مِنْ دُرُوسِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ: عِظَمُ قَدْرِ الصَّلَاةِ فِي الْإِسْلَامِ وَعُلُوُّ مَنْزِلَتِهَا


 ((مِنْ دُرُوسِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ:

عِظَمُ قَدْرِ الصَّلَاةِ فِي الْإِسْلَامِ وَعُلُوُّ مَنْزِلَتِهَا))

عِبَادَ اللهِ! فِي لِيْلَةِ الْمِعْرَاجِ فَرَضَ اللهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ وَالْأُمَّةِ الصَّلَاةَ، فَرَضَهَا اللهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ بِدُونِ وَاسِطَةٍ، وَكَانَ التَّكْلِيفُ بِهَا مِنَ اللهِ تَعَالَى إِلَى نَبِيِّهِ ﷺ مُبَاشَرَةً مِنْهُ إِلَيْهِ.

فَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) , مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ جَاءَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، فَأَوْحَى اللَّهُ فِيمَا أَوْحَى إِلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً عَلَى أُمَّتِكَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، ثُمَّ هَبَطَ حَتَّى بَلَغَ مُوسَى، فَاحْتَبَسَهُ مُوسَى، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ؛ مَاذَا عَهِدَ إِلَيْكَ رَبُّكَ؟، قَالَ: عَهِدَ إِلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ وَعَنْهُمْ.

فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ، أَنْ نَعَمْ إِنْ شِئْتَ، فَعَلَا بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ، فَقَالَ وَهُوَ مَكَانَهُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَنَّا فَإِنَّ أُمَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ هَذَا, فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى، فَاحْتَبَسَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهُ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ.

ثُمَّ احْتَبَسَهُ مُوسَى عِنْدَ الْخَمْسِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ؛ وَاللَّهِ لَقَدْ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْمِي عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذَا، فَضَعُفُوا، فَتَرَكُوهُ، فَأُمَّتُكَ أَضْعَفُ أَجْسَادًا وَقُلُوبًا وَأَبْدَانًا وَأَبْصَارًا وَأَسْمَاعًا، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ.

كُلَّ ذَلِكَ يَلْتَفِتُ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى جِبْرِيلَ لِيُشِيرَ عَلَيْهِ، وَلَا يَكْرَهُ ذَلِكَ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، فَرَفَعَهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ، إِنَّ أُمَّتِي ضُعَفَاءُ أَجْسَادُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ، فَخَفِّفْ عَنَّا، فَقَالَ الْجَبَّارُ: يَا مُحَمَّدُ.

قَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ.

قَالَ: إِنَّهُ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ كَمَا فَرَضْتُهُ عَلَيْكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، قَالَ: فَكُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَهِيَ خَمْسُونَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ وَهِيَ خَمْسٌ عَلَيْكَ.

فَرَجَعَ ﷺ إِلَى مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، فَقَالَ: كَيْفَ فَعَلْتَ؟

فَقَالَ: خَفَّفَ عَنَّا، أَعْطَانَا بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا.

قَالَ مُوسَى: قَدْ وَاللَّهِ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ، فَتَرَكُوهُ، ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ أَيْضًا.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا مُوسَى، قَدْ وَاللَّهِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي مِمَّا اخْتَلَفْتُ إِلَيْهِ.

قَالَ: فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللَّهِ.

قَالَ: وَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي مَسْجِدِ الْحَرَامِ)). هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.

فَالصَّلَاةُ فُرِضَتْ خَمْسِينَ صَلَاةً، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى حُبِّ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِلصَّلَاةِ، وَقَدْ خَفَّفَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَنْ عِبَادِهِ؛ فَهِيَ خَمْسٌ فِي الْعَمَلِ وَخَمْسُونَ فِي الْأَجْرِ، وَقَدْ فَرَضَهَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ قَدْرِهَا وَرِفْعَةِ مَنْزِلَتِهَا.

وَفَرَضَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ وَأُمَّتِهِ مِنْهُ إِلَيْهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، فَلَمْ يُرْسِلْ بِفَرْضِيَّتِهَا جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَإِنَّمَا فَرَضَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ كِفَاحًا مِنْهُ إِلَى نَبِيِّهِ ﷺ، فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ قَدْرِ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ فِي دِينِ اللهِ وَعِنْدَ اللهِ.

 

المصدر:دُرُوسٌ مِنَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مَعْنَى الْهِجْرَةِ وَأَدِلَّتُهَا وَشُرُوطُهَا
  دِينٌ كَامِلٌ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي جَمِيعِ أَزْمِنَتِهِمْ
  كَيْفَ نُحَقِّقُ الْإِخْلَاصِ وَالتَّقْوَى؟
  شَرَعَ اللهُ الزَّوَاجَ لِتَكْوِينِ أُسَرٍ يَخْرُجُ مِنْهَا نَشْءٌ مُوَحِّدٌ للهِ
  الدَّعْوَةُ إِلَى اللهِ مِنْ أَهَمِّ عَوَامِلِ الْقُوَّةِ فِي بِنَاءِ الدُّوَلِ
  مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ
  الْعِيدُ وَاجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَنَبْذُ الْخِلَافَاتِ
  الْأُمُورُ الَّتِي يُسْتَمَدُّ مِنْهَا الْإِيمَانُ وَأَسْبَابُ زِيَادَتِهِ
  حِكَمُ تَشْرِيعِ الزَّكَاةِ
  حَالُ الْمُسْلِمِ فِي شَهْرِ الْحَصَادِ
  الْأُخُوَّةُ الْإِيمَانِيَّةُ وَرَحِمُ الْإِسْلَامِ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ
  مَنْزِلَةُ الْعَقْلِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  الشَّبَابُ وَحَمْلُ أَمَانَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَنَمَاذِجٌ مِنْ خَيْرِ الْبَشَرِ
  ثَمَرَاتُ التَّرْشِيدِ فِي الْإِنْفَاقِ فِي رَمَضَانَ
  إِكْرَامُ ذِي الشَّيْبَةِ فِي الْإِسْلَامِ
  • شارك