جُمْلَةٌ مِنْ أَمْثِلَةِ النِّفَاقِ الْعَمَلِيِّ


((جُمْلَةٌ مِنْ أَمْثِلَةِ النِّفَاقِ الْعَمَلِيِّ))

النِّفَاقُ الْعَمَلِيُّ مِنْ أَكْبَرِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي.

قَدْ يَجْتَمِعُ فِي قَلْبِ الْمُسْلِمِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ, وَمَنْ كَانَ نِفَاقُهُ عَمَلِيًّا لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ؛ فَإِنْ شَاءَ اللهُ غَفَرَ لَهُ, وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ, وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ عَذَابًا يَتَنَاسَبُ مَعَ عِظَمِ ذَنْبِهِ.

مِنْ أَمْثِلَةِ النِّفَاقِ الْعَمَلِيِّ: الرِّيَاءُ:

الرِّيَاءُ: مُشْتَقٌّ مِنَ الرُّؤْيَةِ، وَأَصْلُهُ طَلَبُ الْمَنْزِلَةِ فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ بِإِيرَائِهِمْ؛ وَمِنْهُ اشْتُقَّ الرِّيَاءُ لِلْحَاجَةِ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا هَذَا الْفَاعِلُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ.

«حَقِيقَتُهُ لُغَةً: أَنْ يُرِيَ غَيْرَهُ خِلَافَ مَا هُوَ عَلَيْهِ؛ -لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخْلِصًا مَا بَالَى إِطْلَاقًا بِأَنْ يَرَاهُ أَوْ لَا يَرَاهُ غَيْرُهُ؛ هُوَ يَعْمَلُ لِلَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- سَوَاءٌ رَأَوْهُ أَمْ لَمْ يَرَوْهُ.

وَأَمَّا الَّذِي يَقْصِدُ الْإِرَاءَةَ، وَأَنْ يُرِيَ غَيْرَهُ مَا يَفْعَلُهُ مِنَ الْخَيْرِ؛ فَهَذَا لَا يُرِيدُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِفِعْلِهِ-.

وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ: فَأَنْ يَفْعَلَ الطَّاعَةَ, وَيَتْرُكَ الْمَعْصِيَةَ مَعَ مُلَاحَظَةِ غَيْرِ اللهِ.

هَذَا هُوَ الرِّيَاءُ أَنْ تَفْعَلَ الطَّاعَةَ أَوْ تَتْرُكَ الْمَعْصِيَةَ مَعَ مُلَاحَظَةِ غَيْرِ اللهِ تَعَالَى.

 أَوْ أَنْ تُخْبِرَ بِالطَّاعَةِ أَوْ تُخْبِرَ بِالْكَفِّ عَنِ الْمَعْصِيَةِ؛ ابْتِغَاءَ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ النَّاسِ.

 أَوْ تُحِبَّ أَنْ يَطَّلِعَ النَّاسُ عَلَى طَاعَاتِكَ لِمَقْصِدٍ دُنْيَوِيٍّ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ» .

دَرَجَةُ أَنَّ هُنَالِكَ مَنْ يُرَائِي وَهُوَ وَحْدَهُ؛ يَعْنِي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَحْدَهُ؛ وَلَوْ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ هُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ وَحْدَهُ؛ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ, وَلَكِنْ يَقُولُ: وَمَنْ أَدْرَانِي؛ لَعَلَّ نَاظِرًا يَنْظُرُ إِلَيَّ!

 فَهَذَا كَأَنَّمَا يُرَائِي الرِّيَاءَ نَفْسَهُ؛ وَهُوَ دَاءٌ إِذَا اسْتَحْكَمَ فِي الْقَلْبِ كَالنِّفَاقِ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ مُمْتَلِئًا مِنْهُ, وَهُوَ لَا يَشْعُرُ؛ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ مُنَافِقًا نِفَاقًا كَبِيرًا عَظِيمًا, وَهُوَ لَا يَدْرِي, وَيَظُنُّ نَفْسَهُ مِنْ كِبَارِ الْمُخْلِصِينَ.

اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْنَا, وَارْحَمْنَا؛ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ نَاسًا قَالُوا لَهُ: ((إِنَّا نَدْخُلُ عَلَى سَلَاطِينِنَا فَنَقُولُ لَهُمْ بِخِلَافِ مَا نَتَكَلَّمُ بِهِ إِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِمْ؟)).

فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: ((كُنَّا نَعُدُّ هَذَا نِفَاقًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ )). هَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((صَحِيحِهِ)) .

لَا يُخْبِرُونَهُمْ بِأَحْوَالِ الرَّعِيَّةِ، وَلَا يَأْمُرُونَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يَنْهَوْنَهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ, وَإِنَّمَا يُخْبِرُونَهُمْ بِمَا تَهْوَاهُ أَنْفُسُهُمْ وَتُحِبُّهُ قُلُوبُهُمْ؛ فُيُلَبِّسُونَ عَلَيْهِمْ أَمْرَ الْعَامَّةِ، وَيَقَعُ خَلَلٌ كَبِيرٌ.

رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ : عَنِ ابْنِ لَبِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ)).

قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ؟

قَالَ: ((الرِّيَاءُ؛ يَقُولُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- لِأَصْحَابِ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جَازَى النَّاسَ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاؤُونَ فِي الدُّنْيَا؛ فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً؟!)). وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي ((الْمُسْنَدِ)), وَالْبَغَوِيُّ فِي ((شَرْحِ السُّنَّةِ)).

يَوْمُ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ كَانُوا يُرَاؤُونَ بِأَعْمَالِهِمْ يَعْنِي: يُظْهِرُونَهَا؛ لِيَرَاهَا غَيْرُهُمْ فَيَحْمَدُونَهُمْ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ يَقُولُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- لَهُمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاؤُونَهُمْ بِأَعْمَالِكُمْ فِي الدُّنْيَا؛ فَاطْلُبُوا أَجْرَكُمْ مِنْهُمْ.

كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لَهُمْ، هَذَا مُنْتَهَى الْعَدْلِ؛ لَمْ يَظْلِمْهُمْ شَيْئًا.

أَنْتُمْ لَمْ تَعْمَلُوا لِي؛ كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لِهَؤُلَاءِ؛ اذْهَبُوا إِلَيْهِمْ؛ فَاطْلُبُوا أَجْرَكُمْ مِنْهُمْ.

اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يُعَامِلُ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ نِيَّاتِهِمْ, وَيُثِيبُهُمْ عَلَى قَدْرِ تِلْكَ النِّيَّاتِ؛ فَإِذَا كَانُوا مُحْسِنِينَ آتَاهُمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْإِحْسَانَ وَمَا يُحِبُّونَ, وَإِذَا أَسَاءُوا عَدَلَ فِيهِمْ, وَلَمْ يَظْلِمْهُمْ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.

عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي الدُّنْيَا كَانَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِسَانَانِ مِنْ نَارٍ)) . وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ)), وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ فِي ((صَحِيحِهِ -فِي صَحِيحِ الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ-))؛ فَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

((مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فيِ الدُّنْيَا)): يَعْنِي: مَنْ كَانَ مُنَافِقًا؛ يَلْقَى هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ؛ ((مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي الدُّنْيَا كَانَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِسَانَانِ مِنْ نَارٍ)).

وَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ, وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللهُ بِهِ)) .

قَالَ النَّوَوِيُّ: ((سَمَّعَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ ((مَنْ سَمَّعَ)) مَعْنَاهُ: أَظْهَرَ عَمَلَهُ لِلنَّاسِ رِيَاءً.

((سَمَّعَ اللهُ بِهِ)): فَضَحَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَمَعْنَى: ((مَنْ رَائَى رَاءَ اللهُ بِهِ)): مَنْ أَظْهَرَ لِلنَّاسِ الْعَمَلَ الصَّالِحَ؛ لِيَعْظُمَ عِنْدَهُمْ, -وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ-.

 ((رَاءَ اللهُ بِهِ))؛ أَيْ: أَظْهَرَ سَرِيرَتَهُ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ.

الْفَرْقُ بَيْنَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ:

أَنَّ الرِّيَاءَ: هُوَ الْعَمَلُ لِرُؤْيَةِ النَّاسِ.

وَالسُّمْعَةُ: الْعَمَلُ لِأَجْلِ إِسْمَاعِهِمْ؛ يَعْنِي: قَدْ يَعْمَلُ الْإِنْسَانُ؛ لِيَسْمَعَ النَّاسُ بِهِ وَعَنْهُ؛ وَهُمْ لَا يَرَوْنَهُ وَهُمْ فِي أَقْطَارِ مُتَبَاعِدَةٍ, وَلَكِنَّهُ يَعْمَلُ لِكَيْ يَسْمَعَ النَّاسُ بِهِ؛ فَهَذَا تَسْمِيعٌ: ((مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ)).

وَقَدْ يَعْمَلُ الْإِنْسَانُ لِيَرَاهُ النَّاسُ؛ فَهَذَا مُرَاءٍ.

 فَالرِّيَاءُ يَتَعَلَّقُ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ.

وَالتَّسْمِيعُ يَتَعَلَّقُ بِحَاسَّةِ السَّمْعِ؛ سُمْعَةً ((مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ)).

وَيَدْخُلُ فِيهِ أَنَّهُ يُخْفِي عَمَلَهُ لِلَّهِ؛ ثُمَّ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ.

يَعْنِي: الْعَمَلُ لِلَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- خَالِصًا، ثُمَّ يَأْتِي عَلَيْهِ وَقْتٌ فَيُحَدِّثُ النَّاسَ؛ فَيَقُولُ: لَقَدْ صَنَعْتُ وَصَنَعتُ فِي يَوْمِ كَذَا فِي مَوْقِفِ كَذَا؛ فَهَذَا أَيْضًا دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ.

وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ!

الْمُسْلِمُ لَهُ وَجْهٌ وَاحِدٌ حَيْثُمَا كَانَ, وَلَهُ لِسَانٌ وَاحِدٌ حَيْثُمَا نَطَقَ؛ لَا يُرْضِي إِلَّا رَبَّهُ, وَلَا يُرَاقِبُ إِلَّا إِلَهَهُ سُبْحَانَهُ.

الْإِسْلَامُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ؛ فَالنِّيَّةُ رَأْسُ الْأَمْرِ وَعَمُودُهُ؛ فَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْعَمَلُ كُلُّهُ.

الْأَقْوَالُ وَالْأَعْمَالُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ خَالِصَةً لِوَجْهِ اللهِ, وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَتَجَرَّدَ لِرَبِّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- غَايَةَ التَّجَرُّدِ {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5].

عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ, وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى؛ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ؛ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

وَقَالَ تَعَالَى مُحَذِّرًا مِنَ الْمَنِّ وَالْأَذَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} [البقرة: 264].

فَالَّذِي يَمُنُّ وَيُؤْذِي فِي الصَّدَقَةِ هُوَ كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ, وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ؛ وَهَذَا كَثِيرٌ وَاقِعٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ.

قَدْ يَفْعَلُ الْخَيْرَ وَقَدْ يَتَصَدَّقُ وَيَهَبُ وَيُعْطِي، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ سِرًّا، لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ.

 وَلَكِنْ تَأْتِي عَلَيْهِ حَالَاتٌ وَأَحْوَالٌ وَأَعْصَارٌ وَأَدْهَارٌ؛ فَيُعْلِنُ؛ يَمُنُّ وَيُؤْذِي قَائِلًا: أَعْطَيْتُكَ وَفَعَلْتُ لَكَ؛ وَكُنْتَ فَأَصْبَحْتَ؛ وَكُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِي... إِلَى آخِرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْخَلْقِ, بَلْ عِنْدَ أَكْثَرِ الْخَلْقِ, بَلْ عِنْدَ عَامَّةِ الْخَلْقِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ.

 فَالْإِنْسَانُ قَدْ يُسْتَفَزُّ, وَقَدْ تُعَضُّ الْيَدُ الَّتِي امْتَدَّتْ بِالْخَيْرِ؛ فَلَا يَصْبِرُ الْمَادُّ، فَيَنْقَلِبُ إِلَى مَانٍّ مُؤْذٍ، وَيَذْهَبُ يَقُولُ وَيَتَكَلَّمُ، وَهَذَا مِنْ أَخْطَرِ مَا يَكُونُ.

فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَفْعَلَ الْخَيْرَ وَيَنْسَاهُ.

عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَفْعَلَ الْخَيْرَ وَيَنْسَى الْخَيْرَ؛ وَعَلَيْهِ أَلَّا يَتَكَلَّمَ فِيهِ بِحَالٍ.

فَالْأَمْرُ جِدٌّ لَا هَزْلَ فِيهِ, وَالْحَيَاةُ يَنْبَغِي أَنْ يُلَاحِظَ فِيهَا الْعَبْدُ غَايَتَهَا.

وَغَايَةُ الْحَيَاةِ عِبَادَةُ اللهِ؛ فَإِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِنَّمَا خَلَقَنَا لِعِبَادَتِهِ.

وَعِبَادَةُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْإِخْلَاصِ وَالْمُتَابَعَةِ؛ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ لِلَّهِ خَالِصًا, وَأَنْ يَكُونَ عَلَى وَفْقِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ.

مِنَ النِّفَاقِ الْعَمَلِيِّ: الْكَذِبُ وَالْغَدْرُ وَإِخْلَافُ الْوَعْدِ:

قَالَ النَّبِيِّ ﷺ: ((آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: فَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ)). وَهَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي ((صَحِيحِهِ)) .

مِنَ النِّفَاقِ الْعَمَلِيِّ: الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ، وَالْحَسَدُ:

مِنَ النِّفَاقِ الْعَمَلِيِّ النَّمِيمَةُ.

 وَالنَّمَّامُ هُوَ الَّذِي يَنْقُلُ كَلَامَ الْغَيْرِ إِلَى الْمَقُولِ فِيهِ يَتَكَلَّمُ فِيكَ فُلَانٌ بِكَذَا وَكَذَا.

فَحَقِيقَةُ النَّمِيمَةِ: إِفْشَاءُ السِّرِّ وَهَتْكُ السِّتْرِ عَمَّا يُكْرَهُ كَشْفُهُ؛ وَإِنْ كَانَ مَا يَنِمُّ بِهِ نَقْصًا وَعَيْبًا فِي الْمَحْكِيِّ عَنْهُ؛ فَإِذَا فَعَلَ كَانَ جَامِعًا بَيْنَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ.

وَالنَّمِيمَةُ عِبَادَ اللهِ- مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَذِبِ، وَالْحَسَدِ، وَالنِّفَاقِ.

وَمُلَاقَاةُ الِاثْنَيْنِ بِوَجْهَيْنِ نِفَاقٌ: ((وَمَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي الدُّنْيَا كَانَ لَهُ لِسَانَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ النَّارِ))؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ .

وَالْغِيبَةُ أَيْضًا مِنَ النِّفَاقِ الْعَمَلِيِّ.

وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.

وَالْحَسَدُ كَمَا حَسَدَ إِبْلِيسُ آدَمَ عَلَى الْمَكَانَةِ الَّتِي أَحْرَزَهَا عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَهُوَ دَاءُ الْأُمَمِ.

 وَهَذَا الدَّاءُ يَكْثُرُ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ؛ يَحْسُدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا, وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِخْلَاصِ تَكَالَبَ عَلَيْهِ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ حَسَدًا.

وَأَكْثَرُ مَا يَصِلُ مِنَ الْأَذَى إِلَى أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْإِخْلَاصِ إِنَّمَا يَكُونُ بِسَبَبِ الْحَسَدِ, وَهَذَا مَعْلُومٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الشَّوَاهِدِ.

النِّفَاقُ الْعَمَلِيُّ مِنْهُ -أَيْضًا- أُمُورٌ تَدْعُو إِلَيْهِ؛ وَتُحَرِّضُ عَلَيْهِ؛ كَالْغِنَاءِ؛ فَالْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ؛ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الْبَقْلَ.

الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الْبَقْلَ.

مَنْ كَانَتْ فِيهِ شُعْبَةٌ مِنْ تِلْكَ الْخِصَالِ الَّتِي هِيَ خِصَالُ النِّفَاقِ كَانَتْ فِيهِ شُعْبَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا.

 

المصدر:النِّفَاقُ... عَلَامَاتُهُ، وَخُطُورَتُهُ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  أَسْبَابُ تَحْصِيلِ مَعِيَّةِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْخَاصَّةِ
  تَهْيِئَةُ الْمُسْلِمِ نَفْسَهُ لِاسْتِقْبَالِ رَمَضَانَ
  أَصْنَافُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَحُقُوقُهُمْ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ
  حُبُّ الْوَطَنِ غَرِيزَةٌ فِي النُّفُوسِ السَّوِيَّةِ
  هَلِ الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ أَمِ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ؟
  مِنْ مَعَالِمِ الرَّحْمَةِ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: إِبْطَالُ الرِّبَا الْمُدَمِّرِ لِلْمُجْتَمَعِ
  تَوَاضُعُ الصَّالِحِينَ وَعَدَمُ الِاغْتِرَارِ بِالنَّفْسِ
  الْعُلُومُ وَالْأَعْمَالُ النَّافِعَةُ الْعَصْرِيَّةُ دَاخِلَةٌ فِي الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ
  مِنْ صُوَرِ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ النَّبِيلِ: زِيَارَةُ الْمَرْضَى، وَمُوَاسَاتُهُمْ
  الإِسْلَامُ أَعْظَمُ نِعَمِ اللهِ على العَبْدِ
  «بِدْعَةُ المَوْلِدِ النَّبَوِيِّ» لفضيلةِ الشَّيخ العلَّامة: ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله-.
  حَقِيقَةُ الصِّيَامِ
  الرَّدُّ عَلَى شُبُهَاتِ الطَّاعِنِينَ فِي رَحْمَةِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ
  مَبْنَى الشَّرِيعَةِ وَقِيَامُ السُّنَّةِ عَلَى التَّيْسِيرِ
  مَنْزِلَةُ الزَّكَاةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  • شارك