((مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: خِدْمَةُ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ
عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ))
إِنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَشْرَفُ وَأَكْرَمُ مَقَامَاتِ التَّعَبُّدِ للهِ.
هِيَ أَكْرَمُ مَقَامٍ يَقُومُهُ عَبْدٌ لِرَبِّهِ أَنْ يَكُونَ دَاعِيًا إِلَيْهِ، دَالًّا عَلَيْهِ، مُرْشِدًا إِلَى صِرَاطِهِ، مُتَّبِعًا لِسَبِيلِ نَبِيِّهِ، مُقِيمًا عَلَى ذَلِكَ، مُخْلِصًا فِيهِ، آتِيًا بِهِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يُرْضِيهِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].
هَذَا اسْتِفْهَامٌ الْغَرَضُ مِنْهُ النَّفْيُ، {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ}: أَيْ: لَا أَحَدَ.
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ}: مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ، لَا إِلَى نَفْسِهِ، وَلَا إِلَى مَنْهَجِهِ، وَلَا إِلَى طَرِيقَتِهِ، وَلَكِنْ إِلَى اللهِ.
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا}: فَالْتَزَمَ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ، وَعَمِلَ بِهِ.
{وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}: فَأَسْلَمَ الزِّمَامَ للهِ وَحْدَهُ بِالشَّرْعِ الْأَغَرِّ، بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لَا يَبْتَدِعُ، وَلَا يَتَزَيَّدُ، وَلَا يَجِدُ حَظَّ نَفْسِهِ، بَلْ يَجْعَلُ ذَلِكَ تَحْتَ مَوَاطِئِ أَقْدَامِهِ، يَدْعُو إِلَى اللهِ مُخْلِصًا، إِلَى اللهِ خَالِصًا، للهِ وَحْدَهُ، فَلَا أَحَدَ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلًا، وَلَا أَكْرَمُ عَلَى اللهِ مِنْهُ فِعْلًا، وَلَا أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْهُ دَعْوَةً.
وَكُلُّ مُكَلَّفٍ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108].
فَمَنِ اتَّبَعَ رَسُولَ اللهِﷺ دَعَا إِلَى اللهِ، وَأَتْبَاعُ النَّبِيِّ ﷺ دُعَاةٌ إِلَى اللهِ، كُلٌّ بِحَسَبِهِ، عَلَى حَسَبِ عِلْمِهِ، لَا يَتَزَيَّدُ، وَإِلَّا كَانَ دَاعِيًا إِلَى غَيْرِ رَبِّهِ، وَإِلَى غَيْرِ صِرَاطِهِ، وَإِلَى غَيْرِ دِينِهِ، قَائِلًا عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ، وَإِنَّمَا يَدْعُو إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى قَدْرِ عِلْمِهِ وَعَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ، فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَفِي كُلِّ مَجَالٍ.
وَقَالَ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].
أَنْتُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ خَيْرُ أُمَّةٍ أُظْهِرَتْ لِلنَّاسِ، وَحُمِّلَتْ وَظِيفَةَ الْخُرُوجِ بِتَبْلِيغِ النَّاسِ دِينَ اللهِ لَهُمْ، وَهَذِهِ الْخَيْرِيَّةُ قَدْ عَلِمَهَا اللهُ فِيكُمْ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَكُمْ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ يَشْمَلُ مَا كَانَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ، وَمَا سَيَكُونُ.
وَسَبَبُ بَقَاءِ تِلْكَ الْخَيْرِيَّةِ فِيكُمْ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ: أَنَّكُمْ سَتَظَلُّونَ تَأْمُرُونَ دَاخِلَ مُجْتَمَعِكُمُ الْمُسْلِمِ بِمَا عُرِفَ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ حُسْنُهُ، وَتَنْهَوْنَ عَنْ كُلِّ مَا عُرِفَ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ قُبْحُهُ، فَتَحْمُونَ مُجْتَمَعَكُمْ بِهَذَا -أَيْ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنَ الِانْحِرَافِ الْخَطِيرِ، وَالِانْهِيَارِ إِلَى الْحَضِيضِ الَّذِي بَلَغَتْهُ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ.
وَأَنَّكُمْ سَتَظَلُّونَ تُصَدِّقُونَ بِاللهِ، وَتُخْلِصُونَ لَهُ التَّوْحِيدَ وَالْعِبَادَةَ مَهْمَا اشْتَدَّتْ عَلَيْكُمُ النَّكَبَاتُ مِنَ الْأُمَمِ الْأُخْرَى؛ بُغْيَةَ إِخْرَاجِكُمْ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ.
*الدَّعْوَةُ إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ سَبِيلُ النَّجَاةِ لِلْأُمَّةِ وَلِلْبَشَرِيَّةِ كُلِّهَا:
إِنَّ مَسْئُولِيَّةَ الْمُسْلِمِ عَظِيمَةٌ، وَمَعَكَ طَوْقُ النَّجَاةِ، وَالنَّاسُ يَغْرَقُونَ تَحْتَ عَيْنِكَ وَأَنْتَ تَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا تَمُدُّ لَهُمْ يَدًا بِعَوْنٍ؟!!
دِينُ اللهِ يَسْتَنْقِذُ الْبَشَرِيَّةَ مِمَّا تَرَدَّتْ فِيهِ.
دِينُ اللهِ -وَحْدَهُ- يُنْقِذُ النَّاسَ فِي الْأَرْضِ مِمَّا بَلَغُوهُ مِنْ هَذَا الِانْحِطَاطِ الْهَابِطِ.
دِينُ اللهِ، عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُبَلِّغُوهُ خَلْقَ اللهِ، فِي أَرْضِ اللهِ، عَلَى مِنْهَاجِ رَسُولِ اللهِﷺ؛ لِإِنْقَاذِ الْبَشَرِيَّةِ مِنْ دَمَارٍ تَبْدُو عَلَائِمُهُ، وَخَرَابٍ تَتَّضِحُ مَعَالِمُهُ.
المصدر: مَظَاهِرُ الْإِيجَابِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ