آمَالُ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَالتَّابِعِينَ وَآمَالُنَا!!


 ((آمَالُ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَالتَّابِعِينَ وَآمَالُنَا!!))

هَذِهِ كَانَتْ آمَالَهُمْ!! فَعَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -فِيمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ, وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ, وَالْحَاكِمُ, وَالْبَيْهَقِيُّ, وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((صَحِيحِ الْجَامِعِ)), وَغَيْرِهِ-: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ, ثُمَّ قَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ.

فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ بَعْضَ أَصْحَابِهِ, فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ، غَنِمَ النَّبِيُّ ﷺ سَبْيًا، فَقَسَمَهُ وَقَسَمَ لَهُ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ, وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ -كَانَ فِي إِبِلِهِمْ يَرْعَاهَا, فَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا-، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ، فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ, فَقَالَ: مَا هَذَا؟!!

قَالُوا: قَسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ ﷺ؛ فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟

قَالَ: ((قَسَمْتُهُ لَكَ)).

قَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ، وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا -وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ- بِسَهْمٍ؛ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الجَنَّةَ.

فَقَالَ: ((إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ)).

فَلَبِثُوا قَلِيلًا، ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ يُحْمَلُ, قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ, فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((أَهُوَ هُوَ؟!!)).

قَالُوا: نَعَمْ.

قَالَ: ((صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ اللَّهُ)).

ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ ﷺ فِي جُبَّتِهِ، ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ, فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ -أَيْ مِنْ دُعَائِهِ-: ((اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ، فَقُتِلَ شَهِيدًا, أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ)) .

خُذْ هَذَا السَّبْيَ, فَقَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ، لَمْ أَتَّبِعْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى أَنْ أُحَصِّلَ فِي الدُّنْيَا مَغْنَمًا, وَلَا أَنْ أُفِيدَ فِيهَا فَائِدَةً، وَإِنَّمَا اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى بِسَهْمٍ هَاهُنَا, يَخْتَارُ مِيتَةً يُؤتِيهِ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِيَّاهَا كَمَا اخْتَارَهَا، وَيُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إِلَى حَلْقِهِ، أَنْ أُرْمَى بِسَهْمٍ هَاهُنَا -وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ-؛ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الجَنَّة، فَوَكَلَهُ اللهُ إِلَى صِدْقِهِ مَعَهُ -جَلَّ وَعَلَا-, قَالَ: ((إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقكَ)).

فَجِيءَ بِهِ مَحْمُولًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَتَأَكَّدَ مِنْهُ: ((أَهُوَ هُوَ؟!!))

قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ.

السَّهْمُ فِي حَلْقِهِ، فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ بِأُصْبَعِهِ، فَقَالَ: ((صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ اللَّهُ))، ثُمَّ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ بَمَا كَانَ مِنْهُ.

هَذِهِ حَقِيقَةُ الدِّينِ, حَقِيقَةُ الْإِخْلَاصِ, حَقِيقَةُ الْعَمَلِ لِخِدْمَةِ دِينِ رَبِّ الْعَالمِينَ, لَيْسَ هَاهُنَا شَيْءٌ، الْفَائِدَةُ هُنَاكَ، الْأَجْرُ هُنَاكَ، الْمَثُوبَةُ هُنَاكَ، وَأَمَّا هَاهُنَا فِي الدُّنْيَا؛ فَتَعَبٌ وَنَصَبٌ، وَعَنَاءٌ وَبَلَاءٌ، وَأَلَمٌ وَمَشَقَّةٌ, وَاللَّهُ يَشْرَحُ الصَّدْرَ، وَيُصْلِحُ الْبَالَ، وَيُطَمْئِنُ الْقَلْبَ.

وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.

وَمُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ وَابْنُ الْجَمُوحِ كَانَ مَا كَانَ مِنْهُمَا يَوْمَ بَدْرٍ، وَهَذَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا يَضْرِبُ رِجْلَ أَبِي جَهْلٍ فَيُطِنُّهَا فَيُطِيحُ بِهَا، كَمَا تَخْرُجُ النَّوَاةُ مِنْ تَحْتِ الرَّحَى بِسِفَالِهَا.

وَيَأْتِي عِكْرَمَةُ فَيَضْرِبُهُ عَلَى عَاتِقِهِ فَيُطِنُّ ذِرَاعَهُ إِلَّا جِلْدَةً تَظَلُّ الذِّرَاعُ مُمْسِكَةً فِي الْجَسَدِ بِسَبَبِهِا.

يَقُولُ: قَاتَلْتُ عَامَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهِيَ كَذَلِكَ -يَعْنِي ذِرَاعَهُ- مَا زَالَتْ مُمْسِكَةً بِجِلْدَةٍ فِي جَسَدِهِ لَمْ تَنْفَصِلْ عَنْ جَسَدِهِ بَعْدُ.

قَالَ: فَآذَتْنِي!!

يُقَاتِلُ عَامَّةَ يَوْمِهِ وَهِيَ كَذَلِكَ تَرُوحُ وَتَجِيءُ كَبِنْدُولِ السَّاعَةِ تَتَحَرَّكُ كَمَا قَدَّرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَهَا، لَمْ تَعُدْ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ سَيْطَرَةٍ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْهُ إِرَادَةٌ، وَإِنَّمَا مُرَادُهَا عَلَى حَسَبِ قَدَرِ رَبِّهَا فِيهَا؛ تَرُوحُ وَتَجِيءُ، قَالَ: فَآذَتْنِي.

فَمَا تَظُنُّهُ فَاعِلًا؟!!

أَيْنَ تَذْهَبُ تِلْكَ الْأَعْصَابُ الْحَامِلَاتُ لِلْأَلَمِ إِلَى الْمُخِّ تُتَرْجِمُ بِمَرَاكِزِهَا فِيهِ عَنْ ذَلِكَ الْأَلَمِ الْمُفْظِعِ الَّذِي يَذْهَلُ مِنْهُ الْعَقْلُ إِذَا مَا زَادَ، يَصِلُ الْأَلَمُ أَحْيَانًا بِالْجَسَدِ الْحَيِّ إِلَى مَرْحَلَةِ الذُّهُولِ، فَيَذْهَلُ الْإِنْسَانُ عَنْ ذَاتِهِ حَتَّى يَغِيبَ وَهُوَ غَيْرُ غَائِبٍ، وَحَتَّى يُغَيَّبَ وَهُوَ حَاضِرٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحِسَّ شَيْئًا وَلَا يُدْرِكُ مِمَّا حَوْلَهُ أَمْرًا، مَا هُوَ هَذَا الْأَلَمُ عِنْدَئِذٍ؟

وَهَذَا رَجُلٌ تُؤْذِيهِ ذِرَاعُهُ وَقَدْ أَمْسَكَتْ بِجَسَدِهِ بِجِلْدَةٍ؛ فَمَا يَقُولُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؟

قَالَ: فَقَاتَلْتُ عَامَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَدْ آذَتْنِي، قَالَ: فَوَضَعْتُهَا تَحْتَ رُكْبَتِي -أَوْ قَالَ تَحْتَ قَدَمِي- ثُمَّ تَمَطَّيْتُ.

ثُمَّ يَتَمَطَّى فَيَفْصِلُهَا، وَيَعُودُ إِلَى الْمَعْرَكَةِ مِنْ أَجْلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

أَيْنَ الْأَلَمُ؟!

يَسْتَعْلِي بِرُوحِهِ فَوْقَ الْأَلَمِ!!

وَآخَرُ يَأْتِيهِ رُمْحٌ مِنْ خَلْفٍ بِغَدْرٍ وَمَا كَانَ مُوَلِّيًا، وَمَا كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ حَتَّى فِي جَاهِلِيَّتِهِ يَخْشَى أَنْ يَأْتِيَهُ رُمْحٌ مِنْ خَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوَلِّي الْأَدْبَارَ حَتَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

هَذَا وَاحِدٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَأْتِيهِ رُمْحٌ غَادِرٌ مِنْ خَلْفِهِ، وَهَا هُوَ يَخْرُجُ بِنَصْلِهِ مِنْ أَمَامَ، هَا هُوَ يَخْرُجُ شَيْئًا فَشَيْئًا، هَا هُوَ يَأْتِي يَدْفَعُهُ الْغِلُّ وَيُزْجِيهِ الْحِقْدُ، وَهَا هُوَ يَبْزَغُ مِنَ اللَّحْمِ الْحَيِّ شَيْئًا فَشَيْئًا كَمَا تَتَشَقَّقُ الْأَرْضُ الْعَطْشَى لِتَسْتَقْبِلَ مَاءَ السَّمَاءِ، كَمَا تَتَشَقَّقُ الْأَرْضُ الَّتِي أَصَابَهَا الْغَيْثُ عَنِ النَّبْتِ الْأَخْضَرِ يَتَرَعْرَعُ بِالنَّمَاءِ.

هَا هُوَ صَدْرُهُ يَنْفَجِرُ شَيْئًا فَشَيْئًا!!

هَا هُوَ سَهْمٌ مِنَ النَّارِ تَتَلَظَّى بِهِ الْجُنُوبُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ!!

وَهَا هُوَ النَّصْلُ يَخْرُجُ حَادًّا ثَقِيلًا، وَهَا هِيَ الدِّمَاءُ تَنْبَثِقُ مُنْفَجِرَةً مِنْ أَمَامٍ، أَيَنْكَفِئُ عَلَى أَلَمِهِ أَمْ يَسْتَعْلِي فَوْقَ أَلَمِهِ؟!!

هَا هُوَ وَالدَّمُ يَنْبَثِقُ كَالنَّافُورَةِ مِنْ أَمَامٍ يَحْفِنُ، هَكَذَا بِهَذَا اللَّفْظِ الْمُوحِي الْجَلِيلِ؛ يَحْفِنُ الدِّمَاءَ الْمُنْبَثِقَةَ الْمَوَّارَةَ الْفَوَّارَةَ بِكَفَيْهِ وَيُلْقِي بِهَا جِهَةَ السَّمَاءِ يَقُولُ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.

أَيُّ إِيمَانٍ؟!!

أَيُّ إِيمَانٍ هَذَا وَأَيُّ يَقِينٍ؟!!

وَفِي الْمُقَابِلِ مَا هُوَ إِيمَانُنَا نَحْنُ، وَمَا هُوَ الْيَقِينُ؟!!

أَيُّ إِيمَانٍ، وَأَيُّ اسْتِعْلَاءٍ، وَأَيُّ يَقِينٍ؟!!

جِدٌّ مَا فِيهِ هَزْلٌ، وَيَقِينٌ مَا فِيهِ شَكٌّ، وَاسْتِعْلَاءٌ مَا فِيهِ سُفُولٌ!!

وَأَمَّا نَحْنُ فَمَنْ نَكُونُ وَمَا نَكُونُ؟!!

أَلَا إِنَّ النَّاظِرَ فِي أَحْوَالِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ-، يَعْلَمُ أَيْنَ يَكْمُنُ السِّرُّ، السِّرُّ بَيْنَ عِزِّهِمْ وَذُلِّنَا.

السِّرُّ الَّذِي لِأَجْلِهِ اسْتَعْلَوْا وَتَسَفَّلْنَا!!

السِّرُّ الَّذِي لِأَجْلِهِ أُعْطُوا وَحُرِمْنَا!!

السِّرُّ الَّذِي لِأَجْلِهِ عَزُّوا وَذَلَلْنَا!!

السِّرُّ الَّذِي لِأَجْلِهِ انْتَصَرُوا وَهُزِمْنَا!!

السِّرُّ الَّذِي لِأَجْلِهِ عَاشُوا وَمِتْنَا وَنَحْنُ أَحْيَاءٌ!!

هَذَا السِّرُّ إِنَّمَا يَكْمُنُ فِي هَذَا الْجِدِّ الْجَادِّ وَالْبُعْدِ عَنِ الْهَزْلِ الْهَزِيلِ.

إِنَّهُمْ قَدْ عَادُوا إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ يَسْتَمِدُّونَ مِنَ اللهِ الْمَعُونَةَ وَالنُّصْرَةَ، وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

 

المصدر:الْأَمَلُ

 

 

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَشَرَفُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ
  نِدَاءٌ إِلَى طُلَّابِ الْعِلْمِ
  طُولُ الْأَمَلِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  اسْتِقْبَالُ الْعَشْرِ بِتَحَرِّي الْحَلَالِ
  الْخِلَافُ وَالْإِسْرَافُ مَرَضَانِ يُهَدِّدَانِ الْأُمَّةَ
  أَفْضَلُ الصُّوَّامِ أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا للهِ
  أُصُولُ الشَّرِيعَةِ سَبِيلُ صَلَاحِ النَّاسِ
  الْمَوْعِظَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعُشْرُونَ : ((الْحَثُّ عَلَى التَّوَاضُعِ))
  حَقِيقَةُ الصِّيَامِ
  أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ
  لَا يُفِيدُ الصِّيَامُ شَيْئًا مَعَ كَثْرَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ
  فَضَائِلُ صِلَةِ الرَّحِمِ
  الْخَوْفُ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ
  رِسَالَةٌ مَلِيئَةٌ بِالْأَمَلِ وَالْبُشْرَيَاتِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ
  الْإِسْلَامُ رَحْمَةٌ فِي السِّلْمِ وَالْحَرْبِ
  • شارك