((ثَمَرَاتُ الْمَاءِ الْعَظِيمَةُ فِي الْحَيَاةِ))
إِنَّ نِعْمَةَ الْمَاءِ الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- بِهَا عَلَيْنَا؛ نِعْمَةٌ جَلِيلَةٌ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ.
*وَلِلْمَاءِ ثَمَرَاتٌ عَظِيمَةٌ، وَفَوَائِدُ نَافِعَةٌ جَلِيلَةٌ:
*مِنْ أَعْظَمِ ثَمَرَاتِ الْمَاءِ: أَنَّ اللهَ جَعَلَهُ شَرَابًا لِلْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ: قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ} [النحل: 10].
اللهُ الَّذِي خَلَقَ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ، هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّحَابِ مَاءً حُلْوًا طَهُورًا نَافِعًا، لَكُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ شَرَابٌ تَشْرَبُونَهُ.
*وَمِنْ ثَمَرَاتِ نِعْمَةِ الْمَاءِ: أَنَّهُ سَبَبٌ فِي خُرُوجِ النَّبَاتِ وَالثِّمَارِ لِلْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ: فَقَدْ قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ} [إبراهيم: 32].
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّحَابِ مَاءً، فَأَخْرَجَ بِذَلِكَ الْمَاءِ الْمُخْتَلِطِ بِتُرَابِ الْأَرْضِ، أَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ، وَذَلَّلَ لَكُمُ السُّفُنَ الْجَارِيَةَ عَلَى الْمَاءِ وَفْقَ نِظَامِ الطَّفْوِ الَّذِي قَدَّرَهُ اللهُ فِي كَوْنِهِ؛ لِأَجْلِ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِي جَلْبِ الرِّزْقِ مِنْ بَلَدٍ لِآخَرَ.
وَذَلَّلَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ تَشْرَبُونَ مِنْهَا، وَتَسْقُونَ زَرْعَكُمْ، وَأَشْجَارَكُمْ، وَأَنْعَامَكُمْ، وَدَوَابَّكُمْ، وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ أُخْرَى.
وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)} [النحل: 10-11].
اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّحَابِ مَاءً حُلْوًا طَهُورًا نَافِعًا، لَكُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ شَرَابٌ تَشْرَبُونَهُ.
وَلَكُمْ -أَيُّهَا النَّاسُ- مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ شَجَرٌ يَكُونُ الْمَاءُ سَبَبًا فِي نَبَاتِهِ وَنَمَائِهِ، فَأَنْتُمْ فِيهِ تُطْلِقُونَ أَنْعَامَكُمُ السَّائِمَةُ، تَرْعَى مِنْ أَشْجَارِ الْأَرْضِ وَنَبَاتِهَا.
يُنْبِتُ اللهُ لَكُمْ بِذَلِكَ الْمَاءِ الْحَبَّ الَّذِي يُقْتَاتُ بِهِ، وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ، وَمِنْ سَائِرِ الثَّمَرَاتِ، إِنَّ فِي ظَاهِرَةِ الْمَطَرِ وَمَا فِيهِ مِنْ شَرَابٍ لِلنَّاسِ، وَإِنْبَاتِ أَنْوَاعِ الثِّمَارِ لَعَلَامَةً دَالَّةً عَلَى قُدْرَتِنَا، وَشُمُولِ عِلْمِنَا، وَعَظِيمِ حِكْمَتِنَا، لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ فِي دَلَائِلِ قُدْرَتِنَا، وَعَظِيمِ نِعَمِنَا عَلَى عِبَادِنَا.
*وَمِنْ ثَمَرَاتِ نِعْمَةِ الْمَاءِ: أَنَّ اللهَ أَحْيَا بِهِ كُلَّ شَيْءٍ: فَقَدْ قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30]: وَأَنْزَلْنَا الْمَطَرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَأَخْرَجْنَا النَّبَاتَ مِنَ الْأَرْضِ، وَأَحْيَيْنَا بِالْمَاءِ النَّازِلِ مِنَ السَّمَاءِ وَالنَّابِعِ مِنَ الْأَرْضِ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ.
*وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْمَاءِ فِي الْحَيَاةِ: أَنَّ اللهَ جَعَلَ بِهِ حَيَاةَ الْأَرْضِ: قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [النحل: 65].
وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّحَابِ مَطَرًا، فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ وَالزُّرُوعِ بَعْدَ يَبَسِهَا وَجَدْبِهَا، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَدَلَالَةً وَاضِحَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ.
وَقَالَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج: 5].
وَتَرَى -أَيُّهَا النَّاظِرُ الْمُتَأَمِّلُ- بِدَوَامٍ وَتَجَدُّدٍ الْأَرْضَ يَابِسَةً مَيِّتَةً لَا نَبَاتَ فِيهَا، فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَطَرَ؛ تَحَرَّكَ تُرَابُهَا لِأَجْلِ خُرُوجِ النَّبَاتِ، وَانْتَفَخَتْ بِسَبَبِ نُمُوِّ النَّبَاتِ وَتَدَاخُلِ الْمَاءِ، وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ حَسَنٍ جَمِيلِ الْمَنْظَرِ.
قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [الحج: 63].
أَلَمْ تَرَ -أَيُّهَا الْعَاقِلُ الْبَصِيرُ الرَّشِيدُ- نَاظِرًا إِلَى آثَارِ صُنْعِ رَبِّكَ؛ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّحَابِ مَاءً عَلَى أَرْضٍ صَالِحَةٍ لِلْإِنْبَاتِ، فِيهَا بُذُورُ نَبَاتَاتٍ مُنْبَثَّاتٍ فِي تُرْبَتِهَا، فَامْتَصَّتِ الْبُذُورُ الْمُنْبَثَّةُ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْمَاءِ وَمِنْ عَنَاصِرِ تُرَابِ الْأَرْضِ، فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ إِثْرَ نُزُولِ الْمَطَرِ مُخْضَرَّةً بِالنَّبَاتِ الْمُخْتَلِفِ الْأَنْوَاعِ وَالْأَجْنَاسِ.
إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ بِاسْتِخْرَاجِ النَّبَاتِ مِنَ الْأَرْضِ؛ رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَالْحَيَوَانِ، يَنْفُذُ بِصِفَاتِهِ إِلَى أَعْمَاقِ كُلِّ مَوْجُودٍ؛ خَلْقًا وَإِمْدَادًا، وَعِلْمًا وَتَصَارِيفَ، خَبِيرٌ عَلَى سَبِيلِ الشُّهُودِ بِمَا فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ إِذَا تَأَخَّرَ الْمَطَرُ عَنْهُمْ.
*وَمِنَ الْفَوَائِدِ الْعَظِيمَةِ لِلْمَاءِ: أَنَّ بِهِ تَتَحَقَّقُ الطَّهَارَةُ: وَالطَّهَارَةُ مِنْ أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ فِي دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَأَهَمِّيَّتُهَا دَلَّتْ عَلَيْهَا نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ:
قال ربنا -جَلَّ وَعَلَا-: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108].
وقال -جَلَّ وَعَلَا-: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6].
فَالطَّهَارَةُ هِيَ مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ، وَآكَدُ شُرُوطِهَا؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطُ صِحَّةٍ لِلصَّلَاةِ، فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ.
أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ -أَيْ نِصْفُهُ-)).
وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ: ((الْوُضُوءُ شَطْرُ الْإِيمَانِ)). أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: ((حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ)).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ)). الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)).
هَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى فَضْلِ الطَّهَارَةِ وَعَظِيمِ خَطَرِهَا.
عِبَادَ اللهِ! اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْزَلَ مِنَ السَّحَابِ مَاءً حُلْوًا طَهُورًا نَافِعًا، لَكُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ شَرَابٌ تَشْرَبُونَهُ، وَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ، وَذَلَّلَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ تَشْرَبُونَ مِنْهَا، وَتَسْقُونَ زَرْعَكُمْ، وَأَشْجَارَكُمْ، وَأَنْعَامَكُمْ، وَدَوَابَّكُمْ.
وَلَكُمْ -أَيُّهَا النَّاسُ- مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ شَجَرٌ يَكُونُ الْمَاءُ سَبَبًا فِي نَبَاتِهِ وَنَمَائِهِ، فَأَنْتُمْ فِيهِ تُطْلِقُونَ أَنْعَامَكُمُ السَّائِمَةَ، تَرْعَى مِنْ أَشْجَارِ الْأَرْضِ وَنَبَاتِهَا.
وَيُنْبِتُ اللهُ لَكُمْ بِذَلِكَ الْمَاءِ الْحَبَّ الَّذِي يُقْتَاتُ بِهِ، وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ، وَمِنْ سَائِرِ الثَّمَرَاتِ، وَأَحْيَا اللهُ بِهَذَا الْمَاءِ النَّازِلِ مِنَ السَّمَاءِ وَالنَّابِعِ مِنَ الْأَرْضِ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ.
وَاللهُ أَحْيَا بِالْمَاءِ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ وَالزُّرُوعِ بَعْدَ يَبَسِهَا وَجَدْبِهَا، فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ إِثْرَ نُزُولِ الْمَطَرِ مُخْضَرَّةً بِالنَّبَاتِ.
المصدر:نِعْمَةُ الْمَاءِ وَضَرُورَةُ الْحِفَاظِ عَلَيْهَا