أَنْوَاعُ النِّفَاقِ


((أَنْوَاعُ النِّفَاقِ))

«النِّفَاقُ: إِظْهَارُ الْخَيْرِ, وَإِسْرَارُ الشَّرِّ؛ وَهُوَ أَنْوَاعٌ:

اعْتِقَادِيٌّ: وَهُوَ الَّذِي يَخْلُدُ صَاحِبُهُ فِي النَّارِ.

وَعَمَلِيٌّ: وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الذُّنُوبِ» .

فَالنِّفَاقُ اعْتِقَادِيٌّ وَعَمَلِيٌّ.

اعْتِقَادِيٌّ يُخَلَّدُ صَاحِبُهُ بِسَبَبِهِ فِي النَّارِ؛ إِذْ هُوَ كُفْرٌ.

وَأَمَّا النِّفَاقُ الْعَمَلِيُّ فَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الذُّنُوبِ.

قَسَّمَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-  الْكُفْرَ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ، وَمِنَ الْأَقْسَامِ:

كُفْرُ النِّفَاقِ: وَهُوَ الْكُفْرُ الِاعْتِقَادِيُّ؛ يَعْنِي يَعْتَقِدُ فِي بَاطِنِهِ الْكُفْرَ؛ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ ظَاهِرًا.

 فَهَذَا هُوَ النِّفَاقُ الِاعْتِقَادِيُّ، وَهُوَ مُخْرِجٌ مِنَ الْمِلَّةِ قَوْلًا وَاحِدًا.

 فَالنِّفَاقُ كَالْكُفْرِ؛ نِفَاقٌ دُونَ نِفَاقٍ؛ كَمَا أَنَّ الْكُفْرَ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ؛ وَلِهَذَا كَثِيرًا مَا يُقَالُ كُفْرٌ يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ, وَكُفْرٌ لَا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ, وَنِفَاقٌ أَكْبَرُ, وَنِفَاقٌ أَصْغَرُ.

النِّفَاقُ الِاعْتِقَادِيُّ كُفْرٌ.

وَالنِّفَاقُ فِي اللُّغَةِ مُخَالَفَةُ الْبَاطِنِ لِلظَّاهِرِ؛ كَمَا مَرَّ مَعْنَى ذَلِكَ كَثِيرًا؛ فَإِنْ كَانَ فِي اعْتِقَادِ الْإِيمَانِ فَهُوَ نِفَاقُ الْكُفْرِ؛ مُخَالَفَةُ الْبَاطِنِ لِلظَّاهِرِ.

إِنْ كَانَ فِي اعْتِقَادِ الْإِيمَانِ يَعْنِي إِنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ وَيَعْتَقِدُ ضِدَّ ذَلِكَ بَاطِنًا؛ فَهُوَ كُفْرٌ، وَإِلَّا فَهُوَ نِفَاقُ الْعَمَلِ؛ النِّفَاقُ الْعَمَلِيُّ؛ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ وَتَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهُ.

النِّفَاقُ الِاعْتِقَادِيُّ فِي اعْتِقَادِ الْإِيمَانِ أَنْ يُنَافِقَ فِي الِاعْتِقَادِ، هُوَ نِفَاقُ الْكُفْرِ الَّذِي يَخْلُدُ صَاحِبُهُ فِي النَّارِ.

نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَعْصِمَنَا مِنْهُمَا جَمِيعًا؛ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

*مَصِيرُ وَعِقَابُ الْمُنَافِقِينَ نِفَاقًا اعْتِقَادِيًّا:

هَذَا النَّوْعُ مِنَ النِّفَاقِ الَّذِي هُوَ نِفَاقٌ اعْتِقَادِيٌّ -النِّفَاقُ الْأَكْبَرُ- كَانَ عَلَيْهِ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ, وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ طُغْمَتِهِ.

ذَكَرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ مَعَ الْكَافِرِينَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ؛ فَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 140].

وَذَكَرَ الْمُنَافِقِينَ قَبْلَ الْكَافِرِينَ: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}.

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ : ((أَيْ كَمَا أَشْرَكُوهُمْ فِي الْكُفْرِ، كَذَلِكَ يُشَارِكُ اللهُ بَيْنَهُمْ فِي الْخُلُودِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ أَبَدًا, وَجَمَعَ بَيْنَهُمْ فِي دَارِ الْعُقُوبَةِ وَالنَّكَالِ، وَالْقُيُودِ وَالْأَغْلَالِ، وَشَرَابِ الْحَمِيمِ وَالْغِسْلِينَ لَا الزُّلَالِ)).

وَنَفَى -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ صِفَةَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 8].

وَمَصِيرُ الْمُنَافِقِينَ بَيَّنَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّهُ الدَّرْكُ الْأَسْفَلُ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ جَزَاءً عَلَى كُفْرِهِمُ الْغَلِيظِ.

{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء: 145].

فَالنَّارُ دَرَكَاتٌ كَمَا أَنَّ الْجَنَّةَ دَرَجَاتٌ.

الْمُنَافِقُونَ فِي أَسْفَلِ هَذِهِ الدَّرَكَاتِ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُمْ أَشَدُّ مِنْ كُفْرِ الْمُشْرِكِينَ؛ فَهُمْ تَحْتَ الْكُفَّارِ الْأَصْلِيِّينَ.

أَمَرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- نَبِيَّهُ ﷺ أَلَّا يُصَلِّيَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أُولَئِكَ الْمُنَافِقِينَ مَاتَ أَبَدًا, وَأَلَّا يَسْتَغْفِرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ كَافِرٌ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84].

فَصَرَّحَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِرِدَّتِهِمْ وَكُفْرِهِمْ؛ {إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ}؛ الْفِسْقَ الْأَكْبَرَ الَّذِي يُخْرِجُ مِنَ الْمِلَّةِ.

فَنَهَى اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- نَبِيَّهُ ﷺ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى أَيٍّ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مَاتَ, وَنَهَاهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ.

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- : ((أَمَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ ﷺ أَنْ يَبْرَأَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ, وَأَلَّا يُصَلِّيَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ إِذَا مَاتَ, وَأَلَّا يَقُومَ عَلَى قَبْرِهِ؛ لِيَسْتَغْفِرَ لَهُ أَوْ يَدْعُوَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ, [وَمَاتُوا وَهُمْ عَلَى هَذَا] , وَهَذَا الْحُكْمُ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ عُرِفَ نِفَاقُهُ -إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَكُلُّ مَنْ عُرِفَ نِفَاقُهُ لَا يُشَيَّعُ مِنْ قِبَلِ الْمُسْلِمِ, وَلَا يَقُومُ الْمُسْلِمُ عَلَى قَبْرِهِ وَلَا يُسْتَغْفَرُ لَهُ-, وَإِنْ كَانَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ رَأْسِ الْمُنَافِقِينَ )).

هَذَا كَلَامُ الْحَافِظِ ابْنِ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-.

 

المصدر:النِّفَاقُ... عَلَامَاتُهُ، وَخُطُورَتُهُ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  انْحِرَافِ الشَّبَابِ.. الْوَاقِعُ وَالْعِلَاجُ
  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: الِالْتِزَامُ بِسُنَنِ النَّبِيِّ ﷺ عِنْدَ وِلَادَتِهِ
  الدرس السادس : «الأَمَانَةُ»
  مَعْنَى الْمَعِيَّةِ وَأَقْسَامُهَا
  تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى حُبِّ تَعَلُّمِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّة
  الدرس العشرون : «حِفْظُ اللسَانِ»
  مِنْ أَعْظَمِ الْبِرِّ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ
  الْعَمَلُ الْجَمَاعِيُّ الْمَشْرُوعُ مِنْ سُبُلِ بِنَاءِ الْأُمَمِ
  مَعْنَى الْعِيدِ
  اصْدُقُوا! فَالْكَلِمَةُ أَمَانَةٌ
  ثَمَرَاتُ مُعَامَلَةِ الْخَلْقِ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّسَامُحِ
  اسْتِقْبَالُ الْعَشْرِ بِالِاجْتِهَادِ فِي أَدَاءِ الْحُقُوقِ وَسَدَادِ الدُّيُونِ
  اسْتِحْبَابُ إِكْرَامِ الْيَتِيمِ وَالدُّعَاءِ لَهُ
  حَثُّ اللهِ عَلَى العَمَلِ وَتَعْمِيرِ الْأَرْضِ فِي الْقُرْآنِ
  حُسْنُ مُعَامَلَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْوُفُودِ وَحَدِيثِي الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ
  • شارك