((الْمَوْعِظَةُ الثَّلَاثُونَ))
((وَدَاعُ رَمَضَانَ وَسُنَنُ العِيدِ وَآدَابُهُ))
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ ﷺ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَقَدْ شَرَعَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي خِتَامِ شَهْرِكُمْ هَذَا عِبَادَاتٍ تَزِيدُكُمْ مِنَ اللهِ قُرْبًا، وَتَزِيدُ فِي إِيمَانِكُمْ قُوَّةً، وَفِي سِجِلِّ أَعْمَالِكُمْ حَسَنَاتٍ.
فَشَرَعَ اللهُ لَكُمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ.
وَشَرَعَ لَكُمُ التَّكْبِيرَ عِنْدَ إِكْمَالِ الْعِدَّةِ، وَيَبْدَأُ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْعِيدِ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ.
قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البَقَرَة: 185] .
التَّكْبِيرُ فِي الْعِيدِ، وَصِفَتُهُ:
وَالتَّكْبِيرُ شَعِيرَةٌ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فِي الْعِيدَيْنِ، وَصِفَتُهُ أَنْ يَقُولَ المسْلِمُ: ((اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ))
وَقَدْ وَرَدَتْ صِيَغٌ لِلتَّكْبِيرِ سِوَى هَذِهِ الصِّيغَةِ.
وَيُسَنُّ جَهْرُ الرِّجَالِ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَالْبُيُوتِ؛ إِعْلَانًا بِتَعْظِيمِ اللهِ، وَإِظْهَارًا لِعِبَادَتِهِ وَشُكْرِهِ وَحَمْدِهِ.
وَيُسِرُّ بِهِ النِّسَاءُ؛ لِأَنَّهُنَّ مَأْمُورَاتٌ بِالتَّسَتُّرِ، وَالْإِسْرَارِ بِالصَّوْتِ.
وَمَا أَجْمَلَ حَالَ النَّاسِ وَهُمْ يُكَبِّرُونَ اللهَ تَعْظِيمًا وَإِجْلَالًا فِي كُلِّ مَكَانٍ عِنْدَ انْتِهَاءِ شَهْرِ صَوْمِهِمْ!!
يَمْلَؤُونَ الْآفَاقَ تَكْبِيرًا، وَتَحْمِيدًا، وَتَهْلِيلًا، يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ! .
فَتُكَبِّرُ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ, وَأَنْتَ سَائِرٌ فِي الطَّرِيقِ إِلَى أَنْ تَجْلِسَ فِي الْمُصَلَّى.
وَإِذَا مَا جَلَسَ الْإِنْسَانُ فِي الْمُصَلَّى عَلَيْهِ أَنْ يُكَبِّرَ وَحْدَهُ.
وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ قَائِدٌ يَأْخُذُ الْمُكَبِّرَ -مُكَبِّرَ الصَّوْتِ- وَيَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ... وَهُمْ يَسِيرُونَ خَلْفَهُ مِثْلَ الْمَايسْتِرُو مَعَ فِرْقَتِهِ!! فَهَذَا غَيْرُ وَارِدٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَلَا عَنْ صَحَابَتِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-.
فَلَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ هَذَا الْفِعْلُ، وَلَا نَنْسَى أَنَّ هَذَا التَّكْبِيرَ عِبَادَةٌ مَبْنَاهَا عَلَى التَّوْقِيفِ؛ فَحَتَّى نَزْدَادَ بِهَا مِنَ اللهِ قُرْبًا لَا بُعْدًا يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَفْعَلَهَا كَمَا فَعَلَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ.
فَالتَّكْبِيرُ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، عَلَى نِظَامٍ وَاحِدٍ، فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ، بِصَوْتٍ وَاحِدٍ بِدْعَةٌ.
صَلَاةُ الْعِيدِ:
شَرَعَ اللهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ صَلَاةَ الْعِيدِ يَوْمَ الْعِيدِ.
وَهِيَ مِنْ تَمَامِ ذِكْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، أَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِهَا أُمَّتَهُ رِجَالًا وَنِسَاءً، وَأَمْرُهُ مُطَاعٌ ﷺ؛ لِقَوْلِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمَّد: 33].
أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ النِّسَاءَ أَنْ يَخْرُجْنَ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ:
وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ النِّسَاءَ أَنْ يَخْرُجْنَ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ، مَعَ أَنَّ الْبُيُوتَ خَيْرٌ لَهُنَّ فِيمَا عَدَا هَذِهِ الصَّلَاةَ, وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَأَكُّدِهَا.
قَالَتْ أَمُّ عَطِيَّةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى؛ الْعَوَاتِقَ وَالحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى ، وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ.
قَالَ: ((لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا)) . مُتَّفَقٌّ عَلَيْهِ.
وَالْجِلْبَابُ لِبَاسٌ تَلْتَحِفُ فِيهِ الْمَرْأَةُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبَاءَةِ.
مِنْ سُنَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْعِيدِ:
«وَمِنَ السُّنَّةِ فِي الْعِيدِ:
- أَنْ يَأْكُلَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى الصَّلَاةِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ تَمَرَاتٍ وِتْرًا؛ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، يَقْطَعُهَا عَلَى وِتْرٍ؛ لِقَوْلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: ((كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمْرَاتٍ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا)) . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
- وَيَخْرُجُ مَاشِيًا، لَا رَاكِبًا إِلَّا مِنْ عُذْرٍ كَعَجْزٍ وَبُعْدٍ .
- وَكَانَ الرَّسُولُ ﷺ إِذَا خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى يَذْهَبُ مِنْ طَرِيقٍ، وَيَعُودُ مِنْ طَرِيقٍ ؛ قَالَ العُلَمَاءُ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ-: ((إِنَّهُ أَرَادَ تَكْثيرَ الشُّهُودِ يَومَ الْقِيَامَةِ)).
وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: ((إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى أَهْلِ الطَّرِيقَيْنِ)).
- وَيُسَنُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَجَمَّلَ، وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ الثِّيَابِ؛ لِمَا فِي ((صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ)) : عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ -أَيْ: مِنْ حَرِيرٍ- تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْتَعْ هَذِهِ -يعني: اِشْتَرِهَا-، تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ، وَالْوُفُودِ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ)).
وَإِنَّمَا قَالَﷺ ذَلِكَ؛ لِكَوْنِهَا حَرِيرًا.
وَأَمَّا التَّجَمُّلُ فَإِنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا رَدَّ عَلَيْهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنَ الْحَرِيرِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَى الذُّكُورِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَكَذَا الذَّهَبُ.
فَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ شَيْئًا مِنَ الْحَرِيرِ، أَوْ شَيْئًا مِنَ الذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُمَا حَرَامٌ عَلَى الذُّكُورِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ؛ لَا مُتَجَمِّلَةً وَلَا مُتَطَيِّبَةً، وَلَا مُتَبَرِّجَةً وَلَا سَافِرَةً؛ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالتَّسَتُّرِ، مَنْهِيَّةٌ عَنِ التَّبَرُّجِ بِالزِّينَةِ، وَعَنِ التَّطَيُّبِ حَالَ الْخُرُوجِ .
تَذَكَّرْ بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِي الْمُصَلَّى اجْتِمَاعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
وَمِنَ السُّنَّةِ الَّتِي لَا خِلَافَ عَلَيْهَا أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْعِيدِ فِي الْمُصَلَّى، وَلَمْ يُصَلِّهَا الرَّسُولُ ﷺ فِي الْمَسْجِدِ قَطُّ، لَا فِي عِيدِ فِطْرٍ وَلَا أَضْحَى ، مَعَ أَنَّ مَسْجِدَ النَّبيِّ ﷺ الصَّلَاةُ فِيهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ.
فَيُؤَدِّي الْمُسْلِمُ الصَّلَاةَ بِخُشُوعٍ وَحُضُورِ قَلْبٍ، وَيُكْثِرُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ وَدُعَائِهِ، وَيَرْجُو رَحْمَتَهُ وَيَخَافُ عَذَابَهُ، وَيَتَذَكَّرُ بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْمُصَلَّى اجْتِمَاعَهُمْ فِي الْمَقَامِ الْأَعْظَمِ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي صَعِيدِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَيَرَى إِلَى تَفَاضُلِهِمْ فِي هَذَا الْمُجْتَمَعِ -يَعْنِي إِذَا اجْتَمَعُوا لِصَلَاةِ الْعِيدِ-، فَيَتَذَكَّرُ بِهِ التَّفَاضُلَ الْأَكْبَرَ فِي الْآخِرَةِ، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} [الإِسْرَاء: 21] .
الْفَرَحُ يَوْمَ الْعِيدِ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ:
وَلَيَكُنِ المسْلِمُ فَرِحًا بِنِعْمَةِ اللهِ عَلَيْهِ بِإِدْرَاكِ رَمَضَانَ، وَعَمَلِ مَا تَيَسَّرَ فِيهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَالْقِرَاءَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الطَّاعَاتِ.
فَإِنَّ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يُونُس: 58].
فَإِنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ، وَقِيَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا مِنْ أَسْبَابِ مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ وَالتَّخَلُّصِ مِنَ الْآثَامِ.
فَالْمُؤْمِنُ يَفْرَحُ بِإِكْمَالِهِ الصَّوْمَ وَالْقِيَامَ، وَلِتَخَلُّصِهِ بِهِ مِنَ الْآثَامِ.
وَضَعِيفُ الْإِيمَانِ يَفْرَحُ بِإِكْمَالِهِ؛ لِتَخَلُّصِهِ مِنَ الصِّيَامِ الَّذِي كَانَ ثَقِيلًا عَلَيْهِ ضَائِقًا بِهِ صَدْرُهُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرَحَيْنِ عَظِيمٌ!! .
مُخَالَفَاتٌ مُشْتَهِرَةٌ يَوْمَ الْعِيدِ:
وَنَحْرِصُ إِنْ شَاءَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى أَلَّا نَأْتِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُخَالِفَةِ لِهَدْيِ نَبِيِّنَا محمَّدٍﷺ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي تَحْدُثُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: التَّزَيُّنُ بِحَلْقِ اللِّحْيَةِ وَهُوَ الْأَمْرُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الرِّجَالِ!!
وَمِنَ المخَالَفَاتِ أَيْضًا: مُصَافَحَةُ النِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ.
وَالتَّشَبُّهُ بِالكُفَّارِ وَالْغَرْبِيِّينَ فِي الْمَلَابِسِ, وَاسْتِمَاعِ الْمَعَازِفِ, وَتَبَرُّجِ النِّسَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ اتِّخَاذِ الْمُنْكَرَاتِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»
تَخْصِيصُ يَوْمِ الْعِيدِ بِزِيَارَةِ الْقُبُورِ بِدْعَةٌ:
وَمِنَ المخَالَفَاتِ أَيْضًا: تَخْصِيصُ يَوْمِ الْعِيدِ بِزِيَارَةِ الْقُبُورِ.
وَلَيْسَ مِنْ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ ﷺ هَذَا الْعَمَلُ، بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ مِنَ الْبِدَعِ الْمَرْذُولَةِ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا دَلِيلٌ؛ لَا مِنَ الْكِتَابِ، وَلَا مِنَ السُّنَّةِ.
حَدِيثٌ مُشْتَهِرٌ لَا يَصِحُّ:
وَالْحَدِيثُ الَّذِي يُقَالُ إِنَّهُ قَالَهُ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ: ((مَنْ أَحْيَا لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى؛ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ)) .
هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ غَيْرُ ثَابِتٍ، هَذَا لَيْسَ بِحَدِيثٍ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ كَذِبٌ مُخْتَلَقٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ.
((فِي وَدَاعِ رَمَضَانَ!!))
أَيَّامٌ أَدْبَرَتْ، وَمِنَ الْمَوْتِ قَرَّبَتْ:
عِبَادَ اللهِ! هَذِهِ الْأَيَّامُ قَدْ أَدْبَرَتْ، وَمِنَ الْمَوْتِ قَرَّبَتْ.
وَالسَّعَادَةُ فِي اجْتِنَابِ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ، وَفِي طَاعَةِ الْمَلِيكِ الْعَلَّامِ.
فَأَقْبِلُوا عَلَى رَبِّكُمْ، وَاتَّقُوا السَّيِّئَاتِ وَالذُّنُوبَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلذُّنُوبِ آثَارًا مُعَجَّلَةً وَمُؤَجَّلَةً، وَلَا بُدَّ مِنَ اسْتِيفَائِهَا.
فَمِنْ عُقُوبَاتِ الذُّنُوبِ: أَنَّهَا تُزِيلُ النِّعَمَ، وَتُحِلُّ النِّقَمَ.
فَمَا زَالَتْ عَنِ الْعَبْدِ نِعْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا حَلَّتْ بِهِ نِقْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّورَى: 30].
وَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الْأَنْفَال: 53].
فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ نِعْمَتَهُ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى أَحَدٍ؛ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُغَيِّرُ مَا بِنَفْسِهِ، فَيُغَيِّرُ طَاعَةَ اللهِ بِمَعْصِيَتِهِ، وَشُكْرَهُ بِكُفْرِهِ، وَأَسْبَابَ رِضَاهُ بِأَسْبَابِ سَخَطِهِ.
فَإِذَا غَيَّرَ الْعَبْدُ غُيِّرَ عَلَيْهِ؛ جَزَاءً وِفَاقًا، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، فَإِنْ غَيَّرَ الْمَعْصِيَةَ بِالطَّاعَةِ؛ غَيَّرَ اللهُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ بِالْعَافِيَةِ، وَالذُّلَّ بِالْعِزِّ؛ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرَّعْد: 11].
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا... فَإِنَّ الْمَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ
وَحُطْهَا بِطَاعَةِ رَبِّ الْعِبَادِ.... فَرَبُّ الْعِبَادِ سَرِيعُ النِّقَمْ
وَإِيَّاكَ وَالظُّلْمَ مَهْمَا اسْتَطَعْـتَ.... فَظُلْمُ الْعِبَادِ شَدِيدُ الْوَخَمْ
وَسَافِرْ بِقَلْبِكَ بَيْنَ الْوَرَى... لِتَبْصُرَ آثَارَ مَنْ قَدْ ظَلَمْ
فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ بَعْدَهُمْ... شُهُودٌ عَلَيْهِمْ وَلَا تَتَّهِمْ
وَمَا كَانَ شَيْءٌ عَلَيْهِمْ أَضَـ... رَّ مِنَ الظُّلْمِ وَهُوَ الَّذِي قَدْ قَصَمْ
فَكَمْ تَرَكُوا مِنْ جِنَانٍ وَمِنْ... قُصُورٍ وَأُخْرَى عَلَيْهِمْ أُطُمْ
صَلُوْا بِالْجَحِيمِ وَفَاتَ النَّعِيـ... مُ وَكَانَ الَّذِي نَالَهُمْ كَالْحُلُمْ
اتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ، وَارْجِعُوا إِلَيْهِ، وَاغْتَنِمُوا هَذِهِ الْأَوْقَاتَ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، مُطَّلِعٌ عَلَى مَا فِي قُلُوبِكُمْ، وَسَيُحَاسِبُكُمْ عَلَى مَا قَدَّمْتُمْ وَمَا أَخَّرْتُمْ، وَمَا أَسْرَرْتُمْ وَمَا أَعَلَنْتُمْ، وَمَا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكُمْ.
فَاتَّقُوا اللهَ، وَاحْذَرُوهُ؛ فَإِنَّهُ قَطَعَ الْيَدَ فِي رُبُعِ دِينَارٍ، وَجَلَدَ الظَّهْرَ حَدًّا فِي مِثْلِ رَأْسِ الدَّبُوسِ مِنَ الْخَمْرِ.
اتَّقُوا اللهَ، وَاحْذَرُوهُ؛ فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَنْبَغِي أَنْ يُحْذَرَ عِقَابُهُ، وَأَنْ يُحْذَرَ أَلِيمُ عَذَابِهِ، وَأَنْ يُطْمَعَ فِي رَحْمَتِهِ.
فَنَسْأَلُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ كَمَا مَنَّ عَلَينَا وَأَكْرَمَنَا بِأَنْ أَشْهَدَنَا هَذَا الشَّهْرَ، وَأَعَانَنَا عَلى مَا مَرَّ مِنْ صِيَامِهِ، وَتَفَضَّلَ عَلَينَا بِمَا مَرَّ عَلَينَا مِنْ قِيَامِهِ، أَنْ يُحْسِنَ لَنَا الخِتَامِ أَجْمَعِينِ؛ إِنَّهُ تَعَالى عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، وَبِالإِجَابَةِ جَدِيرٌ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
المصدر:مواعظ رمضانية - الجزء الثالث