((احْذَرْ الِاسْتِهَانَةَ؛ فَبِهَا الْهَلَاكُ!!))
كَانَ لِلْغِرْبَانِ فِي الْعَصْرِ مَلِيك
وَلَهُ فِي النَّخْلَةِ الْكُبْرَى أَرِيك
فِيهِ كُرْسِيٌّ وَخِدْرٌ وَمُهُود
لِصِغَارِ الْمُلْكِ أَصْحَابِ الْعُهُودِ
جَاءَهُ يَوْمًا نُدُورُ الْخَادِمُ
وَهُوَ فِي الْبَابِ الْأَمِينُ الْحَازِمُ
قَالَ.. -أَيْ الْخَادِمُ الْمُسَمَّى نُدُور-.
قَالَ: يَا فَرْعَ الْمُلُوكِ الصَّالِحِينَ
أَنْتَ مَا زِلْتَ تُحِبُّ النَّاصِحِينَ
سُوسَةٌ كَانَتْ عَلَى الْقَصْرِ تَدُورُ
جَازَتِ الْقَصْرَ وَدَنَتْ فِي الْجُدُورِ
فَاِبْعَثِ الْغِرْبَانَ فِي إِهْلَاكِهَا
قَبْلَ أَنْ نَهْلِكَ فِي أَشْرَاكِهَا
ضَحِكَ السُّلْطَانُ مِنْ هَذَا الْمَقَالِ
ثُمَّ أَدْنَى خَادِمَ الْخَيْرِ وَقَالَ
أَنَا رَبُّ الشَّوْكَةِ الضَّافِي الْجَنَاحِ
أَنَا ذُو الْمِنْقَارِ غَلَّابُ الرِّيَاحِ
أَنَا لَا أَنْظُرُ فِي هَذِي الْأُمُور
أَنَا لَا أُبْصِرُ تَحْتِي يَا نُدُور
ثُمَّ لَمَّا كَانَ عَامٌ بَعْدَ عَام
قَامَ بَيْنَ الرِّيحِ وَالنَّخْلِ خِصَام
وَإِذَا النَّخْلَةُ أَقْوَى جِذْعُهَا
فَبَدَا لِلرِّيحِ سَهْلًا قَلْعُهَا
فَهَوَتْ لِلْأَرْضِ كَالتَّلِّ الْكَبِير
وَهَوَى الدِّيوَانُ وَانْقَضَّ السَّرِير
فَدَهَا السُّلْطَانَ ذَا الْخَطْبُ الْمَهُول
وَدَعَا خَادِمَهُ الْغَالِي يَقُولُ
يَا نُدُورَ الْخَيْرِ أَسْعِفْ بِالصِّيَاحِ
لَا تَرَى مَا فَعَلَتْ فِينَا الرِّيَاح
قَالَ يَا مَوْلَايَ لَا تَسْأَلْ نُدُور
أَنَا لَا أَنْظُرُ فِي هَذِي الْأُمُور
فَتَأَمَّلْ فِي عَاقَبَةِ الِاسْتِهَانَةِ، لَمَّا أَهْمَلَ سُوسَةً كَانَتْ عَلَى الْقَصْرِ تَدُورُ، وَالْقَصْرُ هُنَا مَا هُوَ؟ هُوَ تِلْكَ النَّخْلَةُ السَّامِقَةُ، الَّتِي اتَّخَذَ مَلِكُ الْغِرْبَانِ إِيوَانَهُ بِدِيوَانِهِ فِي أَعْلَاهَا، ثُمَّ جَاءَتْ هَذِهِ فَأُهْمِلَتْ، وَعَامًا بَعْدَ عَامٍ، وَقَعَتِ الْفَاجِعَةُ.
تَأَمَّلْ فِي كُلِّ مُلْكٍ يَزُولُ، تَجِدْهُ مِنْ إِهْلَاكِ تِلْكَ السُّوسَةِ الَّتِي حَوْلَ الْقَصْرِ تَدُورُ، فَيُهْمِلُهَا مَنْ لَا يُقَدِّرُ عَوَاقِبَ الْأُمُورِ، ثُمَّ يَبْكِي دَمًا، وَلَاتَ حِينَ مَنْدَمِ، وَلَا يُسْعِفُهُ نَدَمٌ بِحَالٍ!!
لَا تَسْتَهِنْ، إِيَّاكَ وَالِاسْتِهَانَةَ، فَإِنَّ خَطْبَهَا عَظِيمٌ، كُنْ حَازِمًا، وَخُذْ الْأُمُورَ مِنْ أَوَائِلِهَا، فَأَمْسِكْ بِزِمَامِهَا، وَصَرِّفْهَا، وَلَا تَدَعْ زِمَامَهَا بِيَدِ الْهَوَى يُصَرِّفُهَا، فَإِنَّهَا بَعْدَ حِينٍ تَشْتَدُّ عَلَيْكَ، إِذْ تُحِيطُ بِكَ، فَهِيَ مُهْلِكَةٌ لِلْأَبْعَدِ لَا مَحَالَةَ.
حَاسِبْ نَفْسَكَ، فَمُحَاسَبَةُ النَّفْسِ وَاجِبَةٌ، حَتَّى لَا يَنْدَمَ الْمَرْءُ وَلَاتَ سَاعَةَ مَنْدَمِ!!
أَسْأَلُ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ- أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِالْيَقَظَةِ بَعْدَ الْغَفْلَةِ، وَأَنْ يَهْدِيَنَا إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.
المصدر: محاسبة النفس