الصِّيَامُ تَدْرِيبٌ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى


 ((الصِّيَامُ تَدْرِيبٌ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى))

عِبَادَ اللهِ! لَقَدْ ذَكَرَ تَعَالَى حِكْمَتَهُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الصِّيَامِ، فَقَالَ: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}؛ فَإِنَّ الصِّيَامَ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ التَّقْوَى، لِأَنَّ فِيهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ وَاجْتِنَابَ نَهْيِهِ.

فَمِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ التَّقْوَى: أَنَّ الصَّائِمَ يَتْرُكُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَنَحْوِهَا، الَّتِي تَمِيلُ إِلَيْهَا نَفْسُهُ؛ مُتَقَرِّبًا بِذَلِكَ إِلَى اللَّهِ، رَاجِيًا بِتَرْكِهَا ثَوَابَهُ، فَهَذَا مِنَ التَّقْوَى.

وَمِنْ أَعْظَمِ حِكَمِ الصِّيَامِ: أَنَّ الصَّائِمَ يُدَرِّبُ نَفْسَهُ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَتْرُكُ مَا تَهْوَى نَفْسُهُ، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، لِعِلْمِهِ بِاطِّلَاعِ اللَّهِ عَلَيْهِ.

إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ عَلَّمَ الْأُمَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ كَيْفَ تَكُونُ عَابِدَةً للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، فَصَارَ الشَّهْرُ مَدْرَسَةً لِتَعَلُّمِ الطَّاعَاتِ، وَالْإِقْبَالِ عَلى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ، وَطَاعَةِ النَّبِيِّ ﷺ فِي كُلِّ كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ.

جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الصِّيَامَ مَدْرَسَةً؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ نَتَعَلَّمَ كَيْفَ نَعْبُدُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَكَيْفَ نُحَصِّلُ التَّقْوَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].

فَأَنْتُمْ تُحَصِّلُونَ التَّقْوَى بِصِيَامِكُمْ لِرَبِّكُمْ؛ لِأَنَّ الصِّيَامَ سِرٌّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَى صَائِمًا وَهُوَ فِي الحَقِيقَةِ مُفْطِرٌ، آتٍ بِكُلِّ مَا حَرَّمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي الصِّيَامِ عَلَيهِ.

وَلَكِنْ لَا يَطَّلِعُ عَلَى حَقِيقَةِ أَمْرِهِ سِوَى اللهِ، وَهُوَ يُرَاقِبُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ.

فِي السِّرِّ بِأَلَّا يَفْسَخَ نِيَّةَ الصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَوْ فَسَخَ النِّيَّةَ، وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ، وَلَمْ يَأْتِ بِمُفَطِّرٍ؛ فَقَدْ أَفْطَرَ، فَهَذَا سِرٌّ بَاطِنٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيهِ إِلَّا اللهُ، وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى نِيَّةِ الصِّيَامِ لَا يَفْسَخُهَا.

ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ بَعِيدٌ عَنْ كُلِّ مَا يُفْطِرُ، فِي الجَلْوَةِ كَمَا هُوَ فِي الخَلْوَةِ، فِي السِّرِّ كَمَا هُوَ فِي الْعَلَنِ، وَالَّذِي يَطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

فَالصِّيَامُ يُعَلِّمُنَا التَّقْوَى، وَشَهْرُ رَمَضَانَ مَدْرَسَةٌ؛ يَتَعَلَّمُ الْإِنْسَانُ فِيهَا كَيْفَ يَكُونُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مُحَصِّلًا لِلتَّقْوَى.

رِقَابَةُ السِّرِّ، وَرِعَايَةُ الضَّمِيرِ، وَالتَّفْتِيشُ وَالتَّمْحِيصُ فِي الْبَوَاعِثِ وَالنِّيَّاتِ؛ أَمْرٌ مُهِمٌّ جِدًّا.

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنَا الْإِنَابَةَ إِلَيْهِ، وَالْإِقْبَالَ عَلَيْهِ، وَالِانْطِرَاحَ عَلَى أَبْوَابِ طَاعَاتِهِ؛ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

 

المصدر:رَمَضَانُ شَهْرُ الْمُرَاقَبَةِ الذَّاتِيَّة وَصِنَاعَةِ الضَّمِيرِ الْحَيِّ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  التَّرْهِيبُ مِنَ الْخِيَانَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ: الْأَمَانَةُ، وَالِاجْتِهَادُ فِي الْعَمَلِ
  شَهَادَاتُ الْمُنْصِفِينَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ بِالرَّحْمَةِ
  التَّحْذِيرُ مِنْ إِشَاعَةِ الْفَوْضَى
  حُقُوقُ الْأَطْفَالِ فِي الْإِسْلَامِ
  أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى الثَّقَليْنِ نِعْمَةُ الرَسُولِ ﷺ
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: الِاجْتِهَادُ فِي الطَّاعَاتِ وَمُجَانَبَةِ الْمَعَاصِي
  آدَابُ الْحِوَارِ فِي الْإِسْلَامِ
  مِنْ آدَابِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمَةِ: إِغَاثَةُ الْمَلْهُوفِ، وَإِعَانَةُ الضُّعَفَاءِ وَذَوِي الِاحْتِيَاجَاتِ الْخَاصَّةِ
  الْآثَارُ الْمُدَمِّرَةُ لِطُولِ الْأَمَلِ دُنْيَا وَآخِرَةً
  الْمُعَامَلَةُ بِالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، وَالْعَدْلِ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَالِمِينَ
  أَهَمِّيَّةُ اِغْتِنَامِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
  سُنَنُ العِيدِ وَآدَابُهُ
  حُرْمَةُ قَتْلِ السَّائِحِينَ وَالْأَجَانِبِ الْمُسْتَأْمَنِينَ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ
  تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى حُبِّ تَعَلُّمِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّة
  • شارك