الْفَرَحُ الشَّرْعِيُّ فِي الْعِيدَيْنِ


 ((الْفَرَحُ الشَّرْعِيُّ فِي الْعِيدَيْنِ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الرَّسُولَ لَمَّا نَزَلَ الْمَدِينَةَ، وَجَدَهُمْ يَحْتَفِلُونَ بِيَوْمَيْنِ، فَقَالَ الرَّسُولُ : «إنَّ اللهَ أَبْدَلَكُمْ خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الْأَضْحَى».

فَهَذَانِ هُمَا عِيدَا الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَمِنْ شَعَائِرِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْفَرَحُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ، وَجَعَلَ هَذَيْنِ الْعِيدَيْنِ بِعَقِبِ عِبَادَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ، وَفَرْضَيْنِ جَلِيلَيْنِ مِنْ فُرُوضِ الْإِسْلَامِ الْكَرِيمِ؛ لِأَنَّ عِيدَ الْفِطْرِ هُوَ مِنْ أَجْلِ الْفِطْرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، يَفْرَحُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ بِأَدَاءِ هَذَا النُّسُكِ الْعَظِيمِ للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ مِنْ ذَبْحِ مَطَامِعِ النَّفْسِ وَشَهَواتِهَا؛ قُرْبَانًا للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

فَبَعْدَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْعَظِيمَةِ شَرَعَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْفَرَحَ فِي يَومِ الْفِطْرِ:  {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الْبَقَرَة: ١٨٥].

وَشَرَعَ اللهُ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- أَيْضًا الْفَرَحَ فِي أَيَّامٍ هِيَ مِن أَعْيَادِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «يَومُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيِقِ أَعْيَادُنَا أَهْلَ الإسْلَامِ».

 وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ الْإِنْسَانُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهِيَ: الْحَادِيَ عَشَرَ، وَالثَّانِيَ عَشَرَ، وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ.

 وَأَمَّا يَوْمُ النَّحْرِ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عِيدُ الْمُسْلِمِينَ الْأَكْبَرُ، وَهُوَ بِعَقِبِ أَدَاءِ النُّسُكِ الجَلِيلِ الَّذِي يُيَسِّرُهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِمَنْ شَاءَ مِن عِبَادِهِ؛ مِنَّةً مِنْهُ، وَعَطَاءً.

«الْفَرَحُ يَوْمَ الْعِيدِ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ»:

فَهَذِهِ الْأَعْيَادُ إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُعَظِّمَ شَعَائِرَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِيهَا، فَعَلَيْنَا أَنْ نَفْرَحَ فِيهَا، الْفَرَحُ يَوْمَ الْعِيدِ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُعَظَّمَ.

 وَهَذَا الْفَرَحُ كَالحُزْنِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوَاعِدَ، وَلَيْسَ مُرْسَلًا مُطْلَقًا، فَالحُزْنُ الهَادِفُ وَالفَرَحُ الهَادِفُ؛ كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ دِينُ الإِسْلَامِ، فَلَا شَيْءَ مُنْفَلِتُ الزِّمَامِ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، سَواءٌ تَعَلَّقَ بِالْمَشَاعِرِ أَمْ تَعَلَّقَ بالْعَوَاطِفِ، أَمْ تَعَلَّقَ بالْعَقْلِ أَمْ تَعَلَّقَ بِالجَوَارِحِ، بَلْ كُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَضْبُوطَةٌ بِضَابِطِ الشَّرْعِ، وَمَحْكُومَةٌ بِقَيْدِ الشَّرِيعَةِ المُطَهَّرَةِ.

الرَّسُولُ فِي عَاطِفَةِ الحُزْنِ يَقُولُ : «إِنَّ اللهَ لَا يُؤَاخِذُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُؤَاخِذُ بِهَذَا أَوْ يَرْحَمُ -وَأَشَارَ إلَى لِسَانِهِ -».

 فَاللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُذْهِبُ اللُّبَّ وَتَذْهَبُ بِالعَقْلِ، قَيَّدَهَا الْإِسْلَامُ العَظِيمُ بِقَوَاعِدَ وَأُصُولٍ، يَقُولُ: «إِنَّ القَلْبَ لَيَحْزَنُ، وَإِنَّ العَيْنَ لَتَدْمَعُ، وَلَا نَقُولُ فِي النِّهَايَةِ إِلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا».

وَفِي الْفَرَحِ كَذَلِكَ: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يُونُس: ٥٨].

فَإِذَنْ؛ الْفَرَحُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِفَضْلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَبِرَحْمَتِهِ، وَتَعَلَمُ أَنَّهُ لَنْ يَشْبَعَ مُؤمِنٌ مِنْ خَيْرٍ حَتَّى يَكُونَ مُنْتَهَاهُ الجَنَّةَ.

 وَالْإِنْسانُ لَا يَقَرُّ لَهُ قَرَارٌ، وَلَا يَهْدَأُ لَهُ بَالٌ؛ حَتَّى يَطَأَ بِقَدِمِهِ الجَنَّةَ.

لَيَكُنِ الْمُسْلِمُ فَرِحًا بِنِعْمَةِ اللهِ عَلَيْهِ بِإِدْرَاكِ رَمَضَانَ، وَعَمَلِ مَا تَيَسَّرَ فِيهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، وَالْقِرَاءَةِ وَالصَّدَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الطَّاعَاتِ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.

فَإِنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ وَقِيَامَهُ؛ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا مِنْ أَسْبَابِ مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ، وَالتَّخَلُّصِ مِنَ الْآثَامِ.

 فَالْمُؤْمِنُ يَفْرَحُ بِإِكْمَالِهِ الصَّوْمَ وَالْقِيَامَ، وَلِتَخَلُّصِهِ بِهِ مِنَ الْآثَامِ، وَضَعِيفُ الْإِيمَانِ يَفْرَحُ بِإِكْمَالِهِ؛ لِتَخَلُّصِهِ مِنَ الصِّيَامِ الَّذِي كَانَ ثَقِيلًا عَلَيْهِ، ضَائِقًا بِهِ صَدْرُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرَحَيْنِ عَظِيمٌ!!

*مُخَالَفَاتٌ مُشْتَهِرَةٌ يَوْمَ الْعِيدِ:

وَنَحْرِصُ إِنْ شَاءَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى أَلَّا نَأْتِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُخَالِفَةِ لِهَدْيِ نَبِيِّنَا مِنَ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي تَحْدُثُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ:

 مِنَ التَّزَيُّنِ بِحَلْقِ اللِّحْيَةِ وَهُوَ الْأَمْرُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الرِّجَالِ!!

وَمُصَافَحَةِ النِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ.

 وَالتَّشَبُّهِ بِالكُفَّارِ وَالْغَرْبِيِّينَ فِي الْمَلَابِسِ, وَاسْتِمَاعِ الْمَعَازِفِ, وَتَبَرُّجِ النِّسَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ اتِّخَاذِ الْمُنْكَرَاتِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ يَقُولُ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنهُمْ».

*تَخْصِيصُ يَوْمِ الْعِيدِ بِزِيَارَةِ الْقُبُورِ بِدْعَةٌ:

وَتَخْصِيصُ يَوْمِ الْعِيدِ بِزِيَارَةِ الْقُبُورِ لَيْسَ مِنْ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ ، بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ مِنَ الْبِدَعِ الْمَرْذُولَةِ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا دَلِيلٌ؛ لَا مِنَ الْكِتَابِ وَلَا مِنَ السُّنَّةِ.

المصدرخطبة تَزْكِيَةُ النَّفْسِ، وَالْفَرَحُ الشَّرْعِيُّ فِي الْعِيدَيْنِ 

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مِنْ سُبُلِ مُوَاجَهَةِ ظَاهِرَةِ الْإِدْمَانِ: تَحْذِيرُ الشَّبَابِ مِنْ أَخْطَارِ الْمُخَدِّرَاتِ
  أَقْبِلُوا عَلَى ذِكْرِ اللهِ!
  مِنْ سُبُلِ الْقَضَاءِ عَلَى إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ: الْعِلَاجُ بِالْوَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ وَالطِّبِّيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ
  الْعَمَلُ وَالتَّخْطِيطُ لِلْمُسْتَقْبَلِ الدِّينِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ
  مُحَمَّدٌ ﷺ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَدِينُهُ دِينُ الرَّحْمَةِ
  الْهِجْرَةُ هِجْرَتَانِ
  مَسْئُولِيَّةُ الْمُسْلِمِ تِجَاهَ قَضَايَا أُمَّتِهِ كَقَضِيَّةِ الْأَقْصَى
  حَدَثُ تَحْويلِ القِبْلَةِ
  عِلَاجُ التَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ وَالِانْحِرَافِ الْأَخْلَاقِيِّ فِي كَلِمَتَيْنِ: عِيشُوا الْوَحْيَ الْمَعْصُومَ
  خُلُقُ النَّبِيِّ ﷺ وَهَدْيُهُ فِي بَيْتِهِ مَعَ أَهْلِهِ
  دَوْرُ الِابْتِلَاءِ فِي تَرْبِيَةِ النُّفُوسِ
  فَضْلُ تَعْلِيمِ الْعِلْمِ
  المَوْعِظَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ : ((جُمْلَةٌ مِنْ أُصُولِ الْعَقِيدَةِ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ(1) ))
  الْجَمْعُ بَيْنَ أَحَادِيثِ الصَّوْمِ، وَعَدَمِهِ في الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
  تَدَبُّرُ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ وَثَمَرَاتُهُ
  • شارك