((الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ))
الرَّسُولُ ﷺ دَلَّ الْأُمَّةَ -كَمَا دَلَّهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-- عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ؛ بَلْ مِنْ أَوْسَعِ أَبْوَابِ الْخَيْرِ, فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَمَّا جَعَلَ هَذَا الْعَشْرَ الْأَخِيرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ مَوْسِمًا لِلطَّاعَةِ, وَالْإِقْبَالِ عَلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ جَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِيهِ بَابًا مِنَ الْأَبْوَابِ الْعَظِيمَةِ لَا يُكَلِّفُ النَّاسَ شَيْئًا, وَلَكِنَّ النَّاسَ يَبْخَلُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْخَيْرِ!!
وَاللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ أَبْوَابَ الْخَيْرِ بِعَدَدِ الْأَنْفَاسِ, فَالْإِنْسَانُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصِلَ إِلَى فِعْلِ الْخَيْرِ -حَتَّى بِنِيَّتِهِ؛ وَإِنْ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا-؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَبِيتَ بِالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ عَابِدًا للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَيَسْبِقُ مَنْ يَقُومُ اللَّيْلَ وَيَصُومُ النَّهَارَ؛ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَاذِلًا لِلْجُهْدِ، وَأَلَّا يَكُونَ مُقَصِّرًا فِي الْأَدَاءِ.
فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَلَّنَا -كَمَا دَلَّهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-- عَلَى بَابٍ عَظِيمٍ جِدًّا, وَأَرْشَدَ الرَّسُولُ ﷺ إِلَيْهِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- عِنْدَمَا سَأَلَتِ الرَّسُولَ ﷺ عَمَّا تَقُولُهُ إِذَا عَرِفَتْ وَعَلِمَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ.
وَقَوْلُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- فِي سُؤَالِهَا لِلرَّسُولِ ﷺ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛ أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ؛ مَاذَا أَقُولُ؟
الْعِبَادَةُ الَّتِي دَلَّ النَّبِيُّ ﷺ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- عَلَيْهَا؛ وَهِيَ الدُّعَاءُ: قَالَ ﷺ: ((قُولِي: اللهم إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ؛ فَاعْفُ عَنِّي)) .
الذِّكْرُ، وَالدُّعَاءُ.
كَانَ الرَّسُولُ ﷺ يَسْتَعِدُّ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَيَأْخُذُ أُهْبَتَهُ؛ مِنْ أَجْلِ الْإِكْثَارِ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَذِكْرِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَا لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الشَّهْرِ؛ بَلْ إِنَّهُ ﷺ كَانَ يَعْتَزِلُ النِّسَاءَ.
الرَّسُولُ ﷺ لَمْ يَرِدْ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى لَيْلَةً إِلَى الصَّبَاحِ -يَعْنِي: لَمْ يُصَلِّ النَّبِيُّ ﷺ قِيَامَ اللَّيْلِ طُولَ اللَّيْلِ-.
لَمْ يَرِدْ -كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-- لَمْ يَحْدُثْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَامَ لَيْلَةً إِلَى الصَّبَاحِ؛ بَلْ كَانَ يَقُومُ وَيَنَامُ ﷺ, وَلَكِنَّهُا تَقُولُ فِي الْحَدِيثِ: ((إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ -تَعْنِي: الْعَشْرَ الْأَخِيرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ-؛ أَحْيَا لَيْلَهُ)) ؛ فَكَانَ لَا يَنَامُ اللَّيْلَ؛ فَهَذِهِ وَاحِدَةٌ.
فَمِنْ وَظَائِفِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ: أَنْ يَظَلَّ الْمُسْلِمُ سَاهِرًا لَيْلَهُ كُلَّهُ فِي ذِكْرٍ, وَفِي دُعَاءٍ, وَفِي تِلَاوَةٍ لِلْقُرْآنِ, وَفِي صَلَاةٍ -فِي قِيَامٍ-, وَفِي تَفَكُّرٍ فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ, فِي عِبَادَةٍ للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- اللَّيْلَ كُلَّهُ.
((كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ؛ أَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ)).
وَكَانَ ﷺ يَتَقَلَّلُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ, وَهَذَا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَيْهِ الْمُسْلِمُ.
فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي التَّقْلِيلِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا جَاءَ فِي الْإِفْطَارِ فَامْتَلَأَ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ -وَيَكُونُ بِذَلِكَ قَدْ عَوَّضَ الْوَجْبَةَ الَّتِي فَاتَتْهُ فِي الضُّحَى أَوْ فِي الظُّهْرِ-؛ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ قَدْ صَنَعَ شَيْئًا, وَإِنَّمَا يَثْقُلُ عَنِ السَّهَرِ, وَيَثْقُلُ عَنِ الْعِبَادَةِ, وَيَنْطَرِحُ حِينَئِذٍ؛ كَمَا جَاءَ الْوَصْفُ فِي أَمْثَالِ هَؤُلَاءِ: جِيفَةٌ بِاللَّيْلِ، حِمَارٌ بِالنَّهَارِ!!
فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي أَلَّا يُضَيِّعَ هَذِهِ الْعَشْرَ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ مِنْ حِيَلِهِ الْكَثِيرَةِ: أَدْخَلَ -وَبِخَاصَّةٍ عَلَى النِّسَاءِ- عَلَيْهِمْ أُمُورًا تُضَيِّعُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْفَتْرَةَ الْعَظِيمَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ, وَهِيَ لَا تَتَكَرَّرُ إِلَّا فِي كُلِّ عَامٍ, وَالْمَرْءُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ بَعْدَ ذَلِكَ, وَإِذَا أَتَى فَالْمَرْءُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ بِصِحَّةٍ يَسْتَطِيعُ بِهَا أَنْ يَقُومَ بِالْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا.
فَعَلَى النِّسَاءِ خَاصَّةً أَنْ يَجْتَهِدْنَ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْعَظِيمَةِ؛ وَهِيَ عِبَادَةُ الذِّكْرِ.
المصدر:ذِكْرُ اللهِ فِي رَمَضَانَ