«دُرُوسٌ مُهِمَّةٌ لِعُمُومِ المُسْلِمِينَ فِي رَمَضَانَ»
«الدرس الحادي عشر»
«الشُّكْرُ»
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.
أَمَّا بَعْدُ:
«العَبْدُ في الحَيَاةِ يَكُونُ بَيْنَ الشُّكْرِ والصَّبْرِ والتَّوْبَةِ»
فَإنَّ العبدَ في هذه الحياةِ لا يخْلُو مِن أنْ يكونَ في طبقةٍ مِن طبقاتٍ ثلاثٍ:
*فإمَّا أنْ يكونَ في عافيةٍ ونعمةٍ وسَترٍ، فَحَقُّ ذلك الشُّكرُ.
*وإمَّا أنْ يكونَ في ابتلاءٍ وشدَّةٍ وَمِحْنَةٍ، فَحَقُّ ذلك الصبرُ.
*وإمَّا أنْ يكونَ في ذنبٍ وخطيئةٍ، فحقُّ ذلك التوبةُ والاستغفارُ.
ومقاديرُ اللهِ –تباركَ وتعالَى- التي يُجرِيهَا على عبادِهِ في أرضِهِ؛ إمَّا أنْ تكونَ ملائمةً للعبدِ، وإمَّا أنْ تكونَ غيرَ ملائمةٍ للعبدِ.
فإنَّ اللهَ –تبارك وتعالى- يَبْتَلِي بالخيرِ والشرِّ، ويبتلي اللهُ –جَلَّ وعلا- بالنعمةِ والنقمةِ، وَيَبْتَلِي اللهُ –جلَّ وعلا- بالصحةِ والمرضِ، وَيَبْتَلِي اللهُ ربُّ العالمين بالغِنى والفقرِ، ولا يخلو العبدُ مِن أنْ يكونَ في طبقةٍ مِن الطبقاتِ الثلاث.
فإذا كان في نعمةٍ مِن اللهِ –تبارك وتعالى- وعطاء، فيجبُ عليه أنْ يشكُرَ اللهَ ربَّ العالمين على ما آتاه.
«وُجُوبُ شُكْرِ نِعْمَةِ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ»
إنَّ اللهَ –تبارك وتعالى- أَنْعَمَ علينا بِنِعَمٍ كثيرةٍ لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى، والواجبُ علينا أنْ نَشْكُرَ اللهَ ربَّ العالمينَ على نِعَمِهِ التي لا تُحْصَى ولا تُسْتَقْصَى ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم: 34].
فالواجبُ علينا أنْ نَشْكُرَ اللهَ ربَّ العالمينَ على ما أَنْعَمَ به علينا، ولا يكونُ الشكرُ مِنَّا واقعًا إلا إذا أَتَيْنَا بِأَرْكَانِهِ، وحينئذٍ نَكُونُ للهِ على نِعَمِهِ –وإنْ قَصَّرْنَا- شاكرينَ، وذلك:
*بأنْ نَعْتَرِفَ بِنِعَمِ اللهِ ربِّ العالمينَ علينا باطنًا.
*ونُقِرَّ باللسانِ بها ظاهرًا.
*وأنْ نَصْرِفَ تلك النِّعَمَ في مَرْضَاةِ الذي أَنْعَمَ بها علينا وأَسْدَاهَا إلينا.
فإنْ فَعَلْنَا ذلك؛ كُنَّا شاكرِينَ وإنْ كُنَّا مُقَصِّرِين.
وكثيرٌ مِنْ نِعَمِ اللهِ ربِّ العالمينَ تَمُرُّ علينا مَرًّا، وقد نَجْحَدُها جَحْدًا، ولا نُقِرُّ للهِ ربِّ العالمينَ بها لا ظاهرًا ولا باطنًا، والحاصلُ حينئذٍ أنها تُصرَفُ في غضبِ اللهِ ربِّ العالمينَ لا في مَرْضَاتِهِ، وفيما يُسْخِطُ اللهَ ربَّ العالمينَ لا فيمَا يُرْضِيهِ.
على العبدِ أنْ يَعْرِفَ نِعَمَ اللهِ ربِّ العالمينَ عليه، وأنْ يَعْلَمَ أنَّ نِعَمَ اللهِ التي تَتَوَاتَرُ مُتَنَزِّلَةً عليه لا يُمْكِنُ بحالٍ أنْ تُحْصَى، وإنما هي في كَثْرَتِهَا فوقَ أنْ تُسْتَقْصَى، فعَلَى العبدِ أنْ يَعْلَمَ ذلك يقينًا، وأنْ يُقِرَّ للهِ ربِّ العالمينَ بذلك باطنًا وظاهرًا، أنْ يَعْلَمَ باطنًا نعمةَ اللهِ عليهِ، وما أَسْدَاهُ اللهُ إليه، وأنْ يَلْهَجَ بالثناءِ على ربِّهِ الذي أَنْعَمَ إليه بما أَنْعَمَ به عليه مِنْ نِعَمِهِ الكثيرةِ بِلِسَانِهِ ظاهرًا، وأنْ يَصْرِفَ تلك النِّعَمَ في مَرْضَاةِ رَبِّهِ –جل وعلا-.
وإِلْفُ العادَةِ يَجْعَلُ العبدَ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إلى نِعَمِ اللهِ عليه؛ فإنَّ أعظمَ النِّعَمِ: أنَّ اللهَ رَبَّ العالمينَ أَنْعَمَ علينا بدينِ الإسلامِ العظيمِ، واللهُ ربُّ العالمينَ جَعَلَ شُكْرَ النعمةِ قَيْدًا للموجودِ وصَيْدًا للمَفْقُودِ، فالشكرُ قَيْدُ الموجودِ وصَيْدُ المَفْقُودِ، والعبدُ إذا أرادَ أنْ يُبْقِيَ النعمةَ لَدَيْهِ بِقَدَرِ اللهِ تعالى؛ قَيَّدَها بأسبابِها، وأسبابُ القَيْدِ للنعمةِ لَدَيْهِ أنْ يكونَ لله عليها شاكرًا، وبتلك الأركانِ لا يُعَدُّ شاكرًا إلا إذا أَتَى بها: أنْ يَعْتَرِفَ للهِ ربِّ العالمينَ بالنعمةِ باطنًا، وأنْ يَلْهَجَ بالثناءِ على المُنْعِمِ بها عليه باللسانِ ظاهرًا، وأنْ يُصَرِّفَها في مَرْضَاةِ الذي أَنْعَمَ بها عليه وأَسْدَاهَا إليه.
«الشُّكْرُ قَيْدُ النِّعَمِ»
وقد جَعَلَ اللهُ ربُّ العالمينَ قاعدةً مِنَ القواعدِ الكُلِّيَّةِ في دِينِ اللهِ –جل وعلا- دَلَّنَا عليها في كتابِهِ العظيمِ؛ لِيَحْيَا مَنْ حَيَّ عن بَيِّنَةٍ، ولِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عن بينة، ولِيَكُونَ الأمرُ واضحًا بحيث لا يَشْتَبِهُ على أَحَدٍ ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].
﴿تَأَذَّنَ﴾ كَأَذِنَ، أيْ: أَعْلَمَ ووَعَدَ ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ﴾: أَعْلَمَكُمْ ربُّكم ووَعَدَكُمْ ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ﴾ بِنِعَمِي التي أُوصِلُها إليكم ﴿إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾، إنْ كَفَرْتُمْ بنِعْمَتِي عليكم، فَجَحَدْتُمُوهَا ولمْ تُؤَدُّوا شُكْرَها؛ فإنها عنكم تزولُ، ويَقَعُ عليكم مِنَ العذابِ ما هذا وَصْفُهُ ﴿وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.
وتَأَمَّلْ في هذا التَّهْدِيدِ الشديدِ والوَعِيدِ الأَكِيدِ في قولِ رَبِّكَ: ﴿وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾، فأَتَى اللهُ ربُّ العالمينَ باللَّامِ، وأَتَى بالقَسَمِ –جل وعلا-، ثم إنه –جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- يَأْتِي بعدَ ذلك في المُقَابِلِ ﴿وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾، فيَأْتِي بالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ مُؤَكَّدَةً بهذا المُؤكِّدِ الظاهِرِ ﴿إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.
ولَكَ أنْ تَتَصَوَّرَ كيف يكونُ عذابُ اللهِ –تبارك وتعالى-، واللهُ رَبُّ العالمينَ هو مَالِكُ القُوَى، يَفْعَلُ ما يَشَاءُ، ويَحْكُمُ بما يُرِيدُ، فهذا التهديدُ الشديدُ على كُفْرَانِ النعمةِ ينبغي أنْ يَكُونَ زاجِرًا.
﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾، فإذا أرادَ العبدُ الزِّيَادةَ مِنْ نِعَمِ اللهِ ربِّ العالمينَ عليهِ؛ فَيَنْبَغِي أنْ يكونَ لله شاكرًا، والشُّكْرُ على حَسَبِ الأركانِ التي لا يَكُونُ الشُّكْرُ شُكْرًا إلا بِاسْتِيفَائِهَا.
«أَعْظَمُ نِعَمِ اللهِ على العَبْدِ هِيَ نِعْمَةُ الإِسْلَامِ»
وأَعْظَمُ النِّعَمِ التي أَنْعَمَ اللهُ ربُّ العالمينَ بها على عَبْدٍ قَطُّ هي نعمةُ الإسلامِ العظيمِ، وقَلَّ أنْ تَجِدَ مَنْ يَلْتَفِتُ إلى هذا الأمرِ الْتِفَاتًا صحيحًا؛ لأنَّ إِلْفَ العادةِ، ولأنَّ إِلْفَ النِّعْمَةِ يَجْعَلُهَا كَلَا نِعْمَةٍ؛ بَلْ يجعلُها نِقْمَةً في كثيرٍ مِنَ الأَحَايِينِ، فلَا يَلْتَفِتُ العبدُ إلى نعمةِ اللهِ رَبِّ العالمينَ عليه إلا بَعْدَ فَقْدِهَا.
إذا تَأَمَّلَ الإنسانُ في هذا الحالِ، ونَظَرَ إلى حَالِ دُوَلِ الكُفْرِ في بُعْدِهِمْ عنْ دِينِ اللهِ رَبِّ العالمينَ، وجُحُودِهِمْ له، ومُحَارَبَتِهِمْ إيَّاهُ، وغَلَبَةِ الكُفْرِ عليهم ظاهرًا وباطنًا، ونَظَرَ في حَالِ المسلمينَ الذين يَحْيَوْنَ بَيْنَ أَظْهُرِ هؤلاء الكافِرِينَ، وَجَدَ مَا يُعَانُونَ ومَا يُلَاقُونَ مِنَ العَنَتِ ومِنَ المَشَقَّةِ مِنْ أَجْلِ الإِتْيَانِ بِفَرَائِضِ دينِ الإسلامِ العظيمِ؛ عَلِمَ قَدْرَ نِعْمَةِ اللهِ عليه، هذا بَعْدَ أنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللهَ رَبَّ العالمينَ قد أَجْزَلَ له العَطِيَّةَ، وأَضْعَفَ له المِنَّةَ لَمَّا جَعَلَهُ مُسْلِمًا، فالحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمينَ على نعمةِ الإسلامِ.
إنَّ اللهَ –جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- قَدْ أَنْعَمَ علينا وأَنْشَأَنَا في بِيئَةٍ مُسْلِمَةٍ، نَسْمَعُ فيها آياتِ القرآنِ العظيمِ تُتْلَى في الصباحِ وفي المساءِ، ويُقْبِلُ عليها الصِّغَارُ مِنْ أطفالِ المسلمينَ مُتَعَلِّمِينَ قَبْلَ كِبَارِهِمْ، ويُرْفَعُ فيها الأذانُ بِأَعْلَى الأصواتِ في جميعِ المَحَالِّ، وفي شَتَّى الأَمَاكِنِ، وفي جميعِ الرُّبُوعِ، فَيُرْفَعُ الأَذَانُ، وهو شَعِيرَةٌ عظيمةٌ مِنْ شَعَائِرِ دينِ الإسلامِ، وهذا مِنْ فَضْلِ اللهِ ربِّ العالمينَ.
وجَعَلَ اللهُ رَبُّ العالمينَ الغَلَبَةَ لِهَذِهِ الأخلاقِ الإسلاميَّةِ في البِيئَةِ على نَحْوٍ مِنَ الأَنْحَاءِ، والعَبْدُ ينبغِي عليهِ أَلَّا يَعِيبَ نُورًا ولَوْ كان ضَئِيلًا إِلَّا إذا أَتَى بِنُورٍ هُوَ أَعْلَى منه، وهو أَكْبَرُ مِنْهُ، فهَذَا الذي جَعَلَنَا اللهُ رَبُّ العالمينَ فيه، مِنْ إِنْشَائِنَا في هذه البِيئَةِ التي يُتْلَى فيها كتابُ اللهِ ربِّ العالمينَ، وتُسْمَعُ فيها أحاديثُ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ ﷺ، ويُرْفَعُ فيها الأَذَانُ، وَيَتَحَرَّكُ فيها الإنسانُ –بِفَضْلِ اللهِ رَبِّ العالمينَ- مُسْلِمًا مِنْ غَيْرِ ما عُقُوبةٍ لَهُ على إسلامِهِ ولا مُؤَاخَذَةٍ، ينبغي عليهِ أنْ يَعْلَمَ أنَّ هذه النعمةَ ينبغي أنْ يُشْكَرَ، وإلا فإِنَّهَا إنْ كُفِرَتْ؛ فإنَّ اللهَ رَبَّ العالمينَ قد حَذَّرَ مَنْ كَفَرَ بِنِعْمَتِهِ ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: 38].
«هَلْ شَكَرْنَا اللهَ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ العَظِيمَةِ؟!»
إنَّ الإنسانَ لِإِلْفِ العادَةِ يَنْسَى النِّعْمَةَ؛ بل إنه لا يَعُدُّهَا نعمةً في الأصلِ.
مَنِ الذي تَحَرَّكَ فيه وَازِعُ الشُّكْرِ على (حَيَاةِ قَلْبِهِ) حياةً عُضْوِيَّةً وحَيَاةً إِيمَانِيَّةً، إنَّ القَلْبَ يَدُقُّ في الصَّدْرِ مِنَ المَرْحَلَةِ الجَنِينِيَّةِ إلى نِهَايَةِ الحَيَاةِ، وما دَامَ القلبُ صحيحًا؛ فإنَّ المَرْءَ لا يُحِسُّ أنَّ له قلبًا، فإذا اعْتَلَّ القلبُ عَرَفَ مَا أَنْعَمَ اللهُ عليه بِهِ مِنْ هذه النعمةِ الجَلِيلَةِ التي لِإِلْفِ العَادَةِ لَمْ يُحِسَّ بها.
(نِعْمَةُ البَصَرِ) لا يُحِسُّ بها المَرْءُ إِلَّا إذا رَابَهُ منها شيءٌ، فإذا اعْتَلَّ بصرُهُ عَلِمَ أنَّ له بَصَرًا، وما دَامَ بَصَرُهُ صحيحًا؛ فإنه لا يَشْكُرُ اللهَ رَبَّ العالمينَ على هذه النعمةِ العظيمةِ، هذا خطيرٌ؛ لأنه لا يُؤَدِّي بالعبدِ إلى شُكْرِ نعمةِ الرَّبِّ عليه إلا عندَ فَقْدِهَا، فَلَا يَكُونُ شاكرًا في الحَقِيقَةِ.
فعَلَى الإنسانِ أَلَّا يَجْرِيَ مع العَوَائِدِ، فالإِنْسَانُ إذا آتَاهُ اللهُ رَبُّ العالمينَ قُدْرَةً على (تَحْرِيكِ يَدِهِ)، هذه مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ وأَبْلَغِهَا، لا يَعْرِفُهَا إلا مَنْ فَقَدَها، إذا شَلَّ اللهُ رَبُّ العالمينَ يَدَهُ، فَصَارَتْ كَلًّا لا يَستطيعُ أنْ يُحَرِّكَها، وصار غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ بنفسِهِ، وصار مُسْتَطِيعًا بغَيْرِهِ؛ عَرَفَ نعمةَ اللهِ عليهِ.
مَنِ الذي يَشْكُرُ نِعْمَةَ اللهِ ما آتَاهُ اللهُ مِنْ (قُدْرَةٍ على الحركةِ) إذا قام مِنْ نَوْمِهِ فَتَحَرَّكَ حركةً سَوِيَّةً صحيحةً مِنْ غيرِ إعانةٍ ومِنْ غيرِ عَجْزٍ، نعمةٌ مُهْمَلَةٌ لا يُحِسُّها العبدُ، فإذا لم يُحِسَّها العبدُ؛ لَمْ يَشْكُرْ رَبَّهُ عليها.
«لَا تَنْظُرْ إِلَى مَا أَخَذَ اللهُ، وَانْظُر إِلَى مَا أَبْقَى عَلَيْكَ»
إِيَّاكَ وإِلْفَ العَادَةِ في النعمةِ، وإذا مَا آتَاكَ اللهُ ربُّ العالمينَ نِعْمَةً فاسْتَرَدَّهَا، جَعَلَها عارِيَةً لَدَيْكَ، ثم اسْتَرَدَّ عَارِيَتَهُ مِنْكَ؛ فلا تَنْظُرْ إلى مَا أَخَذَ، وانْظُرْ إلى ما أَبْقَى عليكَ، كما قال الرَّجُلُ الصالحُ لَمَّا وَقَعَ له ما وَقَعَ بِقَطْعِ رِجْلِهِ، لَمَّا أَصَابَهَا ما أَصَابَهَا، فكانَ لا بُدَّ مِنْ بَتْرِهَا، فَلَمَّا بُتِرَتْ ووُضِعَتْ في الزَّيْتِ المَغْلِيِّ؛ حَتَّى يَتَوَقَّفَ النَّزِيفُ، فأُغْشِيَ عليه، فلمَّا أفاقَ، قال: الحمدُ للهِ، اللهم إنْ كنتَ قد ابْتَلَيْتَ في رِجْلٍ أو في عُضْوٍ فَقَدْ عَافَيْتَ في أعضاءٍ، أَبْقَيْتَ الرِّجْلَ الأُخْرَى، هذه نعمةٌ كان يُمْكِنُ أنْ تُصَابَ أيضًا، وأَبْقَيْتَ اليَدَيْنِ، والبَصَرَ، والسَّمْعَ، والقُدْرَةَ على التفكيرِ، والتَّذَكُّرَ، والكَلَامَ، والإِبَانَةَ، إلى غَيْرِ ذلك مِنَ النِّعَمِ التي لا يُحْصِيهَا إلا الذي أَنْعَمَ عليكَ بها، فإذا سُلِبَتْ منكَ نعمةٌ؛ فهذا بِتَقْصِيرِكَ في شُكْرِهَا؛ لأنَّ النعمةَ صَيْدٌ، ولِأَنَّ الشُّكْرَ قَيْدٌ، فقَدِ اصْطَدْتَ صَيْدًا لَمَّا أُنْعِمَ عليكَ بالنعمة، فلَمْ تُقَيِّدْهَا فَذَهَبَتْ، فلا تَلُومَنَّ إلا نفسَكَ، فإذا سُلِبَتِ النعمةُ؛ فلا تَنظُرْ إلى مَا أُخِذَ، وَتَوَفَّرْ عَلَى النَّظَرِ فِيمَا بَقِيَ وَمَا أَبْقَى عَلَيْكَ، اللهم إنْ كُنْتَ قَد ابْتَلَيْتَ فِي رِجْلٍ أَوْ فِي عُضْوٍ؛ فَقَدْ عَافَيْتَ في أعضاءٍ.
فقِيلَ له: إنَّ وَلَدَكَ قَدْ مَاتَ.
فقال: الحمدُ للهِ، اللهم إنْ كُنْتَ قَدِ ابْتَلَيْتَ في ابْنٍ؛ فَقَدْ عَافَيْتَ في أبناءٍ.
فهذا يَجْعَلُكَ دَائِمَ الشُّكْرِ لِرَبِّكَ، وعليكَ أنْ تجتهدَ في شُكْرِهِ، وإذا أَنْعَمَ عليكَ بنعمةٍ تَتَجَدَّدُ فاسْجُدْ لِرَبِّكَ شاكرًا مُنِيبًا، وهو سُجُودُ الشُّكْرِ.
ليس هنالِكَ ما يُقَالُ له: رَكْعَتَا الشُّكْرِ، فُلَانٌ أَنْعَمَ اللهُ عليهِ بنعمةٍ، فَصَلَّى للهِ صلاةَ الشُّكْرِ!! ليس في دينِ اللهِ ما يُقَالُ له هذا، بل هناكَ سَجْدَةُ الشُّكْرِ، كان النبيُّ ﷺ إذا أَنْعَمَ اللهُ عليهِ بِنِعْمَةٍ؛ خَرَّ للهِ ساجدًا، فهذه سَجْدَةُ الشُّكْرِ.
فَنَسْأَلُ اللهَ –جَلَّت قُدْرَتُهُ وَتَقَدَّسَت أَسْمَاؤُهُ- أنْ يُسْبِغَ عَلَيْنَا نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً، دِينِيَّةً ودُنْيَوِيَّةً، وأنْ يَدْفَعَ عنا المَكَارِهَ والأَذَى بِقُدْرَتِهِ التي لا حَدَّ لها، وأنْ يُحْسِنَ خِتَامَنَا بِمَنِّهِ وجُودِهِ وَكَرَمِهِ.
«جُحُودُ النِّعْمَةِ وَعَاقَبَةُ الجَاحِدِينَ»
قال كَعْبٌ: «ما أَنْعَمَ اللهُ على عَبْدٍ بنعمةٍ في الدنيا فَشَكَرَها، وتَوَاضَعَ بها للهِ؛ إلا أَعْطَاهُ نَفْعَهَا في الدنيا، ورَفَعَ له بها درجةً في الآخرةِ، وما أَنْعَمَ اللهُ على عَبْدٍ نعمةً في الدنيا فَلَمْ يَشْكُرْهَا للهِ، ولَمْ يَتَوَاضَعْ بها؛ إلا مَنَعَهُ اللهُ نَفْعَهَا في الدنيا، وفَتَحَ له طَبَقَاتٍ مِنَ النارِ يُعَذِّبُهُ إنْ شَاءَ أوْ يَتَجَاوَزُ عنه».
قال وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: «تَرْكُ المُكَافَأَةِ مِنَ التَّطْفِيفِ».
والمُكَافَأَةُ: ما يكونُ في مُقَابِلِ الإحسانِ، «مَنْ قَدَّمَ إليكمْ معروفًا فَكَافِئُوهُ، فإنْ لَمْ تَجِدُوا فَقُولُوا: جزاكم اللهُ خيرًا»، وتَرْكُ ذلك مِنَ التَّطْفِيفِ كمَا قال وَهْبٌ.
وما يُكَلِّفُكَ أنْ تَدْعُوَ لِمَنْ أَوْصَلَ اللهُ الإحسانَ إليكمْ عن طَرِيقِهِ وبِسَبِيلِهِ؟!! وهل يَشُقُّ عليكَ؟!!
كَتَبَ ابنُ السَّمَّاكِ إلى محمدِ بْنِ الحسنِ حِينَ وَلِيَ القضاءَ بالرَّقَّةِ: «أمَّا بَعْدُ: فَلْتَكُنْ تَقْوَى اللهِ تعالى مِنْ بَالِكَ على كُلِّ حَالٍ، وخَفِ اللهَ مِنْ كُلِّ نعمةٍ أَنْعَمَ بها عليكَ، مِنْ قِلَّةِ الشكرِ عليها مَعَ المعصيةِ بها، وأَمَّا التَّبِعَةُ فيها؛ فَقِلَّةُ الشُّكْرِ عليها، فَعَفَا اللهُ عنكَ كُلَّمَا ضَيَّعْتَ مِنْ شُكْرٍ، أوْ رَكِبْتَ مِنْ ذَنْبٍ، أو قَصَّرْتَ مِنْ حَقٍّ».
قال الأَصْمَعِيُّ: «سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يقولُ: أَسْرَعُ الذنوبِ عُقُوبَةً: كُفْرُ المعروفِ».
الْبِرُّ بِي مِنْكَ وَطَّا الْعُذْرَ عِنْدَكَ لِي فِيمَا فَعَلْتَ فَلَمْ تَعْذِلْ وَلَمْ تَلُــمِ
وَقَامَ عِلْمُكَ بِي فَاحْتَجَّ عِنْدَكَ لِي مَقَامُ شَاهِدٍ عَــدْلٍ غَيْرِ مُتَّهَـــمِ
لَئِنْ جَحَدْتُكَ مَعْرُوفًا مَنَنْتَ بِهِ إنِّي لَفِي اللُّؤْمِ أَحْظَى مِنْكَ بِالْكَرَمِ
تَعْفُو بِعَدْلٍ وَتَسْطُو إنْ سَطَوْتَ بِهِ فَلاَ عَدِمْتُكَ مِنْ عَافٍ وَمُنْتَقِـــمِ
يَدُ المَعرُوفِ غُنْمٌ حَيثُ كَانَت تَحمَّـلَهَا شَكُـورٌ أو كَفُـورُ
فَفِي شُكْرِ الشَّكُورِ لَهَا جَــزَاءٌ وَعِنْدَ اللهِ مَا كَفَرَ الكَفُورِ
مَنْ كان عَادَتُهُ وطَبْعُهُ كُفْرَانَ نعمةِ الناسِ، وتَرْكَ شُكْرِهِ لهم؛ كان مِنْ عَادَتِهِ كُفْرُ نعمةِ اللهِ –عز وجل-، وتَرْكُ الشُّكْرِ له؛ لأنه بِكُفْرِ نعمةِ المُنْعِمِ عليه مِنَ الخَلْقِ، يَتَمَرَّسُ على الكُفْرَانِ، ويَتَدَرَّبُ على الجُحُودِ.
وأَمَّا إذا ما اعْتَادَ ما أَمَرَهُ به رسولُ اللهِ ﷺ أنْ يَشْكُرَ مَنْ أَكْرَمَهُ، وأَنْ يَشْكُرَ مَنْ أَنْعَمَ عليه مَهْمَا وَصَلَ إليه عَنْ طريقِهِ مِنْ نعمةٍ أَنْعَمَ اللهُ بها عليهِ، إِذَا تَمَرَّسَ على ذَلِكَ، وتَدَرَّبَ عليهِ؛ كان أَحْرَى أَنْ يَكُونَ لله شَكُورًا، وأَنْ يَكُونَ لله ذَكُورًا.
﴿أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [النحل: 71].
قال الشنقيطي -رحمه الله-: «هَذَا إِنْكَارٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ جُحُودَهُمْ بِنِعْمَتِهِ; لِأَنَّ الْكَافِرَ يَسْتَعْمِلُ نِعَمَ اللَّهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَيَسْتَعِينُ بِكُلِّ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ عَلَى مَعْصِيَتِه، فَإِنَّهُ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ، وَجُحُودُ النِّعْمَةِ هُوَ كُفْرَانُهَا».
جُحُودُ النعمةِ كُفْرَانٌ بالنعمةِ، ولَوْ أنكَ تَأَمَّلْتَ في أحوالِكَ، وتَأَمَّلْتَ في ظاهِرِكَ وباطِنِكَ؛ لَعَلِمْتَ عظيمَ حِيَاطَةِ اللهِ رَبِّ العالمينَ لَكَ، إِذْ يَنْتَشِلُكَ مِنْ وَادِي الظُّنُونِ تَعْبَثُ بِكَ، وإذْ يَأْتِي بكَ مِنَ الشرورِ لِيُقِيمَكَ على الصراطِ المستقيمِ، وإِذْ يُنْعِمُ عليكَ بالقَلْبِ الشاكِرِ واللِّسَانِ الذَّاكِرِ، وما مِنْ أحدٍ يستطيعُ ذلك سِوَاهُ، فَهُوَ المُنْعِمُ بِهِ –تبارك وتعالى- وَحْدَهُ، وهُوَ المَانُّ به لا يَمُنُّ به إلا هُوَ، لَوْ تَأَمَّلْتَ لَعَلِمْتَ عظيمَ قَدْرِ نِعْمَتِهِ عليكَ ظاهرةً وباطنةً، وهو بَعْدُ يُصَرِّفُكَ في أحوالٍ مِنَ التَّمَتُّعِ بِلَذَّاتِهَا، ويَصْرِفُ عنكَ السُّوءَ فيها؛ مِنْ حَسَدِ حاسِدٍ، وحِقْدِ حَاقِدٍ، ومَكْرِ مَاكِرٍ، وهو بِكَ الرَّءُوفُ الرحيمُ.
قال بَعْضُ الحُكَمَاءِ: «لا يُزَهِّدَنَّكَ في المعروفِ كُفْرُ مَنْ كَفَرَ» أي: كُفْرُ النِّعْمَةِ، وَجَحْدُ المَعْرُوفِ، لا يَعْنِي الكُفْرَ باللهِ –جل وعلا-، وإنما يَعْنِي كُفْرَانَ النعمةِ وجُحُودَها، وإنه لَمُؤْلِمٌ للقلبِ حَقًّا كأَنَّمَا يَمَسُّهُ بمِيسَمٍ مِنْ نارٍ، إذْ تُبْسَطُ يَدُ المعروفِ، فَتُقْبَضُ يَدُ الشكرِ!! بَلْ تُبْسَطُ يَدُ الجَحْدِ ويَدُ الإهانةِ ويَدُ الِاسْتِهَانَةِ!! ومَنْ يَقْوَى على تَحَمُّلِ ذلك إِلَّا مَنْ قَوَّاهُ اللهُ؟!! ومَنْ يَثْبُتُ بَعْدُ على العَطَاءِ إلا مَنْ ثَبَّتَهُ اللهُ؟!!
«لَا يُزَهِّدَنَّكَ في المعروفِ كُفْرُ مَنْ كَفَرَ؛ فإنه يَشْكُرُكَ على المعروفِ مَنْ لا تَصْنَعُهُ إليه».
وأنتَ إذا صَنَعْتَ المعروفَ، فجَحَدَهُ مَنْ صُنِعَ معه المعروفُ؛ حَمِدَكَ على المعروفِ الذي صَنَعْتَهُ مَنْ لَمْ تَصْنَعْ له المعروفَ.
إعطاءُ الفَاجِرِ يُقَوِّيهِ على فُجُورِهِ، ومسألةُ اللَّئِيمِ إِهَانَةٌ لِلْعِرْضِ، وتَعْلِيمُ الجاهلِ زِيَادةٌ في الجَهْلِ، تَعْلِيمُ الجَاهِلِ زِيَادَةٌ في الجهلِ، لَمَّا ابْتُذِلَ العلمُ لِأَوْلَادِ السِّفْلَةِ؛ صارَ الأمرُ إلى مَا تَرَى، وَسَتَرى!!
لا بُدَّ مِنْ شَرَفِ النَّفْسِ وعُلُوِّ الهِمَّةِ، وكانُوا يتَصَفَّحُونَ طُلَّابَهُمْ كما يَتَصَفَّحُونَ طُلَّابَ حَرِيمِهِمْ، ولا يَبْذُلُونَ العلمَ إلا لِمَنِ اسْتَحَقَّهُ، وأمَّا العلمُ الذي هو فرضُ عينٍ على كُلِّ مسلمٍ فَهُوَ مَبْذُولٌ.
فلمَّا صارَ ما فَوْقَ ذلك مَبْذُولًا، وأَقْبَلَ عليه أصحابُ الخَسِيسَةِ لِيَرْتَفِعُوا به دُنْيَا لا دِينًا؛ صار الأمرُ إلى ما تَرَى، وَسَتَرى إلا أنْ يَشَاءَ رَبِّي شيئًا.
تعليمُ الجاهِلِ زيادةٌ في الجَهْلِ، والصَّنِيعَةُ عِنْدَ الكَفُورِ إِضَاعَةٌ للنعمةِ، فإذا هَمَمْتَ بِشَيْءٍ مِنْ هذا؛ فارْتَدِ المَوْضِعَ قَبْلَ الإِقْدَامِ عَلَيْهِ أو عَلَى الفِعْلِ.
قال عَلِيٌّ –رضي الله عنه-: «كُنْ مِنْ خَمْسَةٍ على حَذَرٍ: مِنْ لَئِيمٍ إذا أَكْرَمْتَهُ، وَكَرِيمٍ إذا أَهَنْتَهُ، وعاقِلٍ إذا أَحْرَجْتَهُ، وأَحْمَقَ إذا مَازَجْتَهُ، وفَاجِرٍ إذا مَازَحْتَهُ».
فَكُنْ مِنْ هؤلاء على حَذَرٍ.
إِذَا أَنْتَ أَكْرَمْتَ الكَرِيمَ مَلَكْتَهُ وَإِنْ أَنْتَ أَكْرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمَرَّدَ.
نُكْرَانُ الجَمِيلِ وجُحُودُ المعروفِ: أَلَّا يَعْتَرِفَ الإنسانُ بلسانِهِ بما يُقِرُّ به قلبُهُ وفُؤَادُهُ مِنَ المعروفِ والصَّنَائِعِ الجميلةِ التي أُسْدِيَتْ إليه؛ سواءٌ مِنَ اللهِ –عز وجل- أَوْ مِنَ المخلوقين.
احْذَرْ هذا الخُلُقَ؛ فإنَّهُ مَدْعَاةٌ لِذَهَابِ نعمةِ اللهِ عنكَ، وتَعْذِيبِ اللهِ إياكَ إنْ لَمْ يَرْحَمْكَ بِمَشِيئَتِهِ ورحمتِهِ إنْ تَوَرَّطْتَ في شَيْءٍ مِنْ ذلك –كما مَرَّ في النصوصِ، وكما قال الأئمةُ في الشُّرُوحِ-، اِتَّقِ اللهَ رَبَّكَ، كُنْ شَرِيفَ النَّفْسِ، وإذا خَاصَمْتَ فلا تَفْجُرْ، إياكَ والفُجُورَ في الخُصومةِ، لا يَفْجُرُ في الخُصُومَةِ مؤمنٌ قَطُّ؛ لأنَّ الفُجُورَ في الخصومةِ مِنْ خِصَالِ المنافقين «وإذا خَاصَمَ فَجَرَ»، وأَمَّا المؤمنُ؛ فإنه إذا خَاصَمَ أَدْرَكَتْهُ خِصَالُ يَقِينِهِ، وأحوالُ مُرُوءَتِهِ، ودَعَائِمُ إيمانِهِ، فَمَنَعَتْهُ مِنَ في التَّوَرُّطِ فيما لا يَجْمُلُ.
اِتَّقِ اللهَ رَبَّكَ؛ فإنَّ الإسلامَ يُرِيدُكَ، ولكِنَّ الإسلامَ لا يريدُ اليومَ عَدًّا، لا يريدُ الإسلامُ اليومَ كَمًّا، وإنما يريدُ الإسلامُ اليومَ كَيْفًا، يريدُ صِفَاتٍ كمَا قال رسولُ اللهِ: «إنكمْ يومَئِذٍ كثيرٌ، ولَكِنْ كَثْرَةٌ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ».
أسألُ اللهَ ربَّ العالمينَ أنْ يُولِيَنا شُكْرَ نعمتِهِ التي أَنْعَمَ بها علينا وعلى آبَائِنَا وأُمَّهَاتِنَا، وأنْ يُصْلِحَ لنا في ذُرِّيَّاتِنَا، وأنْ يُحْسِنَ خَاتِمَتَنَا بِمَنِّهِ وجُودِهِ وَكَرَمِهِ وعَدْلِهِ وفَضْلِهِ، وهو الجَوَادُ الكريمُ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.
المصدر:دُرُوسٌ مُهِمَّةٌ لِعُمُومِ المُسْلِمِينَ فِي رَمَضَانَ