اللهُ هُوَ الْعَفُوُّ الْكَرِيمُ


((اللهُ هُوَ الْعَفُوُّ الْكَرِيمُ))

فَمِنْ صِفَاتِ رَبِّنَا -جَلَّ وَعَلَا- صِفَةُ الْعَفْوِ؛ فَهُوَ الْعَفُوُّ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عَفْوِهِ، يَعْفُو عَنِ الْمُذْنِبِينَ فَلَا يُعَاجِلُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ، وَيَغْفِرُ ذُنُوبَهُمْ فَيُزِيلُهَا وَيُزِيلُ آثَارَهَا عَنْهُمْ.

فَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- هَذَا وَصْفُهُ الْمُسْتَقِرُّ اللَّازِمُ الذَّاتِيُّ، وَمُعَامَلَتُهُ لِعِبَادِهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ بِالْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ، فَلَوْلَا عَفْوُهُ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ.

وَهُوَ الْعَفُوُّ فَعَفْوُهُ وَسِعَ الْوَرَى = لَوْلَاهُ غَارَ الْأَرْضَ بِالسُّكَّانِ

وَمِنْ كَمَالِ عَفْوِهِ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ إِذَا تَابُوا إِلَيْهِ صَفَحَ عَنْهُمْ، وَمَحَا عَنْهُمْ أَخْطَاءَهُمْ وَزَلَّاتِهِمْ وَعَافَاهُمْ.

رَبِّ اعْفُ عَنْهُ وَعَافِهِ = فَلَأَنْتَ أَوْلَى مَنْ عَفَا

أَيْ: تَجَاوَزْ وَاصْفَحْ -كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ قَدِيمًا-.

اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعَاقِبَ، لَكِنَّهُ يَعْفُو -جَلَّ وَعَلَا- مَعَ الْقُدْرَةِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء: 49]؛ فَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْعَفْوَ إِنَّمَا هُوَ مَعَ الْقُدْرَةِ، فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ لَهُ الْحَقُّ وَيَعْفُو، وَلَكِنَّهُ يَعْفُو مَعَ الْعَجْزِ لَا مَعَ الْقُدْرَةِ، وَتَمَامُ الْعَفْوِ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُ تَمَامُ الْعَفْوِ فِي تَمَامِ الْقُدْرَةِ، وَهُوَ -تَعَالَى- الْعَفُوُّ الْقَدِيرُ.

الْعَفْوُ هُوَ الصَّفْحُ عَنِ الذُّنُوبِ، وَتَرْكُ مُجَاوَزَةِ الْأَمْرِ حَتَّى يَتِمَّ تَمَامُهُ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إِنْفَاذِ الْعَذَابِ فِيمَنْ تَجَاوَزَ.

فَالْعَفُوُّ الَّذِي أَزَالَ عَنِ النُّفُوسِ ظُلْمَةَ الزَّلَّاتِ بِرَحْمَتِهِ، وَعَنِ الْقُلُوبِ وَحْشَةَ الْغَفْلَاتِ بِكَرَامَتِهِ.

وَالْعَفْوُ فِي حَقِّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عِبَارَةٌ عَنْ إِزَالَةِ آثَارِ الذُّنُوبِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالْعَفْوُ أَبْلَغُ مِنَ الْمَغْفِرَةِ؛ لِأَنَّ الْغُفْرَانَ يُشْعِرُ بِالسَّتْرِ، وَأَمَّا الْعَفْوُ فَيُشْعِرُ بِالْمَحْوِ، وَالْمَحْوُ أَبْلَغُ مِنَ السَّتْرِ لَا مَحَالَةَ.

قَالَ ﷺ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: ((يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي)). 

ذَكَرَ هَذَا عَقِبَ قَوْلِهِ: ((يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ)).

فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ -تَعَالَى- بِهِمْ مِنْ غُفْرَانِ زَلَّاتِهِمْ، وَإِجَابَةِ دَعَوَاتِهِمْ، وَتَفْرِيجِ كُرُبَاتِهِمْ؛ لَيْسَ لِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ مِنْهُمْ، وَلَا لِدَفْعِ مَضَرَّةٍ يَتَوَقَّعُهَا مِنْهُمْ، كَمَا هُوَ عَادَةُ الْمَخْلُوقِ الَّذِي يَنْفَعُ غَيْرَهُ لِيُكَافِئَهُ بِنَفْعٍ مِثْلِهِ، أَوْ لِيَدْفَعَ عَنْهُ ضَرَرًا.

وَيَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: «يَا ابْنَ آدَمَ! أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ», يَقُولُ النَّبِيُّ : «يَمِينُهُ مَلْأَى، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ» .

 

المصدر: عَفْوُ اللهِ الْكَرِيمِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ
  فَضَائِلُ الْعِلْمِ
  عَاقِبَةُ إِهْمَالِ أَدَوَاتِ الْفَهْمِ وَالْوَعْيِ
  أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا
  دُرُوسٌ مِنْ قِصَّةِ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-
  سَعَادَةُ الْعَالَمِ وَصَلَاحُهُ فِي اتِّبَاعِ الْوَحْيِ
  التَّرْهِيبُ مِنَ الْخِيَانَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  الدُّنْيَا دَارُ بَلَاءٍ وَابْتِلَاءٍ!
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ لِلْحِفَاظِ عَلَى الْأَوْطَانِ: الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ بِعَقِيدَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي حُقُوقِ الْحُكَّامِ
  انْتِصَارَاتُ الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ بَيْنَ الْمَاضِي وَالْحَاضِ
  الْعِلْمُ الصَّحِيحُ يُورِثُ الْخَشْيَةَ
  انْحِرَافِ الشَّبَابِ.. الْوَاقِعُ وَالْعِلَاجُ
  فَهْمُ مَقَاصِدِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ
  بِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَتَقْدِيمُ حَقِّ الْأُمِّ
  الدرس الثاني : «الْإِخْلَاصُ»
  • شارك