رَمَضَانُ شَهْرُ الْجُودِ وَالْكَرَمِ


((رَمَضَانُ شَهْرُ الْجُودِ وَالْكَرَمِ))

عِبَادَ اللهِ! مَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْتَشْعِرَ الْأَغْنِيَاءُ حَاجَةَ الْفُقَرَاءِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ؛ فَرَمَضَانُ شَهْرُ الْجُودِ وَالْكَرَمِ وَالْعَطَاءِ، شَهْرٌ يَتَجَسَّدُ فِيهِ مَعْنَى الرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ وَالْعَطْفِ عَلَى الْيَتَامَى وَالْأَرَامِلِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِكُلِّ صُوَرِ التَّكَافُلِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا فِي إِدْخَالِ الْفَرْحَةِ وَالسُّرُورِ عَلَيْهِمْ؛ تَأَسِّيًا بِرَسُولِ اللهِ ﷺ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ، وَخَاصَّةً فِي رَمَضَانَ.

انْظُرْ إِلَى نَبِيِّكَ ﷺ -كَمَا فِي ((صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ))  مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-- يَقُولُ: ((كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ -فَاحْتَرَسَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ عَمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُظَنَّ مِمَّا يَأْتِي بَعْدُ-، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، فَكَانَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ)).

فَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ.. فَيَحْتَرِسُ مِنْ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُ كَانَ يَكُونُ جَوَادًا فِي رَمَضَانَ وَحْدَهُ، وَأَمَّا فِيمَا عَدَاهُ فَإِنَّ جُودَهُ يَقِلُّ عَنْ ذَلِكَ -وَحَاشَا لِلهِ-، بَلْ كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، هَذَا يُؤَسِّسُ بِهِ لِمَا هُوَ آتٍ، يَقُولُ: ((وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ))، ((أَجْوَدُ)) هَكَذَا بِالضَّمِّ عَلَى أَنَّهَا اسْمُ (كَانَ)، وَأَمَّا خَبَرُهَا فَمَحْذُوفٌ وُجُوبًا، وَالتَّقْدِيرُ هُوَ: وَكَانَ أَجْوَدُ أَكْوَانِهِ مَوْجُودًا فِي رَمَضَانَ.

((كَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ، وَذَلِكَ حِينَ يَأْتِيهِ جِبْرِيلُ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ))، فَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَأْتِيهِ جِبْرِيلُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، ((فَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ))، وَاحْتَرَزَ بِـ ((الْمُرْسَلَةِ)) عَنِ الرِّيحِ الَّتِي لَا وَصْفَ لَهَا؛ لِأَنَّ الَّتِي لَا وَصْفَ لَهَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ عَقِيمًا، وَأَمَّا هُوَ ﷺ فَكَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ، وَذَلِكَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ.

هَذَا الصِّيَامُ يُغَيِّرُ دَاعِيَةَ النَّفْسِ إِلَى الْبُخْلِ وَالشُّحِّ إِلَى الْإِيثَارِ وَالْعَطَاءِ وَالْجُودِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي رَمَضَانَ، فَأَيُّ رَمَضَانَ هَذَا؟!!

إِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ هَذِهِ الْعِبَادَةَ مِنْ أَجْلِ أَنْ تُقِيمَ النَّفْسَ عَلَى السَّوِيَّةِ، وَمِنْ أَجْلِ أَنْ تُعِيدَ الْإِنْسَانَ مِنْ مُعْوَجِّ الْأَمْرِ إِلَى مُسْتَقِيمِهِ، وَمِنْ بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ إِلَى سَوَائِهِ.. إِلَى وَاضِحِهِ.. إِلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ؛ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الصَّوْمُ مُغَيِّرًا فِي النَّفْسِ، مُغَيِّرًا فِي الطَّبْعِ، مُغَيِّرًا فِي الْعَادَاتِ؛ فَهَذِهِ هِيَ الْعَلَامَةُ الْفَارِقَةُ بَيْنَ الصَّائِمِ حَقًّا وَالصِّائِمِ زَيْفًا.

نَسْأَلُ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْ يُفَهِّمَنَا حَقِيقَةَ الدِّينِ، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا حَلَاوَةَ الْيَقِينِ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

 

المصدر:رَمَضَانُ شَهْرُ عِبَادَةٍ وَعَمَلٍ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  أَخْطَرُ الشَّائِعَاتِ فِي تَارِيخِ الْمُسْلِمِينَ وَآثَارُهَا
  شَهْرُ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ الْأَحْدَاثِ الْعَظِيمَةِ
  اِنْتِصَارَاتُ الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ فِي الْعَصْرِ الْحَاضِرِ، وَتَحَدِّيَاتُ الْمُسْتَقْبَلِ
  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: الْعَدْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِخْوَتِهِ
  ذِكْرُ اللهِ رُوحُ الِاعْتِكَافِ
  مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ: اسْتِقَامَةُ الْعَقِيدَةِ
  زِيَادَةُ الْإِيمَانِ مِنْ ثَمَرَاتِ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِهِ
  وَسَائِلُ صِلَةِ الرَّحِمِ
  حَثُّ اللهِ عَلَى العَمَلِ وَتَعْمِيرِ الْأَرْضِ فِي الْقُرْآنِ
  نِدَاءٌ إِلَى طُلَّابِ الْعِلْمِ
  آدَابُ الْحِوَارِ فِي الْإِسْلَامِ
  الْمَوْعِظَةُ السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ : ((أَحْكَامُ زَكَاةِ الْفِطْرِ))
  الدُّرُوسُ العَظِيمَةُ مِنْ تَحْوِيلِ القِبْلَةِ
  أُصُولُ الشَّرِيعَةِ سَبِيلُ صَلَاحِ النَّاسِ
  جُمْلَةٌ عَظِيمَةٌ مِنَ انْتِصَارَاتِ الْمُسْلِمِينَ فِي رَمَضَانَ
  • شارك