سُوءُ عَاقِبَةِ آكِلِ السُّحْتِ فِي الْآخِرَةِ


 ((سُوءُ عَاقِبَةِ آكِلِ السُّحْتِ فِي الْآخِرَةِ))

إِنَّ أَكْلَ الْحَرَامِ يُثْمِرُ ثَمَرًا آخَرَ خَبِيثًا مُرًّا، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى الْجَنَّةِ كُلَّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ -مِنْ حَرَامٍ- فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» .

وَفِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَاصَمَتْهُ أَرْوَى بِنْتُ أُوَيْسٍ عِنْدَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فِي أَرْضٍ ادَّعَتْ أَنَّهُ اغْتَصَبَهَا مِنْهَا فَأُرْسِلَ إِلَيْهِ، فَجَاءَ فَتُلِيَتْ عَرِيضَةُ الدَّعْوَى بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئًا بَعْدَ الَّذِي سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟!

قَالَ مَرْوَانُ: وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ ؟

قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: ((مَنِ اغْتَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ)).

قَالَ: لَا أَسْأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَهَا.

إِلَّا أَنَّ مَسَّ الظُّلْمِ أَلِيمٌ، إِلَّا أَنَّ وَقْعَهُ شَدِيدٌ.

وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مِنَ الْعَشْرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ، وَهُوَ مِنَ السَّابِقِينَ الثَّابِتِينَ الصَّالِحِينَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ. لِوَقْعِ الظُّلْمِ وَعِظَمِ الِافْتِرَاءِ لَمْ يُطِقْ فَقَالَ: ((اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا، وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا)).

فَأَعْمَى اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بَعْدُ بَصَرَهَا، فَكَانَتْ تَتَلَمَّسُ الْجُدُرَ لَا تَدْرِي طَرِيقَهَا، فَوَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فِي الْأَرْضِ الَّتِي خَاصَمَتْ سَعِيدًا فِيهَا، فَكَانَتْ قَبْرَهَا؛ لَمَّا دَعَا عَلَيْهَا اسْتُجِيبَ لَهُ فِيهَا.

وَعِنْدَ مُسْلِمٍ فِي ((الصَّحِيحِ)) عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ: ((مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَدْخَلَهُ النَّارَ)).

 قَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَوْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا؟

قَالَ: ((وَلَوْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ)).

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ فِي وَقْتِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَنٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ الْيَوْمَ ثَمَنٌ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَنٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ((وَلَوْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ))، تُتَّخَذُ مِنْهُ الْمَسَاوِيكُ.

فَقَالَ الرَّسُولُ ﷺ: ((مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ))، يَحْلِفُ زُورًا وَيُقْسِمُ كَذِبًا أَنَّ هَذَا لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ، كَمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَالِ الْمُتَخَاصِمِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ ((إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِالْحُجَّةِ مِنْ أَخِيهِ، فَأَقْضِي لَهُ بِمَا لَيْسَ لَهُ بِحَقٍ، فَمَنِ اقْتَطَعَ شَيْئًا مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ)).

يَعْنِي: إِذَا قَضَيْتُ لَهُ بِمَا لَيْسَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَلْحَنَ وَأَبْيَنَ بِالْحُجَّةِ مِنْ عَيِيٍّ ذِي حَقٍّ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُبِينَ وَلَا أَنْ يُعْرِبَ عَنْ حَقِّةِ بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ، وَبَيِّنَةٍ بَاهِرَةٍ، وَإِنَّمَا أَقْضِي بِالظَّاهِرِ ((فَإِنِ اقْتَطَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِفَتْوَايَ؛ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ))، إِذَا أَخَذَ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقٍّ ((أَقْتَطِعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ)).

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ مِنْ أَعْظَمِ أَبْوَابِ الدِّينِ، وَجَعَلَ قَاعِدَتَهُ وَصُلْبَهُ وَأَسَاسَهُ: أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ آخِذًا بِالْحَلَالِ الصِّرْفِ الْمَحْضِ الَّذِي لَا شُبْهَةَ فِيهِ.

أَكْلُ الْحَلَالِ هُوَ الطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ؛ لِتَحْصِيلِ الْخَيْرِ دُنْيَا وَآخِرَةً.

إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَا يُسَامِحُ فِي الْحَرَامِ أَبَدًا، وَلَوْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا -كَمَا مَرَّ- ((وَلَوْ كَانَ عُودًا مِنْ أَرَاكٍ)).

فَلَا تَحْسَبَنَّ أَنَّ أَكْلَ الْحَرَامِ يُوصِلُ إِلَى شَيْءٍ، وَلَا تَحْسَبَنَّ أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّبْهَةِ يُوصِلُ إِلَى شَيْءٍ، فَالْأَخْذُ بِالشُّبْهَةِ يُوشِكُ أَنْ يُوقِعَ فِي الْحَرَامِ، كَمَا قَالَ الرَّسُولُ .

اللهم اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، وَأَطْعِمْنَا مِنَ الْحَلَالِ الصِّرْفِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

اللهم ارْزُقْنَا رِزْقًا حَلَالًا طَيِّبًا مُوَسَّعًا فِيهِ، مُبَارَكٌ فِيهِ بِغَيْرِ حِسَابٍ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

   

المصدر: أَكْلُ السُّحْتِ وَسُوءُ عَاقِبَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  ثَمَرَاتُ مُعَامَلَةِ الْخَلْقِ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّسَامُحِ
  ضَوَابِطُ الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ الْمَشْرُوعِ وَالْعَمَلُ الْجَمَاعِيُّ التَّنْظِيمِيُّ الْمُبْتَدَعُ
  نَصَائِحُ غَالِيَةٌ فِي نِهَايَةِ عَامٍ هِجْرِيٍّ وَاسْتِقْبَالِ آخَرَ
  مَعْنَى الْكَذِبِ وَأَدِلَّةُ تَحْرِيمِهِ
  «بِدْعَةُ المَوْلِدِ النَّبَوِيِّ» الشيخُ العلَّامة: زيد بن محمد بن هادي المدخلي -رحمهُ اللهُ-.
  الْمَوْعِظَةُ الثَّلَاثُونَ : ((وَدَاعُ رَمَضَانَ وَسُنَنُ العِيدِ وَآدَابُهُ))
  المَوْعِظَةُ الْعِشْرُونَ : ((فَضْلُ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ))
  مِنْ أَعْظَمِ النَّفْعِ لِلْمُسْلِمِينَ: تَعْلِيمُهُمُ الْعِلْمَ النَّافِعَ
  الِاجْتِهَادُ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي الْعَشْرِ
  أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا وَشَرَفُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ
  نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ﷺ، وَدِينُهُ دِينُ الرَّحْمَةِ
  مَبْنَى الْحَيَاةِ عَلَى الِابْتِلَاءِ
  الدرس الحادي والعشرون : «الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ»
  تَعَلَّمُوا مِنْ دُرُوسِ التَّارِيخِ!
  مَعَانِي الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ وَحُكْمُهُمَا
  • شارك