وُجُوبُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمِيَاهِ وَعَدَمِ الْإِسْرَافِ فِي اسْتِخْدَامِهَا


 ((وُجُوبُ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمِيَاهِ

وَعَدَمِ الْإِسْرَافِ فِي اسْتِخْدَامِهَا))

عِبَادَ اللهِ! نِعْمَةُ الْمَاءِ الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- بِهَا عَلَيْنَا؛ نِعْمَةٌ جَلِيلَةٌ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ.

لَقَدْ نَهَى اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- عَنِ الْإِسْرَافِ, وَحَذَّرَ مِنْهُ, وَوَصَفَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- بِهِ أَعْدَى أَعْدَائِهِ مِنْ خَلْقِهِ مِنَ الْبَشَرِ فَقَالَ {إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ} [الدخان: ٣١]، وَهُوَ فِرْعَوْنُ اللَّعِينُ, وَصَفَهُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- بِالْإِسْرَافِ, وَحَذَّرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْهُ, وَنَهَى عَنِ الْوُقُوعِ فِيهِ.

*لِنَعْلَمْ أَنَّ الْإِكْثَارَ مِنَ اسْتِخْدَامِ الْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْلِ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]، وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ -رَحِمَهُمُ اللهُ-: يُكْرَهُ الْإِسْرَافُ وَلَوْ كَانَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ.

مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ: الِاقْتِصَادُ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ: الِاعْتِدَالُ فِي الْوُضُوءِ مَعَ الْإِسْبَاغِ، وَمِنَ الْأَفْضَلِ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا بِدُونِ إِسْرَافٍ وَاعْتِدَاءٍ؛ لِحَدِيثِ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

إِنَّ نِعْمَةَ الْمَاءِ الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهَا عَلَى هَذَا الْبَلَدِ بِمَا أَجْرَى فِيهَا مِنَ النَّهْرِ الْمُبَارَكِ, نِعْمَةٌ جَلِيلَةٌ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ عَلَى أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ.

 فَيَنْبَغِي عَلَيْهِمْ أَنْ يُحَافِظُوا عَلَى تِلْكَ النِّعْمَةِ, وَأَلَّا يُسْرِفُوا فِيهَا مُبَدِّدِينَ إِيَّاهَا, وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَرْضَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ, وَلَا يُحِبُّهُ.

 فَالْإِسْرَافُ مِنْ خُلُقِ أَتْبَاعِ الشَّيَاطِينِ مِنْ أَعْدَاءِ الدِّينِ، وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ:

*إِسْرَافٌ كَمِّيٌّ: يَكُونُ بِأَنْ تَبْذُلَ فَوْقَ مَا تَحْتَمِلُهُ طَاقَتُكَ.

*وَأَمَّا الْإِسْرَافُ الْكَيْفِيُّ: فَأَنْ تَتَجَاوَزَ بِذَلِكَ الْإِنْفَاقِ الْحَدَّ, وَلَوْ كَانَ فِي دِرْهَمٍ وَاحِدٍ, فَإِنَّ وَضْعَ الْقَلِيلِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ مِمَّا يُغْضِبُ اللهَ؛  إِسْرَافٌ وَلَوْ كَانَ دِرْهَمًا وَاحِدًا, فَلَيْسَ بِكَثْرَتِهِ عَدًّا, وَإِنَّمَا بِوَضْعِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ كَيْفًا.

فَالْإِسْرَافُ مِنْ حَيْثُ الْكَيْفُ مَا أُنْفِقَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, وَطَاعَةِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ, وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا.

فَإِنَّ الْمَرْءَ وَلَوْ مَلَكَ أُلُوفًا مُؤَلَّفَةً, وَأَضْعَافًا مُضَاعَفَةً, وَوَضَعَ دِرْهَمًا وَاحِدًا فِي مَعْصِيَةِ اللهِ, كَانَ مُسْرِفًا مُتَوَعَّدًا بِمَا يُتَوَعَّدُ بِهِ مَنْ أَسْرَفَ, وَتَجَاوَزَ, وَتَعَدَّى, وَظَلَمَ، كَأَنْ يَضَعَ دِرْهَمًا فِي يَدِ فَاجِرَةٍ, أَوْ يَشْتَرِيَ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ -وَقَدْ مَلَكَ أُلُوفًا مُؤَلَّفَةً- خَمْرًا, فَهُوَ مُسْرِفٌ, وَإِنْ كَانَ مَا أَنْفَقَهُ قَلِيلًا.

وَأَمَّا وَضْعُ الْكَثِيرِ وَلَوِ اشْتَمَلَ عَلَى الْمَالِ كُلِّهِ فِي طَاعَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, فَلَا يُعَدُّ إِسْرَافًا, كَمَا فَعَلَ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-, فَقَدْ أَتَى بِمَالِهِ كُلِّهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ ﷺ صَدَقَةً يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ؛ طَاعَةً لِلَّهِ وَطَاعَةً لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَانْسَلَخَ مِنْ مَالِهِ جَمِيعِهِ, وَلَمْ يُعَدَّ مُسْرِفًا.

فَمَهْمَا وَضَعْتَ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ مَالٍ مِمَّا يَرْضَى اللهُ عَنْهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِسْرَافٍ.

وَمَهْمَا وَضَعْتَ مِنْ قَطْرَةٍ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي آتَانَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْ فَضْلِهِ وَنِعَمِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا, فَهَذَا إِسْرَافٌ يُبَدِّدُ رُوحَ أُمَّةٍ, وَيُصَحِّرُ أَرْضَ قُطْرٍ مِنْ أَقْطَارِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُبَارِكَ فِيهِ, وَأَنْ يَحْفَظَهُ وَسَائِرَ أَقْطَارِ الْمُسْلِمِينَ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

المصدر:التَّرْشِيدُ فِي حَيَاتِنَا مَوْضُوعَا الْمِيَاهِ، وَالْإِنْفَاقِ فِي رَمَضَانَ أُنْمُوذَجًا

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  رِسَالَةٌ مَلِيئَةٌ بِالْأَمَلِ وَالْبُشْرَيَاتِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ
  مِنْ دُرُوسِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ: إِعْمَالُ الْعَقْلِ فِي تَوْثِيقِ النَّصِّ، ثُمَّ التَّصْدِيقُ وَالتَّسْلِيمُ
  رِعَايَةُ اللهِ لِيَتَامَى مِنْ خَيْرِ الْبَشَرِ
  الرَّعِيلُ الْأَوَّلُ سَادَةُ الدُّنْيَا بِالْإِسْلَامِ
  الْمَقَاصِدُ الْعُظْمَى لِدِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  رِحْلَةُ الْعَوْدَةِ تَبْدَأُ بِالتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ
  عِظَمُ خُلُقِ الْوَفَاءِ
  مِنْ سُبُلِ بِنَاءِ الْأُمَّةِ: الْعَمَلُ الْجَادُّ
  نِعْمَةُ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  الْإِحْسَانُ هُوَ أَسَاسُ الْعَلَاقَاتِ فِي الْإِسْلَامِ
  مَعْرَكَةٌ تَارِيخِيَّةٌ لِلْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ فِي سَيْنَاءَ ضِدَّ الْإِرْهَابِ وَالْخِيَانَةِ
  لِمَنْ تَكُونُ الْبَيْعَةُ وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ؟
  تَرْغِيبُ اللهِ تَعَالَى فِي الْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ
  فَوَائِدُ الزَّوَاجِ الْعَظِيمَةُ وَثَمَرَاتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
  الْأَمْوَالُ وَالْأَوْلَادُ ابْتِلَاءٌ وَاخْتِبَارٌ!!
  • شارك