((نَصِيحَةٌ لِجَمَاعَاتٍ ضَالَّةٍ تُكَفِّرُ أَهْلَ الْقِبْلَةِ!!))
عِبَادَ اللهِ! عَلَى أَهْلِ الْقِبْلَةِ أَنْ يَتَّقُوا اللهَ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ...
الْبَلَاءُ مَوْكُولٌ بِالْمَنْطِقِ، وَاللِّسَانُ مَرْكَبٌ خَطِرٌ مِنْ مَرَاكِبِ الْعَطَبِ، وَقَدْ حَذَّرَنَا اللهُ شَرَّهُ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا فِي كِتَابِهِ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ مَسْئُولٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا قَالَهُ فِي الدُّنْيَا؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18].
مِنَ الْآفَاتِ اللِّسَانِيَّةِ الَّتِي يُسْأَلُ عَنْهَا: تَكْفِيرُ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ كَاتِّبَاعِ الظَّنِّ، أَوِ الْمُبَالَغَةِ فِي رَدِّ عُدْوَانِهِ إِلَى حَدِّ تَكْفِيرِهِ بِلَا مُسَوِّغٍ، أَوْ جَعْلِ كَبَائرِهِ نَوَاقِضَ لِإِيمَانِهِ.
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء: 94].
فِي «الصَّحِيحَيْنِ»: عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ؛ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، فَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ؛ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ».
وَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) -أَيْضًا- عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ، أَوْ قَالَ: عَدُوَّ اللَّهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ إِلَّا حَارَ -أَيْ: رَجَعَ- عَلَيْهِ».
وَقَالَ ﷺ: «مَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ؛ فَهُوَ كَقَتْلِهِ». رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي «صَحِيحِ الْجَامِعِ»، وَغَيْرِهِ.
عَلَى هَذَا؛ فَيَنْبَغِي لِلنَّاصِحِ لِنَفْسِهِ أَنْ يَتَجَنَّبَ أَعْرَاضَ الْمُسْلِمِينَ، أَنْ يَتَجَنَّبَ أَعْرَاضَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ؛ فَفِي «الصَّحِيحَيْنِ»: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ».
وَإِنَّمَا كَانَ إِثْمُ التَّكْفِيرِ عَائِدًا عَلَى صَاحِبِهِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُكَفَّرُ أَهْلًا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رَجَبٍ فِي «النَّصِيحَةِ»: ((أَنَّهُ لَمَّا رَكِبَ ابْنَ سِيرِينَ الدَّيْنُ، وَحُبِسَ بِهِ؛ قَالَ: إِنِّي أَعْرِفُ الذَّنْبَ الَّذِي أَصَابَنِي هَذَا؛ عَيَّرْتُ رَجُلًا مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَقُلْتُ لَهُ: يَا مُفْلِسُ».
فَابْتُلِيَ بِالدَّيْنِ بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَكَسَرَهُ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ لَهُ وَفَاءً وَلَا أَدَاءً، فَحُبِسَ بِسَبَبِهِ؛ وَلِكِنَّهُ لِتَقْوَاهُ وَوَرَعِهِ وَخَوْفِهِ مِنَ اللهِ؛ يَعْلَمُ قِلَّةَ ذُنُوبِهِ، فَعَلِمَ السَّبَبَ الَّذِي لِأَجْلِهِ أُصِيبَ بِمَا أُصِيبَ بِهِ.
فَيَقُولُ: ((إِنِّي لَأَعْرِفُ السَّبَبَ الَّذِي لِأَجْلِهِ أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي: عَيَّرْتُ رَجُلًا مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَقُلْتُ لَهُ: يَا مُفْلِسُ)).
هَذَا؛ فَكَيْفَ بِالْوُقُوعِ فِي الْأَعْرَاضِ؟!!
فَكَيْفَ بِفَرْيِهَا فَرْيَ الْأَدِيمِ؟!!
فَكَيْفَ بِالتَّخْوِينِ؟!!
فَكَيْفَ بِالْوُقُوعِ عَلَى النَّاسِ وُقُوعَ الصَّاعِقَةِ؟!!
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فَاشٍ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ.
كَيْفَ بِإِخْرَاجِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ؛ بِجَعْلِهِمْ كُفَّارًا وَمُرْتَدِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟!!
كَلِمَةٌ قَالَهَا صَاحِبُهَا مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَلَمْ يَنْسَهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ غَافِلِينَ؛ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْمَرْءُ يَلُوكُ كَلِمَةَ (يَا كَافِرُ) الَّتِي هِيَ شَرٌّ مِنْ (يَا مُفْلِسُ)؛ يَلُوكُهَا بِلِسَانِهِ صَبَاحَ مَسَاءَ؟!!
عَنْ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: «سَأَلْتُ جَابِرًا وَهُوَ مُجَاوِرٌ بِمَكَّةَ، وَكَانَ نَازِلًا فِي بَنِي فِهْرٍ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ: هَلْ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مُشْرِكًا؟
فَقَالَ: مَعَاذَ الله، وَفَزِعَ لَذَلِكَ.
فَقَالَ: هَلْ كُنْتُمْ تَدْعُونَ أَحَدًا مِنْهُمْ كَافِرًا؟
قَالَ: لَا». رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَأَحْمَدُ مُخْتَصَرًا، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي «صِفَةِ النِّفَاقِ» بِنَحْوِهِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي «الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ».
وَعَنْ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ: رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ, حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ رِدْءًا لِلْإِسْلَامِ؛ انْسَلَخَ مِنْهُ، وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَسَعى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ, وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ».
قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ؛ الرَّامِي، أَوِ الْمَرْمِيُّ؟
قَالَ: «بَلِ الرَّامِي».
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي «التَّارِيخِ»، وَابْنُ حِبَّانَ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
فَوَا حَسْرَتَاهُ عَلَى مَا آلَ إِلَيْهِ الْحَالُ، وَوَا خَوْفَاهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ تَحَلُّلِ عُرَاهَا، وَتَبَدُّدِ أَسْبَابِ قُوَاهَا، وَتَمَزُّقِهَا، حَتَّى تَصِيرَ نَهْبًا لِلْأُمَمِ، كَمَا قَالَ ﷺ: «تَتَدَاعَى عَلَيْهَا الأُمَمُ، كَمَا تَتَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا»!!
فَوَا خَوْفَاهُ مِنْ وُقُوعِ السُّوءِ عَلَيْهَا، وَمِنْ تَمَزُّقِ أَمْرِهَا، وَتَبَدُّدِ أَحْوَالِهَا، وَتَبَدُّلِ أَسْبَابِهَا؛ حَتَّى تَصِيرَ بِحَيْثُ تَلْقَى عِقَابَ رَبِّهَا!!
تَمَسَّكُوا بِعُرَى دِينِكُمْ.
يَا أَهْلَ الْقِبْلَةِ؛ إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ اخْتَارَ لَكُمْ أَجَلَّ الْقِبَلِ وَأَعْظَمَهَا، وَأَرْسَلَ إِلَيْكُمْ أَعْظَمَ الرُّسُلِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمْ أَجَلَّ وَأَكْرَمَ الْكُتُبِ.
اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ اصْطَفَاكُمْ، فَجَعَلَكُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ؛ فَحَقِّقُوا الْخَيْرِيَّةَ فِيكُمْ، فَإِنْ فَعَلْتُمْ؛ نَجَوْتُمْ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا؛ فَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ.
اتَّقُوا اللهَ فِي أُمَّتِكُمْ.. فِي دِينِكُمْ!!
اِتَّقُوا اللهَ فِي قِبْلَتِكُمْ!!
لَا تَتَشَرْذَمُوا!!
وَلَا تَتَشَظَّوْا!!
تَمَاسَكُوا وَتَلَاحَمُوا!!
وَكُونُوا جَمِيعًا كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ كَمَا وَصَفَكُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ.
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ أُمَّتَنَا، وَأَنْ يُدِيمَ عَلَى بَلَدِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَأَنْ يَمُنَّ عَلَى دُوَلِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ كُلِّهَا بِالْخُرُوجِ مِنَ التِّيهِ، وَالِاسْتِقَامَةِ عَلَى الْجَادَّةِ، وَالْخُرُوجِ مِنَ التَّخَالُفِ، وَالْمُشَاقَّةِ، وَالْمُنَازَعَةِ.
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْمَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا عَلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.
المصدر:تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ.. دُرُوسٌ وَعِبَرٌ