((الْعَدْلُ هُوَ أَسَاسُ الْعَلَاقَاتِ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ))
لَقَدْ أَرْسَلَ اللهُ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ -وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ سَائِرَ الْكُتُبِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ- لِهِدَايَةِ الْخَلْقِ وَإِرْشَادِهِمْ، إِلَى مَا يَنْفَعُهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَالْمِيزَانَ وَهُوَ الْعَدْلُ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ.
وَالدِّينُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، كُلُّهُ عَدْلٌ وَقِسْطٌ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَفِي مُعَامَلَاتِ الْخَلْقِ، وَفِي الْجِنَايَاتِ وَالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ وَالْمَوَارِيثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَذَلِكَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ قِيَامًا بِدِينِ اللَّهِ، وَتَحْصِيلًا لِمَصَالِحِهِمُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ حَصْرُهَا وَعَدُّهَا، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرُّسُلَ مُتَّفِقُونَ فِي قَاعِدَةِ الشَّرْعِ، وَهُوَ الْقِيَامُ بِالْقِسْطِ.
قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25].
نُؤَكِّدُ لَكَ أَنَّنَا بِعَظِيمِ رُبُوبِيَّتِنَا أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالدَّلَالَاتِ وَالْآيَاتِ وَالْحُجَجِ الْوَاضِحَاتِ، وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ الْمُتَضَمِّنَ لِلْأَحْكَامِ وَشَرَائِعِ الدِّينِ؛ لِنُبَيِّنَ لَهُمْ طَرِيقَ نَجَاتِهِمْ وَفَوْزِهِمْ فِي رِحْلَةِ امْتِحَانِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ النُّظُمَ وَالْقَوَاعِدَ وَالْوَصَايَا وَالْأَحْكَامَ الَّتِي يُوصِلُ اتِّبَاعُهَا إِلَى تَحْقِيقِ الْعَدْلِ، لِيَتَعَامَلَ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ فِي كُلِيَّاتِ الدِّينِ الْعَامَّةِ ضِمْنَ اسْتِطَاعَةِ النَّاسِ، فَهُمْ مُطَالَبُونَ بِتَحْقِيقِ الْعَدْلِ أَوْ بِالِاقْتِرَابِ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ الْبَشَرِيَّةِ.
وَمِنَ الْمُحَرَّمَاتِ عَدَمُ الْعَدْلِ بِالْقَوْلِ فِي حُكْمٍ أَوْ شَهَادَةٍ أَوْ رِوَايَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: 152].
فَإِذَا قُلْتُمْ قَوْلًا فَاصْدُقُوا فِيهِ، وَقُولُوا الْحَقَّ وَلَوْ كَانَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَكَذَا الْمَشْهُودُ لَهُ -الَّذِي تُرِيدُونَ مُحَابَاتَهُ بِقَوْلٍ مَائِلٍ عَنِ الْحَقِّ- وَلَوْ كَانَ ذَا قَرَابَةٍ.
عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْإِنْسَانَ مَدَنِيٌّ بِالطَّبْعِ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْيَا وَحْدَهُ، الْإِنْسَانُ مَخْلُوقٌ بِفِطْرَةٍ مَغْرُوزَةٍ فِيهِ، هِيَ أَنَّهُ: لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْيَا وَحْدَهُ، لَا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْ إِخْوَانِهِ مِنْ بَنِي الْبَشَرِ.
فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الشَّرْعَ الْأَغَرَّ قَدْ حَدَّدَ الْعَلَاقَاتِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَأَخِيهِ، وَحَدَّدَ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَمُجْتَمَعِهِ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفِ الْإِنْسَانُ دِينَ رَبِّهِ؛ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ حَقَّهُ عَلَيْهِ، وَلا يُمْكِنُ أَنْ يَعْرِفَ وَاجِبَهُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ جَاهِلًا مُتَخَبِّطًا. وَالنَّبِيُّ ﷺ رَاعَى حُقُوقَ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ تَعَالَى.
*جَعَلَ اللهُ الْعَلَاقَاتِ بَيْنَ النَّاسِ مُؤَسَّسَةً عَلَى الْحَقِّ وَالْعَدْلِ: فَقَدْ أَمَرَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- بِعَدَمِ ظُلْمِ النَّفْسِ: فَقَالَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء: 29-30].
وَلَا يَقْتُلُ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَلَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَقَتْلُ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لِلْآخَرِ قَتْلٌ لِأَنْفُسِكُمْ، إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا، وَلِرَحْمَتِهِ بِكُمْ نَبَّهَكُمْ عَلَى مَا فِيهِ صِيَانَةُ أَمْوَالِكُمْ وَحِفْظُ أَبْدَانِكُمْ، وَنَهَاكُمْ عَنْ كُلِّ مَا يُسَبِّبُ لَكُمْ مَشَقَّةً أَوْ مِحْنَةً.
*وَحَثَّ اللهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ ﷺ عَلَى مُعَامَلَةِ الْوَالِدَيْنِ بِالرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ: فَحَقُّ الْأَبَوَيْنِ يَلِي حَقَّ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَحَقَّ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي الْفَرْضِيَّةِ وَالْوُجُوبِ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخَلْقِ لَيُفَرِّطُونَ فِي هَذَا الْحَقِّ، وَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَيْهِ، وَلَا يُلْقُونَ لَهُ بَالًا!! بَلْ يَعْتَدِي الْوَاحِدُ مِنْهُمْ عَلَى هَذَا الْحَقِّ الْمَكِينِ الَّذِي ذَكَرَهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بَعْدَ الْأَمْرِ بِعِبَادَتِهِ، فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} [الإسراء: 23-24].
فَأَمَرَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بَعْدَ الْأَمْرِ بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَبِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا؛ فَهَذَا مِنْ آكَدِ الْحُقُوقِ وَمِنْ أَجَلِّهَا.
وَبَيَّنَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّهُ لَا يُجِيزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِكَلِمَةِ سُوءٍ تَنُمُّ عَنْ ضَجَرٍ يُحِسُّهُ فِي نَفْسِهِ، فَيُعْلِنُهُ بِلِسَانِهِ، {فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}.
فَلَمْ يُجِزْ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يَتَأَفَّفَ الْإِنْسَانُ مِنْ أَبَوَيْهِ إِذَا بَلَغَا الْكِبَرَ، وَصَارَا إِلَى حَالٍ لَا يَتَحَكَّمَانِ فِيهَا فِي الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، فَيَتَأَفَّفُ مِنْهُمَا مُتَضَجِّرًا!! وَقَدْ كَانَا يَرَيَانِ مِنْهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَأْعَظَمَ مِنْهُ وَلَا يَتَضَجَّرَانِ، وَإِنَّمَا يَأْتِيَانِ بِهِ بِسَمَاحَةِ نَفْسٍ وَطِيبِ خَاطِرٍ.
فَنَهَى رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَنْ تَأَفُّفِ الْمَرْءِ مِنْ أَبَوَيْهِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ حَقَّهُمَا عَظِيمًا، وَجَعَلَ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَبْدِ تِجَاهَهُمَا وَاجِبًا جَسِيمًا، وَإِذَا فَرَّطَ فِي ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ ((مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةُ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ، وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ)).
.
وَإِنَّ أَوْلَى الْأَرْحَامِ بِالرِّعَايَةِ لَهِيَ مَا يَتَّصِلُ بِالْأَبَوَيْنِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ قَدْ سُئِلَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ؛ فَأَجَابَ ﷺ بِتَرْتِيبٍ وَاضِحٍ لَا لَبْسَ فِيهِ وَلَا غُمُوضَ؛ فَإِنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟
قَالَ: ((أُمُّكَ)).
قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟
قَالَ: ((أُمُّكَ)).
قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟
قَالَ: ((أُمُّكَ)).
قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟
قَالَ: ((أَبُوكَ)).
فَذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ لِلْأُمِّ، وَكَرَّرَ ذَلِكَ ﷺ مِرَارًا، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَبَ بَعْدُ.
وَالنَّبِيُّ ﷺ أَخْبَرَ أَنَّ الْوَالِدَ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ: ((الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَخُذْ أَوْ فَدَعْ))؛ يَعْنِي: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ مِنْ أَوْسَطِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَدُونَكَ بِرَّ أَبِيكَ؛ فَإِنَّ أَبَاكَ هُوَ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ.
*الْعَدْلُ فِي الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ:
مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ تَقَابُلَ الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ أَمْرٌ مُسْتَقِرٌّ، فَمَا مِنْ حَقٍّ إِلَّا وَفِي مُقَابَلَتِهِ وَاجِبٌ، وَكَذَلِكَ الْوَاجِبُ يُقَابِلُهُ الْحَقُّ، وَكَمَا أَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ لِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ حَقًّا وَهُوَ حَقٌّ كَبِيرٌ، كَذَلِكَ جَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا حَقًّا.
لَقَدْ أَقْسَمَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّهُ: ((لَوْ كَانَ مِنْ مَفْرِقِ رَأْسِهِ إِلَى أَخْمَصِ قَدَمِهِ قُرْحَةٌ تَبُضُّ قَيْحًا وَصَدِيدًا، فَاسْتَقْبَلَتْهُ فَلَعَقَتْهُ بِلِسَانِهَا، مَا وَفَّتْهُ حَقَّهُ عَلَيْهَا)) .
وَالنَّبِيُّ ﷺ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَوْمًا: ((أَلَكِ بَعْلٌ؟))
فَأَجَابَتْ بِالْإِيجَابِ.
فَقَالَ: ((انْظُرِي كَيْفَ أَنْتِ لَهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ أَوْ نَارُكِ)) .
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا بَيَّنَهُ الرَّسُولُ ﷺ مِنْ حَقِّ الرَّجُلِ عَلَى امْرَأَتِهِ.
وَالرَّسُولُ ﷺ عَلَّقَ دُخُولَ الْمَرْأَةِ الْجَنَّةَ عَلَى رِضَا زَوْجِهَا عَنْهَا، فَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا؛ دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ)) .
فَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَخْدُمَ زَوْجَهَا عَلَى قَدْرِ اسْتِطَاعَتِهَا، وَلَا تُقَصِّرُ فِي طَاعَتِهِ شَيْئًا إِلَّا مَا عَجَزَتْ عَنْهُ.
وَفِي الْمُقَابِلِ جَعَلَ الْإِسْلَامُ لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا حَقًّا، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ خَلَقَ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَزْوَاجًا نَسْكُنُ إِلَيْهَا، وَجَعَلَ الْمَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ دَوْحَةً نَسْتَظِلُّ بِهَا.
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ)).
وَلِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا حُقُوقٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا:
الْوَصِيَّةُ بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ امْتِثَالًا لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].
وَالْمَرْأَةُ عِنْدَ الرَّجُلِ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، هَلْ أَدَّى إِلَيْهَا حَقَّهَا أَمْ فَرَّطَ وَضَيَّعَ؟
قَالَ ﷺ: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائقُ الرِّجَال» .
وَمِنْ حُقُوقِ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا رِعَايَتُهَا وَحِفْظُهُ لَهَا، قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].
الرِّجَالُ قَائِمُونَ عَلَى تَوْجِيهِ النِّسَاءِ وَرِعَايَتِهِنَّ وَحِفْظِهِنَّ لِسَبَبَيْنِ:
الْأَوَّلُ: بِسَبَبِ مَا فَضَّلَ اللهُ الرِّجَالَ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ خَصَائِصَ نَفْسِيَّةٍ وَجَسَدِيَّةٍ.
وَالسَّبَبُ الثَّانِي: بِمَا أَعْطَوْا مِنْ مُهُورِ النِّسَاءِ وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِنَّ.
فَعَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَنْ يَتَّقُوا اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي هَذِهِ الْعَلَاقَاتِ، وَأَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهَا مِنْ أَجَلِّ الْقُرُبَاتِ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَوْ سَارَتْ عَلَى سُنَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ.
*وَمِنْ عَدْلِ الْإِسْلَامِ وَرَحْمَتِهِ الْحَثُّ عَلَى رِعَايَةِ الْأَهْلِ مِنْ زَوْجَةٍ وَوَلَدٍ وَخَادِمٍ: فَإِطْعَامُكَ زَوْجَتَكَ وَوَلَدَكَ صَدَقَةٌ، فَعَنِ الْمِقْدَامِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: ((مَا أَطْعَمْتَ نَفْسَكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ وَلَدَكَ وَزَوْجَتَكَ وَخَادِمَكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ))، وَأَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ فِي ((الْكُبْرَى))، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ)).
هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى بَيَانِ شَيْءٍ مِنْ فَضَائِلِ الْإِسْلَامِ وَمَحَاسِنِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا أَنْفَقْتَهُ عَلَى نَفْسِكَ مِنَ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تَنْتَفِعُ بِهِ؛ يَكُونُ لَكَ فِيهِ صَدَقَةٌ، وَهَكَذَا مَا أَنْفَقْتَهُ عَلَى مَنْ تَحْتَ يَدِكَ مِنْ زَوْجَةٍ، وَابْنٍ، وَخَادِمٍ وَمَمْلُوكٍ لَكَ فِيهِ صَدَقَاتٌ، وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّة.
وَاللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَمَرَنَا أَنْ نَقِيَ أَنْفُسَنَا النَّارَ، وَوَصَفَهَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِبَعْضِ صِفَاتِهَا كَمَا وَصَفَ الْقَائِمِينَ عَلَيْهَا بِبَعْضِ صِفَاتِهِمْ، وَحَذَّرَنَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَقِيَ أَنْفُسَنَا وَأَهْلِينَا ذَلِكَ الْأَمْرَ الْكَبِيرَ، وَهُوَ وُرُودُ النَّار: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْبُيُوتُ مُنِيرَةً بِآيَاتِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ بِقُرْآنِ الرَّحْمَنِ لَا بِقُرْآنِ الشَّيْطَانِ.
لَقَدْ كَانَتْ أَبْيَاتُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ بِاللَّيْلِ لَهَا دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.
فَلْنُوَجِّهْ أَهْلِينَا، وَلْنُوَجِّهْ أَنْفُسَنَا إِلَى كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، فَمَا ضَلَّ مَنْ ضَلَّ إِلَّا بِتَرْكِ كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ لِلنَّفْسِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَبِسُنَّةِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ ﷺ.
{قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}: عَلِّمُوهُمْ أُصُولَ الِاعْتِقَادِ، دُلُّوهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالرَّشَادِ.
عَلِّمُوهُمْ دِينَ رَبِّهِمْ: عَقِيدَتَهُ، وَعِبَادَتَهُ، وَمُعَامَلَتَهُ، وَأَخْلَاقَهُ، وَسُلُوكَهُ؛ لِيَفُوزُوا بِالرِّضْوَانِ فِي الْآخِرَةِ مَعَ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا، وَإِلَّا فَقَدْ خُنْتُمُ الْأَمَانَةَ، وَإِلَّا فَمَا أدَّيْتُمْ حَقَّ ذَوِيكُمْ عَلَيْكُمْ.
تَعَلَّمُوا أُصُولَ الِاعْتِقَادِ وَعَلِّمُوهَا.
اتَّقُوا اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي أَنْفُسِكُمْ وَفِي أَهْلِيكُمْ؛ فَإِنَّمَا هِيَ أَمَانَةٌ.
*عَدْلُ الْإِسْلَامِ وَرَحْمَتُهُ فِي الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَإِخْوَانِهِ وَجِيرَانِهِ:
النَّبِيُّ ﷺ أَمَرَنَا بِالتَّوَادِّ؛ قَالَ ﷺ: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)).
وَثَبَتَ فِي ((صَحِيحِ مُسْلِمٍ))، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ)): أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ)).
وَحُقُوقُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ كَثِيرَةٌ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْجَامِعُ لِهَذِهِ الْحُقُوقِ كُلِّهَا قَوْلُ الرَّسُولِ ﷺ: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ))، فَإِنَّهُ مَتَى قَامَ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْأُخُوَّةِ اجْتَهَدَ أَنْ يَتَحَرَّى لَهُ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَأَنْ يَجْتَنِبَ كُلَّ مَا يَضُرُّهُ.
*وَاجِبُ الْمُسْلِمِ تِجَاهَ جِيرَانِهِ:
وَالْجَارُ فِي الْإِسْلَامِ لَهُ حَقٌّ بِإِطْلَاقٍ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَمْ كَانَ كَافِرًا، سَوَاءٌ كَانَ طَائِعًا أَمْ كَانَ عَاصِيًا، سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا أَمْ كَانَ جَاهِلًا، سَوَاءٌ كَانَ مُصَالِحًا أَمْ كَانَ مُخَاصِمًا.
الْجَارُ -مُطْلَقُ الْجَارِ- لَهُ حَقٌّ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ وَرَدَتْ مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ، وَهَذَا نَبِّيُكُمْ ﷺ يَقُولُ قَوْلًا مُرْسَلًا -عَامًّا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ-: ((مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ)).
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ -كَمَا فِي ((الصَّحِيحَيْنِ))-: ((وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ))؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
قَالَ الْأَصْحَابُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: ((الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ)).
قَالُوا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-: وَمَا بَوَائِقُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: ((شَرُّهُ)).
*وَأَقَامَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْعَلَاقَاتِ التِّجَارِيَّةَ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ، وَمُعَامُلَاتٍ عَلَى الْحَقِّ وَالْعَدْلِ: فَمِنْ كَبائِرِ الإِثْمِ، وَعَظَائِمِ الذُّنُوبِ: تَطْفِيفُ المَكَايِيلِ وَالمَوَازِينِ.
وَالتَّطْفِيفُ: البَخْسُ وَالنَّقْصُ.
قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)} [الرحمن: 7-9].
وَقَالَ ﷺ فِي رِعَايَةِ المَوَازِينِ: «إِذَا وَزَنْتُمْ؛ فَأَرْجِحُوا».
وَأَوْضَحُ آيَةٍ فِي القُرْآنِ المَجِيدِ تَجْعَلُ التَّلاعُبَ فِي المَكَايِيلِ وَالمَوَازِينِ كَبِيرَةً مُوبِقَةً مُهْلِكَةً؛ هِيَ قَوْلُ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)} [المطففين: 1-6].
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَمُرُّ بِالبَائِعِ، فَيَقُولُ: «اتَّقِ اللهَ، وَأَوْفِ الكَيْلَ وَالوَزْنَ، فَإِنَّ المُطَفِّفِينَ يُوقَفُونَ، حَتَّى إِنَّ العَرَقَ لَيُلْجِمُهُمْ إِلَى أَنْصَافِ آذَانِهِمْ».
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- لِأَصْحَابِ الكَيْلِ وَالوَزْنِ: «إِنَّكُمْ قَدْ وُلِّيتُمْ أَمْرًا فِيهِ هَلَكَتِ الأُمَمُ السَّابِقَةُ قَبْلَكُمْ».
قَالَ بَعْضُ الصَّالِحِينَ: «وَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ لِمَنْ يَبِيعُ بِحَبَّةٍ يُنْقِصُهَا جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ؛ وَيَشْتَرِي بِحَبَّةٍ يَزِيدُهَا وَادِيًا فِي جَهَنَّمَ يُذِيبُ جِبَالَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؛ فَقَالَ: «وَلَمْ يُنْقِصُوا المِكْيَالَ وَالمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ المَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ».
وَكَذَلِكَ حَرَّمَ الشَّارِعُ الِاحْتِكْارَ وَنَهَى عَنْهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الجَشَعِ، وَالطَّمَعِ، وَسُوءِ الخُلُقِ، وَالتَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ.
رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ مَعْمَرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «مَنِ احْتَكَرَ؛ فَهُوَ خَاطِئٌ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ, وَفِي رِوَايَةٍ: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ».
وَالخَاطِئُ: الآثِمُ، وَالمَعْنَى لا يَجْتَرِئُ عَلَى هَذَا الفِعْلِ الشَّنِيعِ إِلَّا مَنِ اعْتَادَ المَعْصِيَةَ.
*بِالْجُمْلَةِ؛ تَسْتَقِيمُ الْحَيَاةُ بِالْعَدْلِ فِي الْعَلَاقَاتِ بَيْنَ النَّاسِ:
عِبَادَ اللهِ! عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُحْسِنَ الْمُعَاشَرَةَ مَا اسْتَطَاعَ، وَقَبْلَ أَنْ يُطَالِبَ بِحَقِّهِ يَنْبَغِي عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْوَاجِبَ الَّذِي نَاطَهُ اللهُ بِعُنُقِهِ وَفَرَضَهُ عَلَيْهِ.
فَعَلَى الْإِنْسَانِ إِذَا طَالَبَ الْمَرْأَةَ بِالْحَقِّ عَلَيْهَا أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهَا الْحَقَّ الَّذِي لَهَا عَلَيْهِ؛ تَسْتَقِيمُ الْحَيَاةُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِيهِمْ ظُلْمٌ وَفِيهِمْ قَسْوَةٌ؛ الْأَبُ يَقُولُ لِابْنِهِ -وَلَا يُرَاعِي فِيهِ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَلَا يُعْطِيهِ حَقًّا- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((وَإِنْ هُمَا أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ دُنْيَاكَ لَهُمَا فَاخْرُجْ))، وَيَقُولُ الْوَلَدُ لِأَبِيهِ -وَلَا يُرَاعِي حَقَّ أَبِيهِ- يَقُولُ لَهُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)).
يَقُولُ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: ((فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ كَانَ قِيْحَةً تَبِضُّ دَمًا وَصَدِيدًا مِنْ مَفْرِقِ رَأْسِهِ إِلَى أَخْمَصِ قَدَمِهِ فَاسْتَقْبَلَتْهُ الْمَرْأَةُ فَلَعَقَتْهُ بِلِسَانِهَا مَا وَفَّتْهُ حَقَّهُ عَلَيْهَا))، ((وَلَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا))، وَهِيَ تَقُولُ لَهُ: أَلَمْ تَسْمَع قَوْلَ رَسُولِ اللهِ ﷺ: ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))، وَ((أَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي، وَخَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ)).
فَكُلٌّ يُطَالِبُ بِحَقِّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤَدِّيَ الَّذِي عَلَيْهِ، لَوْ جَمَعْنَا هَذِهِ الْمُتَقَابِلَاتِ؛ اسْتَقَامَتِ الْحَيَاةُ.
المصدر:العدل وأثره في استقرار المجتمع