((مَشْرُوعِيَّةُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَحِكْمَتُهُمَا))
إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ شَرَعَ لِعِبَادِهِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ؛ وُصُولًا إِلَى الْغَرَضِ، وَدَفْعًا لِلْحَاجَةِ؛ حَيْثُ يَقُولُ -سُبْحَانَهُ-: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [ البقرة: 275].
وَأَحَلَّ اللهُ لَكُمُ الْأَرْبَاحَ فِي التِّجَارَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ نَفْعٍ لِلْأَفْرَادِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَحَرَّمَ الرِّبَا الَّذِي هُوَ زِيَادَةٌ فِي الْمَالِ لِأَجْلِ تَأْخِيرِ الْأَجَلِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ اسْتِغْلَالٍ وَضَيَاعٍ وَهَلَاكٍ.
وَلَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ مُنْذُ الْأَزَلِ عَلَى إِقَامَةِ الْأَسْوَاقِ الَّتِي يَتَبَادَلُونَ فِيهَا مَنَافِعَهُمْ، وَيُحَقِّقُونَ مِنْ خِلَالِهَا مَصَالِحَهُمْ، وَجَاءَتْ آيَاتُ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ لِتُبَيِّنَ أَنَّ ذَلِكَ سِمَةٌ مِنْ سِمَاتِ الْبَشَرِ؛ حَيْثُ يَقُولُ -سُبْحَانَهُ-: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: 20].
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ يَا رَسُولَ اللهِ أَحَدًا مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ؛ طَلَبًا لِمَعَاشِهِمْ وَلِاكْتِسَابِ أَرْزَاقِهِمْ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَهَذِهِ سُنَّةُ اللهِ فِي جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ السَّابِقِينَ، وَمَا أَنَا إِلَّا رَسُولٌ، وَمَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ، وَهُمْ كَانُوا بَشَرًا مِثْلِي يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ.
وَحَكَى الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ قَوْلَ الْمُشْرِكِينَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ: {وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: 7].
وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ مُتَعَجِّبِينَ: أَيُّ شَيْءٍ اخْتُصَّ بِهِ مُحَمَّدٌ حَتَّى اسْتَطَاعَ بِسَبَبِهِ أَنْ يَكُونَ رَسُولًا، وَالْحَالُ أَنَّهُ يَأْكُلُ الطَّعَامَ كَمَا نَأْكُلُ نَحْنُ، وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ كَمَا نَمْشِي يَلْتَمِسُ الْمَعَاشَ؟!!
وَفِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ يَقُولُ -سُبْحَانَهُ- حِكَايَةً عَنْ حَالِهِمْ: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ} [الكهف: 19].
فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِنُقُودِكُمُ الْفِضِّيَّةِ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمَعْهُودَةِ الَّتِي عِشْتُمْ فِيهَا وَخَرَجْتُمْ مِنْهَا، فَلْيَنْظُرْ أَيُّ أَطْعِمَةِ الْمَدِينَةِ أَكْثَرُ نَمَاءً وَزِيَادَةَ غِذَاءٍ يَصْلُحُ لِلِارْتِفَاقِ بِهِ وَلِلِادِّخَارِ أَطْوَلَ مُدَّةٍ مِنَ الزَّمَنِ، فَلْيَأْتِكُمْ بِقُوتٍ وَطَعَامٍ تَأْكُلُونَهُ.
المصدر: ضَوَابِطُ الْأَسْوَاقِ وَآدَابُهَا