((الْحِرْصُ عَلَى الْإِخْلَاصِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فِي الْحَجِّ))
عِبَادَ اللهِ! عَلَى مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَنْ يُخْلِصَ للهِ تَعَالَى فِي قَصْدِهِ وَعَمَلِهِ، وَأَنْ يَحْرِصَ عَلَى النَّفَقَةِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي لَا حُرْمَةَ فِيهَا وَلَا شُبْهَةَ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ ((الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَقَدْ غُذِيَ بِالْحَرَامِ؛ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟)).
وَلْيَحْرِصْ مَنْ نَوَى الْحَجَّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَكَرِيمِ الْخِصَالِ، وَلْيُعَوِّدْ نَفْسَهُ الصَّبْرَ وَالِاحْتِمَالَ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
وَلْيَجْتَنِبِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَلْيَحْرِصْ عَلَى الْأَوْقَاتِ، وَلْيُؤَدِّ الْحُقُوقَ وَالْوَاجِبَاتِ، وَلْيَحْرِصْ عَلَى أَلَّا يَصْحَبَ إِلَّا مُؤْمِنًا؛ لِقَوْلِ الرَّسُولِ ﷺ: ((لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ)). أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَلْيَكْتُبْ مَنْ نَوَى الْحَجَّ وَصِيَّتَهُ قَبْلَ سَفَرِهِ، وَليُوصِ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ، وَلْيَأْمُرْهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَبِالْتِزَامِ السُّنَّةِ وَفِعْلِ الْخَيْرَاتِ، وَاجْتِنَابِ الْمُنْكَرَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ.
فَالْحَجُّ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ، وَمِنْ أَجَلِّ الطَّاعَاتِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَ اللهُ تَعَالَى بِهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ، فَهُوَ مِنَ الْأَرْكَانِ الَّتِي لَا يَسْتَقِيمُ دِينُ الْعَبْدِ إِلَّا بِهَا.
وَلَمَّا كَانَتِ الْعِبَادَةُ لَا يَسْتَقِيمُ التَّقَرُّبُ بِهَا إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَلَا تَكُونُ مَقْبُولَةً لَدَيْهِ إِلَّا بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: الْإِخْلَاصُ للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، بِأَنْ يَقْصِدَ بِالْعِبَادَةِ وَجْهَ اللهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، لَا يَقْصِدُ بِالْعِبَادَةِ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً.
وَالثَّانِي: اتِّبَاعُ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْعِبَادَةِ قَوْلًا وَفِعْلًا.
وَالِاتِّبَاعُ لِلنَّبِيِّ ﷺ يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ بِمَعْرِفَةِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ، وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ الِاتِّبَاعِ لِلنَّبِيِّ ﷺ إِلَّا بِمَعْرِفَةِ سُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ؛ لِذَلِكَ كَانَ لَا بُدَّ لِمَنْ أَرَادَ تَحْقِيقَ الِاتِّبَاعِ أَنْ يَتَعَلَّمَ سُنَّةَ النَّبِيِّ ﷺ، بِأَنْ يَتَلَقَّاهَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَا، إِمَّا بِطَرِيقِ الْمُكَاتَبَةِ، وَإمَّا بِطَرِيقِ الْمُشَافَهَةِ.
وَكَانَ مِنْ وَاجِبِ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ وَرِثُوا النَّبِيَّ ﷺ، وَخَلَفُوهُ فِي أُمَّتِهِ؛ أَنْ يُطَبِّقُوا عِبَادَاتِهِمْ وَأَخْلَاقَهُمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ عَلَى مَا عَلِمُوهُ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ ﷺ، وَأَنْ يُبَلِّغُوا ذَلِكَ إِلَى أُمَّتِهِ، وَيَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ؛ لِيَتَحَقَّقَ لَهُمْ مِيرَاثُ النَّبِيِّ ﷺ عِلْمًا وَعَمَلًا، وَتَبْلِيغًا وَدَعْوَةً، وَلِيَكُونُوا بِذَلِكَ مِنَ الرَّابِحِينَ إِنْ أَرَادُوا الرِّبْحَ حَقًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ مُفْلِحًا إِلَّا إِذَا آمَنَ وَعَمِلَ الصَّالِحَاتِ، وَتَوَاصَى مَعَ إِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ بِالْحَقِّ، وَتَوَاصَى مَعَ إِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّبْرِ، فَبِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ الْفَلَاحُ وَالنَّجَاحُ دُنْيَا وَآخِرَةً.
يَنْبَغِي لِمَنْ خَرَجَ إِلَى الْحَجِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ أَنْ يَسْتَحْضِرَ نِيَّةَ التَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ؛ لِتَكُونَ أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ وَنَفَقَاتُهُ مُقَرِّبَةً لَهُ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ فَـ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)).
وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَخَلَّقَ بِالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ؛ كَالْكَرَمِ، وَالسَّمَاحَةِ، وَالشَّهَامَةِ، وَالِانْبِسَاطِ إِلَى رُفْقَتِهِ، وَإِعَانَتِهِمْ بِالْمَالِ وَالْبَدَنِ، وَإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَيْهِمْ، هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى قِيَامِهِ بِمَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ.
المصدر: الْحَجُّ بَيْنَ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَفِقْهِ الْمَنَاسِكِ