تَحْرِيمُ اللهِ عَلَى الْإِنْسَانِ كُلَّ الْخَبَائِثِ


((تَحْرِيمُ اللهِ عَلَى الْإِنْسَانِ كُلَّ الْخَبَائِثِ))

 حَرَّمَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى الْإِنْسَانِ الْخَبَائِثَ الَّتِي تُؤْذِيهِ، وَأَبَاحَ لَهُ كُلَّ مَا يَنْفَعُهُ وَيَحْمِيهِ، قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3].

وَأَمَرَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- هَذَا الْإِنْسَانَ أَنْ يَأْكُلَ، وَأَنْ يَشْرَبَ، وَأَنْ يَنْتَفِعَ، وَأَنْ يَزْدَانَ بِمَا خَلَقَ الْلَّهُ لَهُ مِنْ مَظَاهِرِ الْمُتَعِ وَأَنْوَاعِ الْمَعَارِفِ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا مَخِيلَةٍ.

قَالَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32].

 فَأَبَاحَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ الْخَبَائِثَ، وَأَمَرَ بِحِفْظِ النَّفْسِ أَنْ يُعْتَدَى عَلَيْهَا أَوْ أَنْ يُعْتَدَى عَلَى الْجَسَدِ الْإِنْسَانِيِّ فِي عُضْوٍ مِنْهُ.

أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِحِفْظِ النَّفْسِ، وَبِحِفْظِ الْعَقْلِ، وَبِحِفْظِ الْمَالِ، وَبِحِفْظِ الْعِرْضِ، وَأَمَرَ بِحِفْظِ الدِّينِ، وَبِهِ يُحْفَظُ هَذَا كُلُّهُ.

وَلَا صْلَاحَ لِلْإِنْسَانِ فِي الْحَيَاةِ إِلَّا بِالْحِفَاظِ عَلَى هَذِهِ الضَّرُورَاتِ، وَمَا وَرَاءَهَا؛ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْحَاجِيَّاتِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ التَّحْسِينِيَّاتِ.

وَجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الدِّيَاتِ قَائِمَةً مَنْصُوصًا عَلَيْهَا مِن قِبَلِهِ -جَلَّ وَعَلَا- فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِقَتْلِ النَّفْسِ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ مِمَّا نُصَّ فِيهِ عَلَى الدِّيَةِ؛ حِفْظًا لِلنَّفْسِ، وَحِفْظًا لِلْجَسَدِ الْبَشَرِيِّ أَنْ يُمْتَهَنَ أَوْ أَنْ يُعْتَدَى عَلَيْهِ.

أَمَرَ الْلَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِأَكْلِ الطَّيِّبَاتِ، وَمَنَعَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنَ الْخَبَائِثِ، وَنَهَى عَنْهَا؛ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَجَعَلَ لَنَا دِينُنَا الْأَغَرُّ الْوَسْائِلَ الَّتِي تُفْضِي إِلَى الشَّرِّ مُحَرَّمَةً كَهُوَ، فَكُلُّ مَا أَفْضَى إِلَى شَرٍّ وَحَرَامٍ فَهُوَ شَرٌّ وَحَرَامٌ، وَكُلُّ مَا أَفْضَى إِلَى خَيْرٍ وَبِرٍّ فَهُوَ خَيْرٌ وَبِرٌّ.

فَجَعَلَ لِلْوَسَائِلِ مَا لِلْمَقَاصِدِ مِنَ الْأَحْكَامِ، فَنَهَى الدِّينُ الْحَنِيفُ عَنْ كُلِّ الْمُقَدِّمَاتِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الْإِضْرَارِ بِالْإِنْسَانِ؛ لِكَيْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يَقُومَ الْإِنْسَانُ بِوَظِيفَتِهِ الَّتِي لِأَجْلِهَا خَلَقَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ إِعْمَارَ هَذِهِ الْأَرْضِ إِنَّمَا هُوَ بِتَوْحِيدِ الرَّبِّ -جَلَّ وَعَلَا-، وَبِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَبِإِقَامَةِ الدِّينِ.

لَا تَعْمُرُ الْأَرْضُ إِلَّا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النُّورَ كُلَّهُ وَالْخَيْرَ كُلَّهُ إِنَّمَا هُوَ مُسْتَمَدٌ مِنْ شَمْسِ الرِّسَالَةِ، فَمَهْمَا سَطَعَتْ أَنْوَارُ شَمْسِ الرِّسَالَةِ فِي مَكَانٍ عَمَّهُ الْخَيْرُ وَالْفَلَاحُ، وَالْبَرَكَةُ وَالنَّجَاحُ، وَمَهْمَا غَابَتْ شَمْسُ الرِّسَالَةِ عَنْ مَكَانٍ فَهُوَ ظُلْمٌ كُلُّهُ، وَجَوْرٌ كُلُّهُ، وَهُوَ هَلَكَةٌ مُفْضِيَةٌ إِلَى هَلَكَةٍ.

فَأَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِكُلِّ مَا يُعِينُ الْإِنْسَانَ عَلَى أَدَاءِ وَظِيفَتِهِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ اللهَ جَعَلَ الْإِنْسَانَ مُسْتَخْلَفًا فِي الْأَرْضِ؛ لِكَيْ يَقُومَ عَلَى عِمَارَتِهَا بِدِينِ رَبِّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَحِيَاطَةِ شَرْعِهِ، وَعِبَادَةِ مَوْلَاهُ الَّذِي أَنْشَاهُ وَبَرَاهُ، وَأَمَدَّهُ بِمَا أَمَدَّهُ بِهِ مِنْ أَلْوَانِ التَّسْخِيرِ فِي هَذِهِ الْمَوْجُودَاتِ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَاقِعًا عَبَثًا، وَلَا كَائِنًا سُدًى، وَإِنَّمَا هُوَ لِغَايَةٍ مَعْلُومَةٍ وَحِكْمَةٍ بَاهِرَةٍ مِنْ لَدُنْ رَبِّنَا الْحَكِيمِ الْقَدِيرِ.

 

المصدر: مَخَاطِرُ الْإِدْمَانِ وَالْمُخَدِّرَاتِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  تَفَاعُلُ الْمَخْلُوقَاتِ مَعَ الْقُرْآنِ الكريم
  سَلُوا اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ
  إِمَامُ الْأَنْبِيَاءِ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ عَلَى الْقِمَّةِ الشَّامِخَةِ
  مَعَالِمُ الرَّحْمَةِ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ
  أَمْرُ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ فِي كِتَابِهِ
  مَاذَا بَعْدَ رَمَضَانَ؟
  عِظَمُ خُلُقِ الْوَفَاءِ
  ضَرُورَةُ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْحَقِّ وَالِاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللهِ
  مِنْ أَبْوَابِ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ: زِرَاعَةُ الْأَشْجَارِ، وَسَقْيُ الْمَاءِ
  أُمَّةٌ مُتَمَيِّزَةٌ مَتْبُوعَةٌ لَا تَابِعَةٌ
  مِنْ دُرُوسِ الْهِجْرَةِ: الْأَخْذُ بِالْأَسْبَابِ مَعَ الْيَقِينِ فِي تَوْفِيقِ اللهِ
  الْوَعْيُ بِخَطَرِ الِانْحِرَافِ الْفِكْرِيِّ وَسُبُلِ مُوَاجَهَتِهِ
  مِصْرُ أُمَّةٌ لَهَا تَارِيخٌ فِي الدِّفَاعِ عَنِ الْإِسْلَامِ
  سُبُلُ الْحِفَاظِ عَلَى الْمِيثَاقِ الْغَلِيظِ
  دِينُ الرَّحْمَةِ وَالْأَخْلَاقِ
  • شارك