((مُرَاعَاةُ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- لِلْمَصْلَحَةِ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ))
وَمِمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ وَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَكَذَلِكَ مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ مِنْ أَهْلِ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافِ وَالْغِنَى فِي الْعِلْمِ - مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ-: أَنَّهُمْ يُرَاعُونَ الْمَصَالِحَ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ، يُقَدِّمُونَ مَصْلَحَةَ الْأُمَّةِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْفَرْدِيَّةِ، لَا يَعْتَبِرُونَهَا وَلَا يُبَالُونَ بِهَا، وَيَنْظُرُونَ إِلَى الْمَصَالِحِ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ.
وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَا نَالَ مِنَ الْأُمَّةِ عَدُوٌّ مِثْلَ مَا نَالَتِ الْأُمَّةُ مِنْ نَفْسِهَا بِاخْتِلَافِهَا وَتَدَابُرِ قُلُوبِ أَبْنَائِهَا، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَرَسُولُ اللهِ ﷺ قَدْ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ هَذَا هَوُ حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْهُمْ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ» .
فَقَدْ مَنَعَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ نَبِيَّهُ ﷺ هَذِهِ لَمَّا سَأَلَ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- أَلَّا يَجْعَلَ بَأْسَ الْأُمَّةِ بَيْنَهَا، قَالَ: «فَمَنَعَنِيهَا، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا، وَحَتَّي يَسْبِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا».
وَحَذَّرَ مِنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا؛ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».
إِمَّا أَنْ يَكُونُوا كُفَّارًا بِالْمَعْنَى الَّذِي لَا يُخْرِجُهُمْ مِنْ دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَإِنَّمَا يُشْبِهُونَ الْكُفَّارَ فِي إِقْبَالِهِمْ عَلَى سَفْكِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتِبَاحَةِ أَجْسَادِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ يَشْتَطَّ مِنْهُمْ أَقْوَامٌ يُكَفِّرُونَ الْمُسْلِمِينَ تَكْفِيرًا، ثُمَّ يَرْفَعُونَ السُّيُوفَ عَلَى الرِّقَابِ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ فِي كُلِّ صَلَاةٍ يُصَلِّي فِيهَا بِالْمُسْلِمِينَ، يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِمْ مُحَذِّرًا وَمُنْذِرًا، وَهَادِيًا وَمُعَلِّمًا، يَأْمُرُهُمْ بِالِاسْتِوَاءِ فِي الصُّفُوفِ: «أَلَا تَصُفُّونُ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ».
يَأْمُرُهُمْ بِالِاسْتِوَاءِ حَتَّى يَكُونَ الصَّفُّ كَالْقِدْحِ اسْتِوَاءً وَاعْتِدَالًا، أَبْدَانٌ مُتَرَاصَّةٌ، وَقُلُوبٌ مُتَحَابَّةٌ مُتَلَاحِمَةٌ، مُتَدَاخِلَةٌ مُتَمَازِجَةٌ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ، وَيَهْبِطُ وَيَصْعَدُ وَرَاءَ إِمَامِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَلَا اخْتِلَافٍ: «لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ».
فَيُحَذِّرُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ- مِنَ اخْتِلَافِ الْأَبْدَانِ فِي الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاةِ، وَيُنَبِّهُ إِلَى أَمْرٍ جَلِيلٍ خَطِيرٍ فِي أَثَرِهِ عَلَى الْأُمَّةِ؛ إِنَّ هَذَا الِاخْتِلَالَ فِي الِاسْتِوَاءِ فِي الصُّفُوفِ، وَهُوَ أَمْرٌ مَادِيٌّ مَحْضٌ يُؤَدِّي إِلَى اخْتِلَافٍ بَاطِنِيٍّ يُؤَثِّرُ فِي الْقُلُوبِ: «لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ».
وَالصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَانُوا يُرَاعُونَ الْمَصْلَحَةَ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمْ دَاعِيَةَ خِلَافٍ وَلَا اخْتِلَافٍ.
وَكَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْمِنْطَقَةَ الَّتِي يَتَحَرَّكُونَ فِيهَا يَنْبَغِي أَنْ تَسَعَهُمْ، فَإِذَا جَاءَتِ الْمَصْلَحَةُ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ تَرَكُوا خِلَافَاتِهِمْ.
وَالَّذِي شَجَرَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَنَشِبَ بَيْنَهُمْ، وَأَدَّى إِلَى بَعْضِ الِاقْتِتَالِ بَيْنَ جُنْدِ عَليٍّ وَجُنْدِ مُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- كَانَ مِنْ وِجْهَةِ نَظَرَيْهِمَا بِاجْتِهَادَيْهِمَا، وَمِنْهُمْ مُجْتَهِدٌ مُخْطِئٌ لَهُ أَجْرٌ، وَمُجْتَهِدٌ مُصِيبٌ لَهُ أَجْرَانِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ-، كَانَا يَعْلَمَانِ أَنَّ مَا اخْتَلَفَا فِيهِ بِسَبَبِ الِاجْتِهَادِ، وَإِنَّمَا كَانَ فِي الْمِنْطَقَةِ الْمَسْمُوحِ بِهَا.
لَمَّا أَرْسَلَ مَلِكُ الرُّومِ إِلَى مُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- خِطَابًا، يَعْرِضُ فِيهِ عَلَيْهِ أَنْ يَمُدَّهُ بِمَدَدٍ يُقَوِّيهِ بِهِ عَلَى عَلِيٍّ وَجُنْدِهِ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «أَلَا يَا ابْنَ الْكَافِرَةِ، أَمَا وَاللهِ إِنْ لَمْ تَكُفَّ؛ فَإِنِّي سَأَصِيرُ إِلَى ابْنِ عَمِّي؛ حَتَّى أَكُونَ مَعَهُ بِجُنْدِي، ثُمَّ نَسِيرُ إِلَيْكَ؛ حَتَّى نُرِيَكَ أَمْرَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-». فِي مَعْنَى مَا قَالَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
كَانُوا يُرَاعُونَ الْمَصْلَحَةَ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ، يَحْرِصُونَ عَلَى الْأَرْضِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالْوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ، يُقَاتِلُونَ دُونَهُ، وَيُجَاهِدُونَ مَنْ أَرَادَ اغْتِصَابَهُ وَالِاعْتِدَاءَ عَلَيْهِ، وَلَا يُحْدِثُونَ الْفَوْضَى وَلَا الشَّغْبَ فِيهِ، وَلَا يَكُونُونَ إِلَى ذَلِكَ سَبَبًا وَلَوْ بِكَلِمَةٍ.
وَهَذَا عُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَهُوَ الخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ الثَّالِثُ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، ظَلَّ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ يَقْصُرُ الرُّبَاعِيَّةَ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ فِي آخِرِ خِلَافتِهِ كَانَ يُتِمُّ الرُّبَاعِيَّةَ فِي السَّفَرِ، وَوَقَعَ كَلَامٌ كَثِيرٌ، وَسُنَّةُ النَّبِيِّ ﷺ مَاضِيَةٌ بِقَصْرِ الرُّبَاعِيَّةِ فِي السَّفَرِ، بَلِ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ: أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِسُنَّةٍ، بَلْ هُوَ وَاجِبٌ كَمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-، وَالْمُحَقِّقُونَ.
وَلَكِنَّ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَهُوَ مِنَ الرَّاشِدِينَ بِنَصِّ كَلَامِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ: «الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ عَامًا» ، فَكَانَتْ بِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ خِلَافَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ جَمِيعًا-، فَتَمَّتْ ثَلَاثِينَ عَامًا، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى مُعَاوِيَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
عُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بَدَا لَهُ فِي آخِرِ خِلَافَتِهِ أَنْ يُتِمَّ الرُّبَاعِيَّةَ فِي السَّفَرِ، وَلَا أَثَرَ، وَلَكِنَّهُ اجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ كَمَا وَرَدَ عَنْهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَلَمَّا حَجَّ بِالنَّاسِ وَهُوَ أَمِيرُ الْحَجِّ فِي عَامِهِ أَتَمَّ الرُّبَاعِيَّةَ وَهُوَ مُسَافِرٌ، فَتَكَلَّمَ نَاسٌ كَثِيرُونَ، وَصَلَّى الْحَبْرُ الْجَلِيلُ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- خَلْفَ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مُتِمًّا لِلصَّلَاةِ، وَهُوَ مُسَافِرٌ! وَهُوَ يَعْلَمُ الْحُكْمَ!
فَقِيلَ لَهُ: أَمَا عَلِمْتَ مَا صَنَعَ صَاحِبُكَ؟
قَالَ: عَلِمْتُ.
قَالُوا: فَمَا صَنَعْتَ؟
قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَهُ.
قَالُوا: كَيْفَ تُصَلِّي خَلْفَهُ، وَقَدْ خَالَفَ الرَّسُولَ ﷺ فِي هَدْيِهِ؟
قَالَ: الْخِلَافُ شَرٌّ .
وَهَذَا أَمِيرُ الْعَامَّةِ، وَلَهُ اجْتِهَادٌ فِي الْأَمْرِ، مَاذَا كَانَ اجْتِهَادُهُ؟
قَالَ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ-: إِنِّي أَمِيرُ عَامَّةٍ، وَيُصَلِّي وَرَائِي فِي الْمَوْسِمِ الْبَدَوِيُّ وَالْآفَاقِيُّ، وَمَنْ لَيْسَ بِذِي عِلْمٍ، فَإِذَا دَاوَمُوا عَلَى صَلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ وَرَائِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ، ثُمَّ عَادُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مَضَارِبِهِمْ وَأَقْوَامِهِمْ، وَرَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ وَمَقَارِّهِمْ، قَالُوا جَاهِلِينَ: إِنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ كَمَا تُصَلُّونَ -يَقُولُونَ لِأَقْوَامِهِمْ-، وَلَقَدْ صَلَّيْنَا وَرَاءَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -وَهُوَ ذُو النُّورَيْنِ، وَكَذَا وَكَذَا- الرُّبَاعِيَّةَ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ.
يَقَعُ خَلَلٌ عَظِيمٌ، اِجْتَهَدَ -رَضِيَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ-، فَكَانَ مَاذَا؟!
الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- يُرَاعُونَ الْمَصْلَحَةَ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ، لَا يَخْتَلِفُونَ، وَإِنَّمَا حَتَّى إِذَا مَا وَقَعَ أَمْرٌ كَبِيرٌ فَإِنَّهُمْ يَسْلُكُونَ إِلَيْهِ سَوَاءَ السَّبِيلِ وَلَا يَفْتَاتُونَ.
كَمَا رُوجِعَ فِي ذَلِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ مِنْ قِبَلِ الْحِبِّ ابْنِ الْحِبِّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينِ-؛ لِأَنَّهُ رُوجِعَ: أَلَا تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتَأْمُرُهُ وَتَنْهَاهُ؟!
وَقَدْ أَخَذُوا عَلَيْهِ أُمُورًا بِرَّأَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْهَا، وَمَنَعُوهُ مِنْ أُمُورٍ مَكَّنَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْهَا.
وَكُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ تَنْزِيلِ النُّصُوصِ عَلَى غَيْرِ مَنَازلِهَا، وَبِسَبَبِ الِافْتِئَاتِ عَلَى مَقَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ الرَّبَانِيِّينَ، وَبِسَبَبِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَنْ لَا كَلَامَ لَهُ فِي الْعِلْمِ أَصْلًا!!
أَلَا تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتَأْمُرُهُ وَتَنْهَاهُ؟
قَالَ: ((أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي لَا آمُرُهُ وَلَا أَنْهَاهُ إِلَّا أَنْ أُعْلِمَكُمْ؟! فَقَدْ دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَكَلَّمْتُهُ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَفْتَحُ بَابَ فِتْنَةٍ)) .
لَا يَقُومُ إِلَيْهِ فِي مَحْفِلٍ فَيَقُولُ: افْعَلْ كَذَا، وَلَا تَفْعَلْ كَذَا، وَاتَّقِ اللهَ، وَكَلِمَةٌ لَا يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللهِ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى الْمَصْلَحَةِ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ.
وَمَعْلُومٌ –عبادَ اللهِ-أَنَّ الظُّلْمَ مِنْ مَلِيكٍ غَشُومٍ خَيْرٌ مِنْ فِتْنَةٍ تَدُومُ، هَذَا كَلَامُ سَلَفِكُمْ، وَالْأَمْرُ لَا يَأْتِي مِنْ هَاهُنَا، وَإِنَّمَا يَأْتِي مِنْ هَاهُنَا -مِنْ عِنْدِ اللهِ-.
وَإِنَّ مَا يَنْزِلُ بِكُمْ مِنَ الْعِقَابِ إِنَّمَا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ، فَغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِكُمْ؛ حَتَّى يُغَيَّرَ لَكُمْ.
وَلَوْ وَقَفْتُمْ أَمَامَ مِرْآتِكُمْ شَعْبًا مَصْفُوفًا، فَنَظَرْتُمْ لَرَأَيْتُمْ صُوَرَكُمْ صُوَرَ حُكَّامِكُمْ وَأُمَرَائِكُمْ، فَإِنِ ارْتَبْتُمْ فِي شَيْءٍ فَأْصْلِحُوا مِنْ أَنْفُسِكُمْ يُصْلِحِ اللهُ لَكُمْ.
هَذَا سَبِيلُ السَّلَفِ، وَهُوَ مَدْعَاةُ الْأُلْفَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَصِلُ إِلَى حَقِيقَتِهِ إِلَّا بِتَعَلُّمِ حَقِيقَةِ الدِّينِ، وَهُوَ أَمْرٌ وَاضِحٌ وَمُبِينٌ، كَيْفَ؟
كِتَابُ اللهِ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللهِ بِفَهْمِ أَصْحَابِ النَّبِيِّﷺ، وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ.
فَاتَّقُوا اللهَ فِي وَطَنِكُمْ -عِبَادَ اللهِ-، وَاتَّقُوا اللهَ فِي أَوْطَانِكُمْ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ-، فَإِنَّهَا مُسْتَهْدَفَةٌ مُرَادَةٌ مَطْلُوبَةٌ، تَآزَرُوا وَتَعَاوَنُوا، وَنَمُّوا الْمَوْجُودَ حَتَّى تُحَصِّلُوا الْمَفْقُودَ، وَلَا تَتَّبِعُوا السَّرَابَ؛ فَإِنَّهُ هَبَاءٌ يُفْضِي إِلَى يَبَابٍ.
وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.
المصدر: حُقُوقُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَحُرْمَةُ قَتْلِ السَّائِحِينَ وَالْمَدَنِيِّينَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ