فَضَائِلُ وَثَمَرَاتُ الزَّكَاةِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ


 ((فَضَائِلُ وَثَمَرَاتُ الزَّكَاةِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ ))

عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه، وَإِقَـامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وصَـوْمِ رَمَضَانَ». أَخْرَجَاهُ .

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ إِيمَانٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَــوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ، وَصَامَ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَأَعْطَى الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ,...» الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي ((السُّنَنِ)) بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ .

وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ، وَنَحْنُ نَسِيرُ.

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ؟

قَالَ: «لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ». الْحَدِيثَ .

أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَه، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «ثَلَاثٌ أَحْلِفُ عَلَيْهِنَّ، لَا يَجْعَلُ اللَّهُ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ، وَأَسْهُمُ الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةٌ: الصَّلَاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالزَّكَاةُ، وَلَا يَتَوَلَّى اللَّهُ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا فَيُوَلِّيَهُ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» الْحَدِيثَ .

أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَهُوَ صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ.

عَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «الْإِسْلامُ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ: الْإِسْلامُ سَهْمٌ، وَالصَّلاةُ سَهْمٌ، وَالزَّكَاةُ سَهْمٌ، وَالصَّوْمُ سَهْمٌ، وَحَجُّ الْبَيْتِ سَهْمٌ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ سَهْمٌ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ سَهْمٌ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ سَهْمٌ، وَقَدْ خَابَ مَنْ لَا سَهْمَ لَهُ» .

أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَحَسَّنَهُ لِغَيْرِهِ الْأَلْبَانِيُّ.

وَعَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ أَدَّى الرَّجُلُ زَكَاةَ مَالِهِ؟

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ، فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ شَرُّهُ» .

أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي «الْأَوْسَطِ»، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَهُوَ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ».

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْإِبِلُ؟

قَالَ: «وَلَا صَاحِبُ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ -وَالْقَرْقَرُ: الْمُسْتَوِي مِنَ الْأَرْضِ، الْوَاسِعُ- إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ لا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ».

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ؟

قَالَ: «وَلا صَاحِبُ بَقَرٍ وَلا غَنَمٍ لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أوْفَرَ مَا كَانت لا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ -وَهِيَ مُلْتَوِيَةُ الْقَرْنَيْنِ-، وَلا جَلْحَاءُ -وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا-، وَلا عَضْبَاءُ -وَهِيَ مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ- تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلافِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ».

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَالْخَيْلُ؟

قَالَ: «الْخَيْلُ ثَلاثَة؛ هِيَ لِرَجُلٍ وِزْرٌ، وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا رِيَاءً وَفَخْرًا وَنِوَاءً عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ -أَيْ : مُنَاوَأَةً وَمُعَادَاةً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ- فَهِيَ لَهُ وِزْرٌ، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا وَلا رِقَابِهَا، فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ.

وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ لأَهْلِ الإِسْلَامِ فِي مَرْجٍ وَرَوْضَةٍ -وَالْمَرْجُ: الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ ذَاتُ النَّبَاتِ الْكَثِيرِ الرَّطْبِ، وَالرَّوْضَةُ أَخَصُّ- فَمَا أَكَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ مِنْ شَيْءٍ إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عَدَدَ مَا أَكَلَتْ حَسَنَاتٍ، وَكَتَبَ لَهُ أَرْوَاثَهَا وَأَبْوَالَهَا حَسَنَاتٍ، وَلَا يَقْطَعُ طِوَالَهَا -وَهُوَ حَبْلُهَا الطَّوِيلُ، طَرَفُهُ فِي يَدِ الْفَرَسِ وَالْآخَرُ فِي الْوَتِدِ- وَلَا تَقْطَعُ طِوَالَهَا فَاسْتَنَّت شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ، وَلَا مَرَّ بِهَا صَاحِبُهَا عَلَى نَهْرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَسْقِيَهَا إلَّا كَتَبَ اللَّهُ تعالى لَهُ عَدَدَ مَا شَرِبَتْ حَسَنَاتٍ».

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَالْحُمُر؟

قَالَ: «ما أُنْزِلَ عَلَيَّ فِي الْحُمُرِ إِلَّا هَذِهِ الْآيَة الْفَاذَّة الْجَامِعَة: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7-8]» .

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لَهُ.

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خِصَالٌ خَمْسٌ إِنِ ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَنَزَلْنَ بِكُمْ وأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ -ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا وَتَفْصِيلِهَا-: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بها إِلا فَشَا فِيهِمُ الطاعونُ والأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلافِهِمْ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ.

وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلا مُنِعُوا الْقَطَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلا نَقَضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوٌّ مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَأْخُذُ بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بكتابِ الله إِلا جُعِلَ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ» .

أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، وَابْنُ مَاجَه، وَالْبَيْهَقِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَهُوَ ثَابِتٌ صَحِيحٌ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَمْسٌ بِخَمْسٍ».

قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا خَمْسٌ بِخَمْسٍ؟

قَالَ: «مَا نَقَضَ قَوْمٌ العَهْدَ إِلاَّ سُلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ، وَمَا حَكَمُوا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الْفَقْرُ، وَلَا ظَهَرَتْ فِيهِمُ الْفَاحِشَةُ إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الْمَوْتُ، وَلَا مَنَعُوا الزَّكَاةَ إِلَّا حُبِسَ عَنْهُمُ الْقَطرُ، وَلَا طَفَّفُوا الْمِكْيَالَ إِلَّا حُبِسَ عَنْهُمُ النَّبَاتُ وَأُخِذُوا بِالسِّنِينَ -أَيْ: بِالْمَجَاعَةِ وَالْقَحْطِ-» .

أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي «الْكَبِيرِ»، وَهُوَ صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ.

قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: { مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261].

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، فَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُّوَهُ -أَيْ: مُهْرَهُ- حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ». أَخْرَجَاهُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» .

فَهَذِهِ الصَّدَقَةُ إِذَا كَانَتْ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَتَصَدَّقَ بِهَا مُخْلِصًا وَهِيَ بِقَدْرِ تَمْرَةٍ؛ فإنَّ اللهَ يُرَبِّيهَا حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ، وَمَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، بَلْ تَزِيدُهُ بَرَكَةً فِي الدُّنْيَا وَأَجْرًا عَظِيمًا عِنْدَ اللهِ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟»

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ -أَيْ: مِنْ مَالِ وَارِثِهِ-.

قَالَ: «فَإِنَّمَا مَالُهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي «الصَّحِيحِ» .

الَّذِي يُمْسِكُهُ وَلَا يُنْفِقُهُ يَؤُولُ إِلَى وَارِثِهِ، وَهُوَ أَحْرَصُ عَلَى هَذَا الْمُمْسَكِ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى الْمُنْفَقِ، وَالْمُنْفَقُ مَالُهُ، وَالَّذِي يُبْقِيهِ وَيُمْسِكُهُ مَالُ وَارِثِهِ، فَوَقَعَ التَّنَاقُضُ هَاهُنَا، وَهَذَا مِمَّا لَا يُسِيغُهُ الْعَقْلُ.

قَالَ ﷺ: «بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ -يَقُولُ لِلسَّحَابِ مُخَاطِبًا: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، بِاسْمِهِ-.

فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنَ الشِّرَاج -يَعْنِي: مَسِيلًا مِنْ مَسَايِلِ الْمَاءِ- قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ -الرَّجُلُ الَّذِي سَمِعَ الصَّوْتَ- فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ؛ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَةٍ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ -وَالْمِسْحَاةُ مِجْرَفَةٌ مِنْ حَدِيدٍ-.

فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ، مَا اسْمُكَ؟

قَالَ: فُلَانٌ -لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ-.

فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، لِمَ سَأَلْتَنِي عَنِ اسْمِي؟

قَالَ: سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ، يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ -لِاسْمِكَ-، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟

قَالَ: أَمَا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثَهُ، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .

فَيَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ، -يَعْنِي: فِي إِصْلَاحِهَا-.

قَالَ ﷺ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ -وَلَوْ بِنِصْفِ تَمْرًةٍ-، فَلْيَفْعَلْ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِنَحْوِهِ.

فَلَا يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ مِنَ الصَّدَقَةِ شَيْئًا، فَإِنَّ الثَّوَابَ يَتَفَاضَلُ بِحَسَبِ مَا فِي الْقَلْبِ مِنَ الْإِخْلَاصِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِئَةَ أَلْفٍ دِرْهَمٍ».

قَالُوا: كَيْفَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: «رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ سِوَى دِرْهَمَيْنِ تَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا، وَرَجُلٌ عِنْدَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَتَصَدَّقَ مِنْ عُرْضِ مَالِهِ بِمِئَةِ أَلْفٍ» .

الدِّرْهَمُ أَفْضَلُ: «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِئَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ».

وَالثَّوَابُ يَتَفَاضَلُ بِتَفَاضُلِ مَا فِي الْقُلُوبِ؛ مَنَ أَخْرَجَ صَدَقَةً مُخْلِصًا بِهَا للهِ؛ تَقَبَّلَ اللهُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَصِل إِلَى أَهْلِهَا.

فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ: لَأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ.

فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى سَارِقٍ.

فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ.

ثُمَّ قَالَ: لَأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ، فَتَصَدَّقَ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ زَانِيَةٍ.

فَقَالَ: لَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ يَقُولُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ.

قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، عَلَى زَانِيَةٍ.

ثُمَّ قَالَ: لَأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ غَنِيٍّ.

فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى غَنِيٍّ.

فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ وَزَانِيَةٍ وَغَنِيٍّ.

فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَدْ تُقِبِّلَتْ.

أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأمَّا الغَنيُّ فلعلَّه أنْ يَعْتَبِرَ فَيُنْفِقَ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ». وَالْحَدِيثُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ»  مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

قُبِلَتْ صَدَقَةُ هَذَا بِسَبَبِ مَا قَامَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْإِخْلَاصِ، وَاللهُ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُخْلِصِينَ الْمُحْسِنِينَ.

الصَّدَقَةُ -عِبَادَ اللهِ- وَالِاسْتِغْفَارُ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْخَيْرَاتِ، وَنُزُولِ الْبَرَكَاتِ، وَتَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ، وَالْإِخْرَاجِ مِنَ الْمُلِمَّاتِ.

نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَجْعَلَ الدُّنْيَا فِي أَيْدِينَا لَا فِي قُلُوبِنَا، وَأَنْ يَقِيَنَا شُحَّ أنْفُسِنَا، إِنَّهُ هُوَ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

المصدر: فَرِيضَةُ الزَّكَاةِ وَأَثَرُهَا فِي التَّكَافُلِ وَالتَّوَازُنِ الْمُجْتَمَعِيِّ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  حُبُّ الْوَطَنِ غَرِيزَةٌ فِي النُّفُوسِ السَّوِيَّةِ
  تَقْصِيرُ أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ فِي دَعْوَةِ الْعَالَمِ لِلْإِسْلَامِ
  الْوَعْيُ بِتَحَدِّيَّاتِ الْوَطَنِ الرَّاهِنَةِ وَسُبُلِ مُوَاجَهَتِهَا
  وِقَايَةُ الْأَوْلَادِ مِنَ النَّارِ بِتَعْلِيمِهِمُ الِاعْتِقَادَ الصَّحِيحَ
  آثَارُ السَّلَفِ فِي مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ
  رَحْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ وَشَرِيعَتِهِ حَتَّى بِالْحَيَوَانَاتِ
  مَبْنَى الْعَلَاقَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى نِظَامٍ كَامِلٍ
  الْحَثُّ عَلَى خُلُقِ الشَّهَامَةِ وَتَفْرِيجِ كُرُبَاتِ الْمُسْلِمِينَ
  مُرَاقَبَةُ اللهِ وَالضَّمِيرُ الْحَيُّ فِي الْعَمَلِ
  الدرس الثامن والعشرون : «الاسْتِغْفَــــارُ وَالتَّوْبَةُ»
  يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ إِكْمَالِ اللهِ لِنَبِيِّهِ وَأُمَّتِهِ الدِّينَ
  مِصْرُ أُمَّةٌ لَهَا تَارِيخٌ فِي الدِّفَاعِ عَنِ الْإِسْلَامِ
  اللهُ هُوَ الْعَفُوُّ الْكَرِيمُ
  مُخْتَصَرُ أَحْكَامِ الْأُضْحِيَةِ
  التَّرْهِيبُ مِنْ عُقُوبَاتِ الْعُقُوقِ
  • شارك