((خُلُقُ التَّوَاضُعِ فِي الْحَجِّ، وَالنَّبِيُّ ﷺ سَيِّدُ الْمُتَوَاضِعِينَ))
وَالنَّبِيُّ ﷺ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِثَالًا لِلتَّوَاضُعِ شَاخِصًا، مِثَالًا لِلْبُعْدِ عَنِ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ مَاثِلًا وَقَائِمًا -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ-.
وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»، فَإِنَّ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَزَمَ؛ لِأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ جَعَلَهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ فِي أَرْضِهِ، وَهُوَ خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ-.
كَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِثَالًا لِلْعَبْدِ الْقَانِتِ الْمُنِيبِ: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ﷺ ».
فَحَقَّقَ الْعُبُودِيَّةَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، سُلُوكًا وَتَطْبِيقًا وَعَمَلًا، وَكَانَ للهِ مُتَوَاضِعًا.
نَحَرَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً، نَحَرَهَا بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ، وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُنِيبَ وَأَنْ يُوَكِّلَ، وَلَكِنْ نَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: كَأَنَّمَا كَانَتْ إِشَارَةً إِلَى عُمُرِهِ الشَّرِيفِ؛ إِذْ عَاشَ ثَلَاثَةً وَسِتِّينَ عَامًا ﷺ، وَوَكَّلَ عَلِيًّا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- في نَحْرِ تَمَامِ الْمِئَةِ، ثُمَّ أَكَلَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ هَدْيِهِ كَمَا يَأْكُلُ الْحَجِيجُ، مُتَوَاضِعًا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
المصدر: الْحَجُّ بَيْنَ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَفِقْهِ الْمَنَاسِكِ