((دِينُ الْإِسْلَامِ دِينُ الرَّحْمَةِ وَالسَّلَامِ))
قَالَ ﷺ: ((مَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجَرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدًا فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ)) . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.
هَذَا الدِّينُ العَظِيمُ لَمْ يُبِحْ لِأَحَدٍ قَطُّ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَى أَحَدٍ وَلَوْ فِي مِثْقَالِ ذَرَّةٍ، فَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ وَلَمْ يُوَفَّ حَقَّهُ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّمَا هُوَ الْقِصَاصُ فِي الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَبْعَثُ الخَلَائِقَ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَقْضِي بَيْنَهُمْ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، وَكَمَا بَيَّنَ الرَّسُولُ ﷺ فِي خِطَابِهِ.
يَبْعَثُ اللهُ تَعَالَى الخَلَائِقَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيَقْضِي رَبُّنَا بَيْنَهَا بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ؛ حَتَّى لَيَفْصِلَ رَبُّكَ بَيْنَ الشَّاةِ الجَلْحَاءِ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا وَالشَّاةِ القَرْنَاءِ الَّتِي لَهَا قَرْنٌ، فَنَطَحَتْ بِهِ الجَلْحَاءَ، وَلَمْ يُقْتَصَّ مِنْهَا هَاهُنَا، يَقْتَصُّ اللهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ القَرْنَاءِ لِلجَلْحَاءِ؛ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي الحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٍ فِي «صَحِيحِهِ» ؛ فيُنشئُ لِلْجَلْحَاءِ قَرْنَيْنِ، فَتَضْرِبُ وَتَنْطَحُ الأُخْرَى كَمَا نَطَحَتْهَا وَضَرَبَتْهَا، ثُمَّ يَقُولُ: كُونِي تُرَابًا، عَدْلٌ مَحْضٌ.
إِنَّهُ العَدْلُ الَّذِي لَا عَدْلَ فَوْقَهُ.
إِنَّهُ الحَقُّ الَّذِي لَا حَقَّ بَعْدَهُ.
وَلَمْ يُعْلَمْ مَعَ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ دِينًا أَهَانَهُ وَظَلَمَهُ أَبْنَاؤُهُ فِي هَذَا الْعَصْرِ كَدِينِ الْإِسْلَامِ العَظِيمِ، فَمَا أَكْثَرَ مَا شَوَّهَهُ بَعْضُ مَنِ انْتَمَى إِلَيْهِ وَانْتَسَبَ إِلَيْهِ ظُلْمًا وَزُورًا وَبُهْتَانًا!
لَا يُعْلَمُ دِينٌ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فَرَّطَ فِيهِ أَقْوَامٌ مِمَّنْ يَنْتَسِبُونَ إِلَيْهِ كَهَذَا الدِّينِ العَظِيمِ، كَأَنَّمَا يَسْعَوْنَ جَاهِدِينَ لِتَشْوِيهِ دِينِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي رَضِيَهُ اللهُ لِخَلْقِهِ فِي أَرْضِهِ، يُشَوِّهُونَهُ حَتَّى فِي أَعْيُنِ الْمُسْلِمِينَ الْجَاهِلِينَ، وَعِنْدَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ!!
مَا الَّذِي أَفَادَهُ الْإِسْلَامُ مِنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَالتَّجَاوُزَاتِ؟!!
لَمْ يُفِدْ شَيْئًا، بَلْ وَقَعَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ضَرَرٌ وَحَيْفٌ وَظُلْمٌ، وَعَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَعَلَى الْعُلَمَاءِ الْمُسْتَنِيرِينَ مِنْ أَتْبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَعَ الظُّلْمُ، وَوَقَعَ التَّهَارُجُ وَالتَّهَارُشُ وَالتَّفَرُّقُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ أَفْعَالِ بَعْضِ مَنْ يَنْتَمِي إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.
وَلَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَكُونَ دَائِمًا مَا يَقَعُ مِنَ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَالِاعْتِدَاءِ، وَالتَّفْجِيرِ، وَالتَّدْمِيرِ، وَالتَّخْرِيبِ، وَالْقَتْلِ، لَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَكُونَ مَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ دَائِمًا وَاقِعًا عَلَى أَيْدٍ مُسْلِمَةٍ آثِمَةٍ ظَالِمَةٍ، وَلَكِنْ مَا يَحْدُثُ وَمَا سَبَقَ أَنْ حَدَثَ مِنَ الْأَحْدَاثِ جَعَلَ النَّاسَ إِذَا وَقَعَ شَبِيهٌ لَهَا يَقُولُونَ: إِنَّمَا هُوَ مِنْ فِعْلِ الْمُسْلِمِينَ.
وَا حَسْرَتَاهُ!! صَارَ مَقْرُونًا بِالمُسْلِمِ وَصْفُ الْإِرْهَابِ، وَهُوَ مِنْهُ بَرَاءٌ.
هَذَا دِينٌ عَلَّمَ الدُّنْيَا السَّلَامَ، عَلَّمَ الدُّنْيَا الرَّحْمَةَ.
إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَلَّمَ الدُّنْيَا الرَّحْمَةَ، حَتَّى بِالنَّبَاتِ: «لَا تَقْطَعُوا شَجَرَةً وَلَا تَحْرِقُوهَا» ، بَلْ حَتَّى بِالْجَمَادِ: «لَا تَهْدِمُوا بُنْيَانًا وَلَا تَنْقُضُوهُ» .
لَا تُخَرِّبُوا فِي الأَرْضِ وَلَا تُفْسِدُوا فِيهَا.
عَلَّمَ النَّبِيُّ ﷺ الْعَالَمَ الرَّحْمَةَ، ثُمَّ يَصِيرُ دِينُهُ الْحَقُّ الَّذِي رَضِيَهُ اللهُ لَهُ وَلَنَا وَلِلْعَالَمِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ دينا وَمُعْتَقَدًا، يَصِيرُ دِينُهُ الْحَقُّ مَسْبُوبًا عَلَى كُلِّ لِسَانٍ بِأَفْعَالٍ خَرْقَاءَ.
لَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، نَسْأَلُ اللهَ أَلَّا يَكُونَ، وَأَنْ يَنْتَبِهَ الْمُسْلِمُونَ؛ حَتَّى يَعْلَمُوا مَا يُكَادُ لَهُمْ، وَمَا يُدَبَّرُ لَهُمْ بِلَيْلٍ فِي السَّرَادِيبِ الْمُظْلِمَةِ، بَلْ عَلَى قَوَارِعِ الطُّرُقِ؛ مِنْ أَجْلِ تَفْتِيتِ وَحْدَتِهِمْ، وَمِنْ أَجْلِ تَمْزِيقِ عُرَى وَطَنِهِمْ، الَّذِي تُرْفَعُ عَلَيْهِ جُمَلُ الْأَذَانِ، مُسَبِّحَةً بِحَمْدِ اللهِ، مُكَبِّرَةً أَمْرَهُ، رَافِعَةً شِعَارَ تَوْحِيدِهِ: ((أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أن مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ)).
((مَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجَرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ)).
النَّبِيُّ ﷺ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، الَّذِي ذَكَرَهُ مَوْصُولًا إِلَيْهِ ﷺ الطَّبَرَانِيُّ فِي ((الْكَبِيرِ))، وَكَذَا فِي الْحَدِيثِ الْمَوْقُوفِ عَلَى جُنْدَبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي ((الصَّحِيحِ)) : ((إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الْإِنْسَانِ بَطْنُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَلَّا يَأْكُلَ إِلَّا طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ، وَمَنِ اسْتَطَاعَ أَلَّا يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ بِمِلْءِ كَفٍّ مِنْ دَمٍ هَرَاقَهُ -أَيْ أَرَاقَهُ- فَلْيَفْعَلْ)).
مَفْهُومُ هَذَا الْمَنْطُوقِ: أَنَّ مَنْ أَهْرَاقَ مِلْءَ كَفٍّ مِنْ دَمٍ حَرَامٍ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَنَّةِ رَبِّنَا الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ.
المصدر:مَنْزِلَةُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَالْمُؤَامَرَةُ عَلَى مِصْرَ الْآنَ!!