مَعْرِفَةُ شُرُوطِ الْبَيْعِ وَثَمَرَاتُهَا


 ((مَعْرِفَةُ شُرُوطِ الْبَيْعِ وَثَمَرَاتُهَا))

إِنَّ مِنَ الْوَاجِبَاتِ عَلَى كُلِّ مَنْ تَصَدَّرَ لِلْبَيْعِ أَنْ يَعْرِفَ شُرُوطَ الْبَيْعِ؛ حَتَّى لَا يَقَعَ فِي الْحَرَامِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُثْمِرُ الْبَرَكَةَ فِي بَيْعِهِ وَمَالِهِ.

((وَالْبَيْعُ لَهُ شُرُوطٌ؛ وَهَذِهِ الشُّرُوطُ هِيَ:

*الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: التَّرَاضِي بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي؛ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [النساء: 29].

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ)). الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إِذَا أُكْرِهَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَإِنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ؛ كَأَنْ يُكْرِهُ الْحَاكِمُ شَخْصًا عَلَى بَيْعِ شَيْءٍ لِسَدَادِ دَيْنِهِ؛ صَحَّ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ)) .

وَالْقَاضِي هُوَ الْحَاكِمُ هُنَا.. كَأَنْ يُكْرِهُ الْقَاضِي شَخْصًا عَلَى بَيْعِ شَيْءٍ مِمَّا يَمْتَلِكُهُ لِسَدَادِ دَيْنِهِ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ الْبَيْعَ، وَإِنَّمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَقَعُ هَذَا الْبَيْعُ صَحِيحًا مَعَ الْإِكْرَاهِ.

((*الشَّرْطُ الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ: كَوْنُ الْعَاقِدِ جَائِزَ التَّصَرُّفِ؛ بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا رَشِيدًا.

*وَالثَّالِثُ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ: أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ مَالِكًا لِلْمَبِيعِ، أَوْ قَائِمًا مَقَامَ مَالِكِهِ؛ كَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْوَلِيِّ وَالنَّاظِرِ عَلَى الْوَقْفِ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَبِيعَ شَخْصٌ شَيْئًا لَا يَمْلِكُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ﷺ: ((لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ)) )) .

فَلَا بُدَّ مِنْ حِيَازَتِهِ أَنْ يَكُونَ مِلِكًا لَهُ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الْإِنْسَانُ مَا لَا يَمْلِكُهُ.

((*الرَّابِعُ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ: أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ؛ كَالْمَأَكُولِ، وَالْمَشْرُوبِ، وَالْمَلْبُوسِ، وَالْمَرْكُوبِ، وَالْعَقَارِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ)) .

وَقَوْلُهُمْ: مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ؛ لِأَنَّنَا قَدْ نَحْتَاجُ إِلَى مَا لَا يُبَاعُ، كَمَا قَدْ نُضْطَرُّ إِلَى اسْتِعْمَالِهِ كَالْمَيْتَةِ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَيْتَةِ، لِذَلِكَ قَيَّدُوا بِهَذِهِ الْقُيُودِ.. أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا ضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُضْطَرُّ إِلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ، فَيَكُونُ -حِينَئِذٍ- مُنْتَفِعًا بِالْمَيْتَةِ، فَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَيْتَةِ؟!!

لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقَيْدَ أَخْرَجَ الْمَيْتَةَ.

((فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ كَالْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَآلَاتِ اللَّهْوِ، وَالْمَعَازِفِ)) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ.. فَآلَاتُ الطَّرَبِ لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْخِنْزِيرُ وَالْخَمْرُ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّ اللهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةَ، وَالْخِنْزِيرَ، وَالْأَصْنَامَ)) .

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ اللهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ ثَمَنَهُ)) .

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((نَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ)) .

الشَّرْطُ الْخَامِسُ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ: أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ كَالْمَعْدُومِ -سَوَاءً بِسَوَاءٍ-، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ إِذْ هُوَ دَاخِلٌ فِي بَيْعِ الْغَرَرِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ قَدْ يَدْفَعُ الثَّمَنَ وَلَا يَحْصُلُ عَلَى الْمَبِيعَ، فَلَا يَجُوزُ -مَثَلًا- بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ، وَلَا بَيْعُ النَّوى فِي التَّمْرِ، وَلَا بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَلَا بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَلَا بَيْعُ الْحَمْلِ الَّذِي فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَلَا بَيْعُ الْحَيَوَانِ الشَّارِدِ)) .

فَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ كَالْمَعْدُومِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((نَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ)) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي ((الصَّحِيحِ)) .

الشَّرْطُ السَّادِسُ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ: أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِرُؤْيَتِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ عِنْدَ الْعَقْدِ، أَوْ بِوَصْفِهِ وَصْفًا يُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ غَرَرٌ، وَالْغَرَرُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا لَمْ يَرَهُ، أَوْ رَآهُ وَجَهِلَهُ، وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ.

الشَّرْطُ السَّابِعُ وَالْأَخِيرُ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ: أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا، بِتَحْدِيدِ سِعْرِ السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ، وَمَعْرِفَةِ قِيمَتَهَا)) .

فَهَذِهِ هِيَ شُرُوطُ الْبَيْعِ، وَفِيهَا مُرَاعَاةُ مَصْلَحَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَفِيهَا الْحِكْمَةُ الْعَالِيَةُ لِفَضِّ النِّزَاعِ بَيْنَ النَّاسِ عِنْدَ التَّبَايُعِ، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ الْمُطَهَّرَةَ إِنَّمَا هِيَ مِنْ عِنْدِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.

 

المصدر: ضَوَابِطُ الْأَسْوَاقِ وَآدَابُهَا

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مِنْ مَعَانِي الْخِيَانَةِ
  الْمَوْعِظَةُ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ : ((صُوَرٌ مِنْ جُودِ وَكَرَمِ النَّبِيِّ ﷺ))
  اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ يُؤيِّدُ أَنْبِيَاءَهُ بِالْمُعْجِزَاتِ
  الْإِسْلَامُ دِينُ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ
  تَقْدِيمُ الْمَصْلَحَةِ الْخَاصَّةِ فِي حَالَاتٍ يُهْلِكُ الْجَمِيعَ!!
  التَّرْغِيبُ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالتَّرْهِيبُ مِنْ مَنْعِهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  آدَابُ النَّظَافَةِ
  عِظَمُ شَأْنِ الْأَمَانَةِ وَخُطُورَةُ رَفْعِهَا
  كَثْرَةُ الْأُمَّةِ عِزٌّ لَهَا وَقَضِيَّةُ تَنْظِيمِ النَّسْلِ
  مِنْ دُرُوسِ وَفَوَائِدِ قِصَّةِ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: طَاعَةُ الْوَلَدِ لِأَبِيهِ فِي أَمْرِ اللهِ تَعَالَى
  الدرس العشرون : «حِفْظُ اللسَانِ»
  فِقْهُ الْمَقَاصِدِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ الْجَلِيلَاتِ
  أَفْضَلُ الصُّوَّامِ أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا للهِ
  حُبُّ الْوَطَنِ وَمَنْزِلَتُهُ فِي ضَوْءِ الشَّرْعِ الْحَنِيفِ
  النَّبِيُّ ﷺ رَحْمَةٌ وَهِدَايَةٌ لِلْعَالَمِينَ
  • شارك