((مِنْ أَعْظَمِ مُوجِبَاتِ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ فِي رَمَضَانَ:
تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ))
إِنَّ أَعْظَمَ أَسْبَابِ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ: ((تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الدِّينِ وَرَأْسُهُ، الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَمَلًا إلَّا بِهِ، وَيَغْفِرُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِصَاحِبِهِ وَلَا يَغْفِرُ لِمَنْ تَرَكَهُ، كَمَا قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48])) .
وَمِنْ مَظَاهِرِ التَّوْحِيدِ فِي رَمَضَانَ: أَنَّ الْمَغْفِرَةَ مُعَلَّقَةٌ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللهِ وَالِاحْتِسَابِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَنَا أَنَّ مَنْ قَامَ وَصَامَ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا؛ إِيمَانًا بِالَّذِي شَرَعَ، بِالَّذِي فَرَضَ، وَاحْتِسَابًا لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ طَلَبًا لِلْأَجْرِ مِنْ عِنْدِهِ وَمِنْ لَدُنْهُ، مِنْ غَيْرِ مَا عَمَلٍ لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ قَطُّ، وَإِنَّمَا هُوَ تَغْيِيبٌ لِلْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي ضَمِيرِ الضَّمِيرِ، وَفِي غَيَاهِبِ الْمَكْنُونِ مِنْ ثَنَايَا النَّفْسِ؛ حَتَّى إِنِ اسْتَطَاعَ الْإِنْسَانُ أَلَّا يُطْلِعَ ذَاتَهُ عَلَى عَمَلِ ذَاتِهِ فَلْيَفْعَلْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا؛ حَتَّى لَا تَعْلَمُ شِمَالُهُ مَا أَنْفَقَتْ يَمِينُهُ» .
«مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ؛ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
«مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
*وَمِنْ مَظَاهِرِ التَّوْحِيدِ فِي رَمَضَانَ: أَنَّ النِّيَّةَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّوْمِ، ((وَهِيَ عَزْمُ الْقَلْبِ عَلَى الصَّوْمِ؛ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللهِ تَعَالَى أَوْ تَقَرُّبًا إِلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: ((إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)) .
فَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ فَرْضًا؛ فَالنِّيَّةُ تَجِبُ بِلَيْلٍ قَبْلَ الْفَجْرِ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: ((مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا صِيَامَ لَهُ)) . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ نَفْلًا؛ صَحَّتِ النِّيَّةُ وَلَوْ بَعْدَ طلُوعِ الْفَجْرِ وَارْتِفَاعِ النَّهَارِ، بِشَرْطِ أَلَّا يَكُونَ قَدْ طَعِمَ شَيْئًا )).
*وَمِنْ مَظَاهِرِ التَّوْحِيدِ فِي رَمَضَانَ: أَنَّ اللهَ اخْتَصَّ نَفْسَهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِالصَّوْمِ وَجَزَائِهِ؛ فَالصِّيَامُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ؛ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)) .
فَالصَّومُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ خَالِصًا, وَهُوَ يَجْزِيِ عَلَيْهِ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ وَبمَا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى؛ شَرِيطَةَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ فِي ذَلِكَ مُمْتَثِلًا أَمْرَ اللهِ, مُتَّبِعًا هَدْيَ رَسُولِ اللهِ ﷺ.
*وَمِنْ مَظَاهِرِ التَّوْحِيدِ فِي رَمَضَانَ: أَنَّ الصِّيَامَ مُعَامَلَةٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ؛ فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ فِي هَذَا الصِّيَامِ سِرًّا لَطِيفًا جِدًّا؛ إِذْ هُوَ الْمُعَامَلَةُ الْحَقَّةُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ؛ وَلِذَلِكَ فَهُوَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ، لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ سِوَى ذَلِكَ، وَمَا هِيَ فِي الْمُنْتَهَى إِلَّا كَفٌّ بِنِيَّةٍ، وَامْتِنَاعٌ عَنْ تَلَذُّذٍ بِشَهْوَةِ وِقَاعٍ أَوْ شَهْوَةِ طَعَامٍ وَشَرَابٍ، مَعَ إِمْسَاكٍ لِلْجَوَارِحِ عنِ الْوُلُوغِ فِيمَا يَسُوءُ، ثُمَّ إِقْبَالٌ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ عَابِدٍ مُخْبِتٍ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لِلتَّوْحِيدِ فَضَائِلُ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى؛ مِنْهَا:
*أَنَّ التَّوْحِيدَ سَبَبٌ لِلنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة: 72].
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ)) .
*وَالتَّوْحِيدُ سَبَبٌ لِتَكْفِيرِ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبِ، بَلْ هُوَ أَعْظَمُ أَسْبَابِ تَكْفِيرِ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبِ، كَمَا قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: «يَا ابْنَ آدَمَ! إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ.
المصدر:رَمَضَانُ شَهْرُ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ