الدرس السابع عشر : «حُسْنُ الخُلُقِ»


«دُرُوسٌ مُهِمَّةٌ لِعُمُومِ المُسْلِمِينَ فِي رَمَضَانَ»

«الدرس السابع عشر» 

«حُسْنُ الخُلُقِ»

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وآله وسلم.

أَمَّا بَعْدُ:

«حُسْنُ الخُلُقِ مِنْ كُبْرَى غَايَاتِ دِينِنَا»

فقَدْ حصرَ النبيُّ ﷺ الغايةَ مِن البعثةِ المحمديةِ في تمامِ صالحِ الأخلاقِ، فقالَ ﷺ: «إنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلَاقِ».

أخرجَهُ البخاريُّ في «الأدبِ»، والحاكمُ، وأحمدُ، وصححَهُ الشيخُ أحمد شاكر والشيخُ الألبانيُّ وغيرُهُما.

فلا عَجَبَ إذن أنْ يكونَ حُسْنُ الخُلُقِ غايةَ الغاياتِ في سَعْيِ العَبدِ لاستكمالِ الصفاتِ على أساسٍ مِن التوحيدِ المَكينِ، وثابتِ الإخلاصِ واليقين.

وقد كان إمامُ الأنبياءِ ﷺ في «حُسْنِ الخُلُقِ» على القمةِ الشامخةِ، وفوقَ الغايةِ والمُنتهى، فكان كما قال عنه ربُّهُ عزَّ وجلَّ-: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].

وهو ﷺ مع ذلك لا يَنْفَكُّ يدعو ربَّهُ في قيامِ الليلِ بقولِهِ: «اللهم اهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ، فَإِنَّهُ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئِهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ». رواهُ مسلمٌ عن عليٍّ رضي اللهُ عنه-.

يطلبُ مِن ربِّهِ أنْ يُرشدَهُ لصوابِ الأخلاقِ، ويُوفِّقَهُ للتخلُّقِ به، وأنْ يصرفَ عنه قبيحَ الأخلاقِ ومذمومَ الصفاتِ، ويُبعِدَ ذلك عنه، مع أنهُ ﷺ على خُلُقٍ عظيمٍ، ومع أنَّ خُلَقَهُ القرآنُ الكريمُ.

أخبر سعدُ بن هشام بن عامرٍ أنه سألَ عائشةَ رضي اللهُ عنها-، فقال: «قلتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.

قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟

قُلْتُ: بَلَى.

قَالَتْ: فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ الْقُرْآنُ». رواه مسلم.

ومعنى أنَّ خُلُقَهُ القرآنُ أنه يعملُ به، ويقفُ عند حدودِهِ، ويتأدبُ بآدابِهِ، ويعتبرُ بأمثالِهِ وقَصَصِهِ، ويتدبرُهُ، ويُحسِنُ تلاوتَهُ.

وإذا كان النبيُّ ﷺ مِن حُسنِ الخُلُقِ بهذه المثابةِ، وهو مع ذلك- يسألُ الهدايةَ لأحسنِ الأخلاقِ، ويستعيذُ مِن سيِّئِهَا، فكيفُ يصنعُ مَن خُلُقُهُ إلى خُلُقِ النبيِّ ﷺ كقطرةٍ في بحرٍ أو دون ذلك؟!!

وكلُّ إنسانٍ -لا محالة- يجهلُ الكثيرَ مِن عيوبِ نَفْسِهِ، فإذا جَاهَدَ نَفْسَهُ أَدْنَى مجاهدةٍ حتى تَرَكَ فواحشَ المعاصي، فربما ظنَّ بنفسِهِ أنه قد هذَّبَ نفسَهُ، وصَفَّى أخلاقَهُ، وحسَّنَ خُلُقَهُ، واستغنى عن المجاهدةِ، واستنامَ إلى حُسنِ ظنِّهِ بنفسِهِ واتَّبَعَ هَوَاهُ.

ولا رَيْبَ أنَّ حاجةَ العبدِ المؤمنِ إلى حُسْنِ الخُلُقِ كحاجتِهِ إلى الهواءِ، بل أشدّ؛ لأنَّ فقْدَ الهواءِ يعني موتَ البدنِ، وفقْدَ الخُلُقِ الحَسَنِ يعني موتَ القلبِ، وفي موتِ القلبِ فَقْدُ الدينِ وهلاكُ الأبدِ.

«عَلَامَاتُ حُسْنِ الخُلُقِ»

وقد تَشْتَبِهُ المَسَالِكُ، وَتَتَشَابَهُ الدُّرُوبُ، وَتَضِلُّ الأفهامُ، وتَزِلُّ الأقدامُ، وتَعْظُمُ حاجةُ العبدِ إلى علامةٍ يعرفُ بها حُسنَ الخُلُقِ وجودًا وعدمًا، وتحصيلًا وَفَقْدًا، بحيثُ إنه مَن أشكلَ عليه حالُهُ عَرَضَ نفسَهُ على تلك العلامةِ فَعَرَفَ أين يكونُ مِن حُسنِ الخُلُقِ وسُوئِهِ.

إيرادُ جملةٍ مِن ذلك تُعْلِمُ العبدَ آيةَ حُسنِ الخُلُقِ:

قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)

فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)﴾ [المؤمنون: 1-10].

وقالَ -عزَّ وجلَّ-: ﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: 112].

وقالَ اللهُ تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)

إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)﴾ [الفرقان: 63-74].

«فمَن أشكلَ عليه حالُهُ فليعرضْ نفسَهُ على هذه الآياتِ، فوجودُ جميعِ هذه الصفاتِ علامةُ حُسنِ الخُلُقِ، وفَقْدُ جميعِهَا علامةُ سوءِ الخُلُقِ، ووجودُ بعضِهَا دون بعضٍ يدُلُّ على البعضِ دونَ البعضِ، فليشتغل بتحصيلِ ما فقدَهُ وحِفظِ ما وجدَهُ.

«مِيزَانُ السَّوَاءِ النَّفْسِيِّ والأَخْلَاقِيِّ هُوَ أَخْلَاقُ النَّبِيِّ ﷺ»

عن عائشةَ -رضي الله عنها- أنَّها قالت: «ما خُيِّرَ رسولُ اللهِ ﷺ بَيْنَ أَمْرَينِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُن إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رسولُ اللهِ ﷺ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ قَطُّ، إِلَّا أَنْ تُنْتَهكَ حُرْمَةُ اللهِ فَيَنْتَقِمُ بهَا للهِ».

وإنْ كان رسولُ اللهِ ﷺ كَمَا قالَ أنسٌ رضي الله عنه-: «كانَ رسولُ اللهِ ﷺ أحسنَ الناسِ خُلُقًا». متفقٌ عليه.

«أَحَبُّ المُسْلِمِينَ إِلَى الرَّسُولِ ﷺ أَحَاسِنُهُم أَخلَاقًا»

ولمَّا كان النبيُّ ﷺ أكملَ الناسِ خُلُقًا، وأحسنَهُم أخلاقًا، كان أَوْلَى الناسِ بالحُبِّ والقُربِ منه مَن بلغَ في حُسنِ الخُلُقِ مبلغًا مَرضيًّا، وتسنَّمَ مِن حُسنِ الخُلُقِ مكانًا عليًّا.

عن جابر -رضي اللهُ عنه- أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: «مِن أَحَبِّكُم إِلَيَّ وَأَقرَبِكُم مِنِّي مَجلِسًا يَومَ القِيامَةِ: أَحَاسِنَكُم أَخلَاقًا، وَإِنَّ أَبغَضَكُم إِلَيَّ وَأَبعَدَكُم مِنِّي مَجلِسًا يَومَ القِيَامَةِ: الثَّرثَارُونَ، وَالمُتَشَدِّقُونَ، وَالمُتَفَيهِقُونَ».

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّٰهِ، قَد عَلِمنَا الثَّرثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا المُتَفَيهِقُونَ؟

قَالَ: «المُتَكَبِّرُونَ». رواه الترمذيُّ وقال: «حديثٌ حسنٌ»، وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ في «صحيح سُنَنِ الترمذيِّ».

قال النوويُّ -رحمهُ اللهُ-: «الثَّرْثَارُ: كثيرُ الكلامِ تَكَلُّفًا، المُتَشَدِّقُ: المُتَطَاوِلُ على النَّاسِ بِكَلَامِهِ وَيَتَكَلَّمُ بِمِلءِ فِيهِ تَفَاصُحًا وتَعْظِيمًا لِكَلَامِهِ، المُتَفيهقُ: مِن الفِهْقِ وهو الامْتِلَاءُ وهو الذي يَمْلأُ فَمَهُ بالكلامِ، وَيَتَوَسَّعُ فيه وَيُغْرِبُ به تَكَبُّرًا وارتفاعًا وإظِهْارًا للفَضِيلَةِ على غَيْرِهِ».

«خَطَرُ الانْهيَارِ الأَخْلَاقِيِّ»

إنَّ أكبرَ الأخطارِ التي تتعرضُ لها أُمَّةٌ، إنَّ أعظمَ الأمراضِ التي تَفْتِكُ ببُنيانَهَا الحيَّ حتى يصيرَ ضعيفًا مهدومًا، إنَّ أكبرَ الأخطارِ وأعظمَ الأمراضِ الانهيارُ الخُلُقِيُّ، فإذا انهارت أخلاقُ أمةٍ فكَبِّر عليها أربعًا، ومعلومٌ أنَّ المعاصي سببُ النكباتِ، وأنه ما يُصيبُنَا شيءٌ إلَّا بذنبٍ، وأنَّ النعمَ لا تُرفعُ إلَّا بكُفرانِهَا وبتغييرِ ما بالنَّفْسِ.

فالمجتمعُ إذا ما انهارت أخلاقُهُ، وإذا ما سقطت أخلاقُهُ في الحمئةِ الوبيلة، المجتمع إذا ظهرت فيه الفاحشة؛ فَكَبِّر عليه أربعًا، المجتمعُ لا يُحارَبُ بِمِثْلِ ما يُحارَبُ بنَشْرِ الفاحشةِ والرذيلةِ بين أبنائِه، وما تَمَكَّنَ أعداءُ الإسلامِ في داخلٍ ولا خارجٍ يومًا مِنْ المسلمين إلا بالعَبَثِ بأخلاقِهم وبثِّ النَّزَواتِ والشهواتِ مفتوحةً بمصارعِ أبوابِها أمامَ شهواتِهم ومَلذَّاتِهم.

فإذا انهارت الأخلاقُ؛ انهارَ المجتمعُ لا محالة، وقد عَلِمَ أعداءُ الإسلامِ في داخلٍ وخارج؛ أنهم لن ينالوا بالمواجهةِ العسكريةِ بينهم وبين المسلمين شيئًا ذا بال؛ ولذلك كان التركيزُ كلُّهُ على بَثِّ الشُّبهاتِ بين المسلمين، وعلى إثارةِ نوازعِ العصبيةِ بين أبناءِ الإسلامِ العظيم، وبإثارةِ الشهواتِ وبَعْثِ النَّزَوَاتِ مِن مكامنِها، فإذا انهارت الأخلاقُ؛ انهارَ المجتمعُ لا محالة.

«جُمْلَةٌ مِن الأَخْلَاقِ الحَمِيدَةِ المُتَعَلِّقَةِ باللِّسَانِ»

*كن صادِقًا:

إنَّ الصِّدْقَ عَزِيزٌ، وَعَوِّد نَفْسَكَ الصِّدْقَ، فإنَّهُ يحتاجُ إلى تَعْوِيدٍ وَمَشَقَّةٍ، وَأَمْسِكْ لِسَانَكَ عَن اللغْوِ، حَتَّى لا يَجُرَّكَ اللغْوُ إلى هذا الكَذِبِ المُسْتَقْبَحِ، واعْلَم أنَّ الكَذِبَ لا يَلِيقُ بِالرَّجُلِ ذي المُرُوءَةِ، وأنَّهُ لو نَادَى مُنَادٍ  بين السماءِ والأَرْضِ أَنَّ الكَذِبَ حَلَالٌ مَا فَعَلَهُ؛ لِتَمَامِ مُرُوءَتِهِ وكَمَالِ رجولتِهِ؛ لأنَّ الكَذِبَ يُزْرِي به، وَيَحُطُّ مِن قَدْرِهِ، وَيُحَقِّرُ مِن شَأْنِهِ(2).

*أَمْسِك لِسَانَكَ إِلَّا عَنْ خَيْرٍ:

قَالَ النوويُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: «اعْلَم أنهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ عن جميعِ الكلامِ؛ إلا كلامًا ظَهَرَت فيه المَصْلَحَةُ، ومَتَى اسْتَوَى الكلامُ وتَرْكُهُ في المَصْلَحَةِ؛ فَالسُّنَّةُ الإمْسَاكُ عنه؛ لأنَّهُ قد يَنْجَرُّ الكلامُ المُبَاحُ إلى حَرَامٍ أو مَكْرُوهٍ، وذلك كَثِيرٌ في العادةِ، والسَّلَامَةُ لا يَعْدِلُهَا شَيْء».

 

وعن أبي هُريرة-رضي اللهُ عنه- عن النبيِّ ﷺ قال: «مَن كانَ يُؤمِنُ باللهِ واليَوْم الآخر فَليَقُل خَيْرًا، أو ليَصْمُت». متفقٌ عليه.

وهذا الحديثُ صريحٌ في أنهُ يَنْبَغِي أنْ لا يُتَكَلَّمَ إلَّا إذا كان الكلامُ خيرًا، وهو الذي ظَهَرَت مصلحتُهُ، ومتى شَكَّ في ظهورِ المَصْلَحَةِ، فَلَا يَتَكَلَّم.

وقد جَعَلَ النبيُّ ﷺ حِفْظَ اللسانِ مع حِفْظِ الفَرْجِ جَوَازًا إلى الجَنَّةِ ونَجَاةً مِن النَّارِ، فَمَن ضَمِنَ اللسَانَ والفَرْجَ؛ ضَمِنَ له النبيُّ ﷺ الجَنَّةَ،  قَالَ ﷺ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ». رواهُ البُخَاريُّ.

«طَبِّقُوا أَمْرَ اللهِ وَأَمْرَ رَسُولِهِ ﷺ بِالتَّحَلِّي بِحُسْنِ الخُلُقِ»

الرسولُ ﷺ يُطَبِّقُ أمرَ اللهِ ربِّ العالمين: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]، فإحسانُ التعامُلِ مع الخَلْقِ هو امتثالٌ لأمرِ الربِّ وامتثالٌ لأمرِ النبيِّ الأكرمِ ﷺ: «وخَالِق الناسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ».

خالِق الناسَ: مِن المُفاعلَةِ بينكَ وبين الناس، يعني: فلتكن أخلاقُكَ المبذولةُ إليهم حَسَنَةً، خالِق الناسَ: فهو فِعلُ أمرٍ وليس اسمًا كما يتبادرُ إلى أذهانِ الأعجميين مِمن لاثَت بألسنتِهِم لُوثةُ العُجْمَةِ فحَرَفَت وحَرَّفَت عندَهُم سَنَنَ الفطرةِ اللغويةِ عن سبيلِهَا، «وخالِق الناسَ بخُلقٍ حَسَنٍ». فهو امتثالٌ لأمرِ اللهِ ربِّ العالمين، وامتثالٌ لأمرِ النبيِّ الأمين ﷺ، ويجعلُهُ النبيُّ ﷺ مُؤدِّيًا إلى مبلغٍ لا يُرتَقَى مُرتقاهُ إلَّا بشِقِّ النفسِ وبذلِ المجهودِ «إنَّ الرجلَ ليبلغُ بحُسنِ الخُلُقِ درجةَ الصائمِ القائمِ».

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

 

 المصدر:دُرُوسٌ مُهِمَّةٌ لِعُمُومِ المُسْلِمِينَ فِي رَمَضَانَ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  اِنْتِصَارَاتُ الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ فِي الْعَصْرِ الْحَاضِرِ، وَتَحَدِّيَاتُ الْمُسْتَقْبَلِ
  أَدِلَّةُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَحُكْمُ مَانِعِهَا
  رِقَابَةُ السِّرِّ وَالضَّمِيرِ مِنْ سُبُلِ تَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ
  الدرس السادس : «الأَمَانَةُ»
  جُمْلَةٌ مِنْ آدَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَسْوَاقِ
  الدُّرُوسُ العَظِيمَةُ مِنْ تَحْوِيلِ القِبْلَةِ
  مِنْ دُرُوسِ الْهِجْرَةِ: الْأَخْذُ بِالْأَسْبَابِ مَعَ الْيَقِينِ فِي تَوْفِيقِ اللهِ
  مَعْنَى مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ وَحَقِيقَتُهَا
  مِنْ سُبُلِ بِنَاءِ الِاقْتِصَادِ السَّدِيدِ: التَّرْشِيدُ فِي الِاسْتِهْلَاكِ
  التَّرْشِيدُ فِي حَيَاتِنَا.. وَالْمَاءُ مِثَالٌ
  حَقِيقَةُ الصِّيَامِ
  سُنَّةُ التَّكْبِيرِ مُنْفَرِدًا فِي الطَّرِيقِ وَالْمُصَلَّى بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ
  رَمَضَانُ مَدْرَسَةٌ تُعَلِّمُ الْعَبْدَ وَتُهَذِّبُهُ
  مِنْ دُرُوسِ قِصَّةِ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: ثَنَاءُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَيْهِ
  بَيَانُ جُمْلَةٍ مِنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  • شارك