونَ الْمَقَاصِدَ كَأَنَّهَا حَيَّةٌ.
الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَطْهَرُ الْخَلْقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ قُلُوبًا؛ زَكَّاهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي كِتَابِهِ، وَزَكَّاهُمُ النَّبِيُّ ﷺ فِي صَحِيحِ صَرِيحِ سُنَّتِهِ، وَتَرَكَهُمْ عَلَى الْجَادَّةِ -عَلَى الْجَادَّةِ الْبَيْضَاءِ-.
فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي وَصْفِ حَالِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ -كَمَا فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ- قَالَ ﷺ: ((مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي)) -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-.
نَجَاتُكَ وَخَلَاصُكَ، وَفَوْزُكَ وَفَلَاحُكَ وَنَجَاحُكَ أَنْ تَكُونَ خَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ، خَلْفَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ سَارُوا وَرَاءَ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
لَوْ أَخَذَ النَّاسُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَحْدَهُ لَاسْتَقَامَتِ الْأُمُورُ, وَاجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ.
((مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي)).
هَلْ كَانَ الصَّحَابَةُ مُخْتَلِفِينَ فِي الْعَقِيدَةِ؟!!
حَاشَا وَكَلَّا!!
هَلِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي أُصُولِ الْعِبَادَاتِ؟!!
حَاشَا وَكَلَّا, وَإِنَّمَا كَانَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- -وَهُمْ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، ((خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي, ثُمَّ الِّذِينَ يَلُونَهُمْ, ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)) .
قَالَ: لَا أَدْرِي ذَكَرَ بَعْدُ قَرْنًا آخَرَ أَمْ لَا.
الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَتَابِعُو التَّابِعِينَ هَذِهِ هِيَ الثَّلَاثَةُ الْقُرُونُ الْمُفَضَّلَةُ, وَلَا تَحْسَبَنَّ الْقَرْنَ مِئَةَ عَامٍ كَمَا فِي عُرْفِ النَّاسِ, وَإِنَّمَا ذَهَبَ الْقُرُونُ الْمُفَضَّلَةِ بِذَهَابِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ-.
مَا الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ؟
كَانُوا يَجْمَعُونَ الْأُمَّةَ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُنَفِّرُونَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَيُحَارِبُونَهُمْ, وَيَحْسِبُونَ ذَلِكَ, وَيَحْتَسِبُونَهُ عِنْدَ اللهِ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ.
أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ فِي كُلِّ مَكَانٍ!
أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ فِي كُلِّ زَمَانٍ!
دُونَكِ حَدِيثُ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ ﷺ.
الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ: ((مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي)) ﷺ وَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-.
اتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ! وَاجْتَهِدُوا فِي أَنْ تَكُونَ أَعْمَالُكُمْ خَالِصَةً لِلَّهِ، لِلَّهِ وَحْدَهُ.
وَلَا يَخْدَعَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ!
((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ -أَيْ يَئِسَ عَلَى الْإِقْلَابِ الْمَكَانِيِّ- إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ, وَلَكِنْ بِالتَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ)) .
فَكُفُّوا تَحْرِيشَ الشَّيْطَانِ عَنْكُمْ!
تَوَادُّوا, تَنَاصَحُوا؛ فَإِنَّ هَذَا الدِّينَ لَوْ عَلِمَهُ أَهْلُهُ, وَاللَّهِ لَكَانُوا أَسْعَدَ أَهْلِ الْأَرْضِ, وَإِنْ كَانُوا فِي قِلَّةٍ؛ وَإِنْ كَانُوا فِي عُدْمٍ, وَإِنْ كَانُوا لَا يَجِدُونَ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَالصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- كَانُوا مُقِلِّينَ.
كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَنَامُ عَلَى الْحَصِيرِ يُؤَثِّرُ فِي جَنْبِهِ.
كَانَ ﷺ لَوْ أَرَادَ الْمُلْكَ قَادِرًا عَلَيْهِ مُعْطًى إِيَّاهُ؛ وَلَكِنْ رَدَّهُ ﷺ؛ وَفَضَّلَ أَنْ يَعِيشَ عَبْدًا نَبِيًّا؛ فَكَانَ سَيِّدًا؛ لِأَنَّ الَّذِي يَعِيشُ لِنَفْسِهِ قَدْ يَعِيشُ مُسْتَرِيحًا وَلَكِنَّهُ يَعِيشُ صَغِيرًا, وَيَمُوتُ صَغِيرًا!!
وَالَّذِي يَعِيشُ لِدِينِهِ.. يَعِيشُ لِآخِرَتِهِ.. يَعِيشُ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِرْشَادِ الضَّالِّينَ، وَهِدَايَةِ الْحَائِرِينَ؛ يَعِيشُ كَبِيرًا وَيَمُوتُ كَبِيرًا, وَيُسَمَّى فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ كَبِيرًا رَبَّانِيًّا.
الَّذِي يَعِيشُ لِنَفْسِهِ قَدْ يَحْيَا مُسْتَرِيحًا قَدْ يَحْيَا مُسْتَرِيحًا؛ قَدْ! قَدْ يَحْيَا مُسْتَرِيحًا؛ لِأَنَّ الْمُنَغِّصَاتِ لَا بُدَّ وَاقِعَةٌ, وَلِأَنَّ الْمُتَنَكِّبَ لِسَبِيلِ الْحَقِّ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ فِي الْقَلَقِ، وَالْهَمِّ، وَالْغَمِّ الْمُقِيمِ؛ وَلِأَنَّ السَّعَادَةَ وَانْشِرَاحَ الصَّدْرِ فِي إِخْلَاصِ الْقَصْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
أَخْلِصُوا الْقَصْدَ لِلَّهِ!
عِيشُوا لِلدِّينِ!
عِيشُوا لِلْآخِرَةِ! كُونُوا أَبْنَاءَ الْآخِرَةِ يَا أَبْنَاءَ الدُّنْيَا؛ وَلَا تَسْتَبْدِلُوا بَاقٍ بِفَانٍ؛ وَلَا تَسْتَبْدِلُوا ثَمِينًا بِرَخِيصٍ!!
فَإِنَّ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ يَفْنَى, وَالْآخِرَةَ لَوْ كَانَتْ مِنْ خَزَفٍ يَبْقَى؛ لَفُضِّلَتِ الْآخِرَةُ عَلَى الدُّنْيَا.
فَكَيْفَ وَالدُّنْيَا مِنْ خَزَفٍ يَفْنَى, وَالْآخِرَةُ مِنْ ذَهَبٍ يَبْقَى؟!
كَيْفَ لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا مِنْ ذَهَبٍ يَفْنَى, وَالْآخِرَةُ مِنْ خَزَفٍ يَبْقَى!
فَلْتَعْتَدِلْ أَمَامَكُمْ مَوَازِينُكُمْ!
وَلْتَضَعُوا أَقْدَامَكُمْ عَلَى صِرَاطِ رَبِّكُمْ!
أَدِيمُوا ذِكْرَ اللهِ؛ أَدْمِنُوا ذِكْرَ اللهِ؛ لِتَرِقَّ الْقُلُوبُ الْغَلِيظَةُ!
أَدِيمُوا ذِكْرَ اللهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُذِيبُ قَسَاوَةَ الْقَلْبِ إِلَّا ذِكْرُ اللهِ!
تَعَلَّمُوا دِينَ رَبِّكُمْ!
وَحِّدُوا رَبَّكُمْ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-!
تَعَلَّمُوا الْعَقِيدَةَ الصَّحِيحَةَ, وَارْجِعُوا إِلَيْهَا؛ فَإِنَّ الْعَمَلَ لَوْ كَانَ صَالِحًا ظَاهِرًا لَا يُقْبَلُ إِلَّا وَمَعَهُ رُوحُهُ.
أَفِيقُوا؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ جِدٌّ؛ وَالْأُمَّةُ تُرِيدُكُمْ كُلَّكُمْ.
وَلَا يَظُنَّنَّ أَحَدٌ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْعُوَ إِلَى اللهِ؛ يَقُولُ: لَا عِلْمَ عِنْدِي, لَا مَالَ لَدَيَّ, لَا قُدْرَةَ أَمْتَلِكُهَا.
أَلَا شَاهَتْ وُجُوهُ الْأَبْعَدِينَ!
مَا أَقْبَحَ الْجَهْلَ وَأَقْبَحَ أَهْلَهُ!
بَلْ يَسْتَطِيعُ كُلُّ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((الْمُسْلِمُونَ جَسَدٌ وَاحِدٌ)).
وَفِي رِوَايَةٍ: ((الْمُؤْمِنُونَ جَسَدٌ وَاحِدٌ)).
هَذِهِ وَهَذِهِ صَحِيحَةٌ فِي ((الصَّحِيحِ)) .
الْمُسْلِمُونَ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ؛ الْمُؤْمِنُونَ جَسَدٌ وَاحِدٌ.
نَعَمْ! ((إِذَا تَدَاعَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)).
الْإِسْلَامِ -أَيْضًا- كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ فِي تَمْثِيلِ الْمُسْلِمِينَ بِحَامِلٍ تَعَلَّقَ بِهِ جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْجَسَدِ الْوَاحِدِ فِي الْجَسَدِ الْإِنْسَانِيِّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْكِرَ أَحَدٌ فَضْلَ عُضْوٍ وَلَوْ كَانَ هَامِشِيًّا وَلَوْ كَانَ زَائِدَةً, كَمَا يَقُولُونَ؛ لِأَنَّهَا إِنِ اعْتَلَّتْ عَلَيْكَ آذَتْكَ, وَتَطَلَّبَتْ مِنْكَ مَالًا وَرُقَادًا.
عَافَاكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
إِذَنْ؛ كُلُّ عُضْوٍ؛ ظُفْرُكَ أَنْتَ فِي حَاجَةٍ إِلَيْهِ؛ أَشْفَارُ عَيْنَيْكَ تُؤَدِّي الْوَظِيفَةَ فِي مَكَانِهَا؛ وَلَا تَحْتَقِرْ وَظِيفَتَهَا.
نَعَمْ! أَنْتَ لَا تَعْرِفُ قِيمَةَ الْعُضْوِ مِنْ أَعْضَائِكَ إِلَّا إِذَا اعْتَلَّ, أَوْ فُقِدَ؛ لِأَنَّ إِلْفَ الْعَادَةِ جَعَلَكَ لَا تَعْرِفُ النِّعْمَةَ إِلَّا عِنْدَ فَقْدِهَا.
وَأَعْضَاؤُكَ بَنَاهَا رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَآتَاكَ إِيَّاهَا عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ الْوَظِيفَةَ مَا دَامَتْ صَحِيحَةً؛ فَأَنْتَ لَا تُحِسُّ بِهَا إِلَّا إِذَا اعْتَلَّتْ أَوْ فُقِدَتْ.
الْجَسَدُ الْإِنْسَانِيُّ أَنْتَ لَا تُنْكِرُ فَائِدَةَ أَيِّ عُضْوٍ مِنْهُ, وَلَوْ كَانَ فِي نَظَرِ النَّاسِ قَلِيلًا حَقِيرًا.
وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ جَسَدٌ وَاحِدٌ, لَوْ أَدَّيْتَ عَمَلَكَ, وَاتَّقَيْتَ رَبَّكَ وَأَخْلَصْتَ فِي أَدَاءِ مَا نِيطَ بِعُنُقِكَ, وَأَكَلْتَ مِنْ حَلَالٍ, وَأَطْعَمْتَ أَهْلَكَ وَأَبْنَاءَكَ تَكُونُ قَدْ قَدَّمْتَ أَعْظَمَ خِدْمَةٍ لِدِينِ اللهِ.
وَمِنْ هُنَا فَابْدَأْ.
المصدر:الْعِيدُ وَاجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ