((سَبَبُ النَّصْرِ الْأَعْظَمُ: تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ وَالِاتِّبَاعِ))
إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَمْ يَجْعَلْ لِكَافِرٍ عَلَى مُؤْمِنٍ سَبِيلًا، لَمْ يَجْعَلْ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- لِكَافِرٍ عَلَى مُؤْمِنٍ اسْتِعْلَاءً، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَإِنَّهُ بُرْهَانُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْإِنْسَانِيُّ وَحُجَّتُهُ الْقَائِمَةُ فِي الْأَرْضِ عَلَى كُلِّ مَنِ انْحَرَفَ مِنْ بَنِي الْإِنْسَانِ.
وَالْمُسْلِمُ هُوَ الْعَلَامَةُ الْإِيمَانِيَّةُ السَّاطِعَةُ، الْمُسْلِمُ الَّذِي حَقَّقَ التَّوْحِيدَ وَأَكْمَلَ الِاتِّبَاعَ هُوَ حُجَّةُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي عَصْرِهِ عَلَى خَلْقِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يُقِيمُ دِينَ اللهِ، وَيَتَمَسَّكُ بِأَمْرِ اللهِ، وَيَتْبَعُ رَسُولَ اللهِ ﷺ، إِنَّ الْخَلَلَ الْوَاقِعَ فِي الْأُمَّةِ إِذَنْ لَعَظِيمٌ، فَأَيْنَ هُوَ؟
غَفْلَةٌ مَعِيبَةٌ، وَسَهْوٌ عَنْ كَرَائِمِ الْأُمُورِ وَمَعَالِيهَا، وَحُيُودٌ عَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ؛ مِنْ تَطْهِيرِ الْجَنَانِ مِنْ دَرَنِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرَانِ، وَمِنْ تَجْمِيلِ الْأَرْكَانِ بِاتِّبَاعِ سُنَّةِ النَّبِيِّ الْعَدْنَانِ.
النَّبِيُّ ﷺ أَخْبَرَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْمَرْحُومَةَ لَا تَزَالُ فِيهَا طَائِفَةٌ ظَاهِرَةٌ، لَا يَضُرُّهَا مَنْ حَارَبَهَا وَعَادَاهَا، وَلَا مَنْ قَعَدَ عَنْهَا وَخَذَلَهَا حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، الطَّائِفَةُ الْمَنْصُورَةُ هُمُ الْمُوَحِّدُونَ الَّذِينَ أَخْلَصُوا التَّوْحِيدَ لِلْعَزِيزِ الْمَجِيدِ وَجَرَّدُوهُ لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَأَحْكَمُوا الِاتِّبَاعَ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ الْعَظِيمِ ﷺ، هُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ فِي كُلِّ عَصْرٍ هُمْ مَنْ كَانُوا عَلَى مِثْلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ.
إِنَّ الْوَاقِعَ الَّذِي نَعِيشُ يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ الْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي الْأُمَّةِ، وَعَلَى كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ هَذَا الْخَلَلِ، وَلَنْ يَمُرَّ بِهِ طَوِيلُ زَمَانٍ حَتَّى يَضَعَ الْيَدَ عَلَيْهِ، مَنْ كَانَ لِلَّهِ مُتَجَرِّدًا وَلِلنَّبِيِّ مُتَابِعًا، يَنْفِي الْهَوَى جَانِبًا، وَلَا يَدْخُلُ عَلَى الْأُمُورِ بِفَرْضِيَّاتٍ قَدْ أَتَى بِهَا قَبْلُ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ وَقَدْ أَلْقَى زِمَامَ قَلْبِهِ لِلشَّرْعِ الْأَغَرِّ، فَأَيْنَمَا قَادَهُ الشَّرْعُ انْقَادَ لَهُ، وَأَيْنَمَا مَالَتْ بِهِ النُّصُوصُ مَالَ مَعَهَا، وَلَنْ تَمِيلَ بِهِ إِلَّا عَاطِفَةً عَلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ، هَادِيَةً لَهُ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ.
إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَارَبَتْهُ يَهُودُ، وَأَظْفَرَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِهَا، وَمَكَّنَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْهَا، وَأَذَلَّهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى يَدَيْهِ، نَبِيُّكُمْ ﷺ نَبِيُّ الْعِزَّةِ {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8].
بِمَاذَا نَصَرَ اللهُ نَبِيَّهُ ﷺ وَصَحْبَهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-؟
النَّبِيُّ ﷺ دَعَا إِلَى اللهِ، وَاسْتَمَرَّ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ عَامًا فِي مَكَّةَ، يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ، لَمْ تُفْرَضْ صَلَاةٌ عَلَى النَّحْوِ الْمَعْرُوفِ إِلَّا فِي لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ مِنَ الْبَعْثَةِ، وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ أَذَانٌ وَلَا جَمَاعَةٌ، بَلْ كَانُوا مُسْتَضْعَفِينَ خَائِفِينَ، لَمْ تُفْرَضْ زَكَاةٌ، لَمْ يُفْرَضْ صِيَامٌ، لَمْ يُفْرَضْ حَجٌّ، لَمْ يُفْرَضْ قِتَالٌ، بَلْ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِكَفِّ الْأَيْدِي فِي مَكَّةَ، فَمَاذَا كَانُوا يَصْنَعُونَ؟
كَانُوا لِرَبِّهِمْ يُوَحِّدُونَ، وَفِي عِبَادَتِهِ يُخْلِصُونَ، يُخَلِّصُونَ الْعَالَمَ مِنْ شِرْكِهِ، وَيَخْرُجُونَ بِهِ مِنْ حَمْأَةِ كُفْرِهِ، وَيُقِيمُونَهُ عَلَى الْجَادَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ مِنْ تَوْحِيدِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ ظَلَّ يَدْعُو إِلَى رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَيُعَلِّمُ التَّوْحِيدَ، وَيَدْعُو إِلَى صِدْقِ الِاتَّبَاعِ فِي السِّلْمِ وَالْحَرْبِ، فِي السَّفَرِ وَالْحَلِّ، وَفِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، فِي الْمَسْجِدِ وَفِي السُّوقِ، قَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى جَنْبٍ يُعَلِّمُ مَا يُعَلِّمُ مِنْ سُنَنِ الْمَنَامِ وَأَذْكَارِهِ ﷺ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ.
وَقَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَفِي آخِرِ مَا قَالَ نَبِيُّكُمُ الْمُخْتَارُ ﷺ وَعَلَى وَجْهِهِ قَطِيفَةٌ قَدْ تَخَمَّرَ بِهَا، وَكَانَ يَرْفَعُهَا وَيَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ وَيُرَهِّبُ مِنَ الشِّرْكِ، يَقُولُ -إِذْ يَرْفَعُ الْقَطِيفَةَ عَنْ وَجْهِهِ-: ((لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ -يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا-)).
قَالَتْ عَائِشَةُ: وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ.
هَذِهِ وَصِيَّتُهُ لِأُمَّتِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَمَنْطِقِهِ وَلَفْظِهِ، يُحَذِّرُ مِنَ الشِّرْكِ وَيَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ.
لَا عِزَّ لَكُمْ إِلَّا بِتَوْحِيدِ رَبِّكُمْ وَاتِّبَاعِ نَبِيِّكُمْ، إِنَّ اللهَ لَا يَنْصُرُ الْمُشْرِكِينَ وَلَا يُؤيِّدُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا يَمُدُّ الْمُشْرِكِينَ بِمَدَدٍ مِنْ عِنْدِهِ، وَإِنَّمَا يَنْصُرُ الْمُوَحِّدِينَ الْمُتَّبِعِينَ، وَإِنْ كَانُوا قِلَّةً قَلِيلِينَ، يَأْتِيهِمْ تَأْيِيدُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَتَنْزِلُ عَلَيْهِمْ نُصْرَتُهُ، يُثَبِّتُ أَقْدَامَهُمْ، وَيُثَبِّتُ قُلُوبَهُمْ، وَيُنْزِلُ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ، وَيُؤْتِيهِمُ الْإِنَابَةَ، إِذْ حَفِظُوا الْأَمَانَةَ –أَمَانَةَ الدِّينِ-.
تَعَلَّمُوا تَوْحِيدَ رَبِّكُمْ، اعْتَقِدُوهُ، وَنَفِّذُوهُ، وَادْعُوا إِلَيْهِ، وَاصْبِرُوا عَلَى الْأَذَى دُونَهُ، أَمَّا الِانْفِعَالَاتُ الثَّائِرَةُ فَسَرْعَانَ مَا تَخْبُو، وَسَرْعَانَ مَا تَزُولُ، وَتَتَبَّعْ مُخْلِصًا غَيْرَ مَأْمُورٍ تَارِيخَ خُرُوجِ الشُّعُوبِ، تَخْرُجُ تَهْتِفُ، تَهْتِفُ بِمَاذَا؟
انْظُرْ إِلَى الشَّعْبِ الْمُعَنَّى
وَقَدْ رَاجَ الزُّورُ عَلَيْهِ
انْظُرْ إِلَى الشَّعْبِ الْمُعَنَّى يَهْتِفُ بِحَيَاةِ قَاتِلَيْهِ
انْظُرْ إِلَى الشَّعْبِ الْمُعَنَّى
يَا لَهُ مِنْ بَبَّغَاءٍ عَقْلُهُ فِي أُذُنَيْهِ
رَاجَ عَلَيْهِ الْبُهْتَانُ وَانْطَلَى الزُّورُ عَلَيْهِ
المصدر:الْقُدْسُ عَرَبِيَّةٌ إِسْلَامِيَّةٌ وَسَتَظَلُّ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى