اتِّبَاعُ النَّبِيِّ ﷺ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي دِينِهِ وَخُلُقِهِ


((اتِّبَاعُ النَّبِيِّ ﷺ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي دِينِهِ وَخُلُقِهِ))

قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].

فَإِنْ نَظَرْتَ إِلَى وَصْفِ هَيْئَتِهِ ﷺ فَجَمَالٌ مَا بَعْدَهُ جَمَالٌ, وَإِنْ نَظَرْتَ إِلَى أَخْلَاقِهِ وَخِلَالِهِ فَكَمَالٌ مَا بَعْدَهُ كَمَالٌ, وَإِنْ نَظَرْتَ إِلَى إِحْسَانِهِ وَفَضْلِهِ عَلَى النَّاسِ جَمِيعًا -وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ خُصُوصًا- فَوَفَاءٌ مَا بَعْدَهُ وَفَاءٌ.

وَفِيهِ يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- :

وَأَحْسَنُ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي   =   وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ

وَرَسُولُ اللهِ ﷺ هُوَ الْقُدْوَةُ لِجَمِيعِ النَّاسِ, حَتَّى إِنَّ بَعْضَ الَّذِينَ عَلَى غَيْرِ دِينِهِ مِنَ الْعُقَلَاءِ وَالْمُنْصِفِينَ يَتَّخِذُونَهُ قُدْوَةً لَهُمْ, وَيُعْجَبُونَ بِشَخْصِيَّتِهِ؛ فَقَدْ وَضَعَ الْأَمْرِيكِيُّ (مَايْكِل هَارْت) فِي كِتَابِهِ ((الْعُظَمَاءُ الْمِائَةُ فِي التَّارِيخِ)) مُحَمَّدًا ﷺ الْأَوَّلَ فِي أَهَمِّ وَأَعْظَمِ رِجَالِ التَّارِيخِ.

إِنَّ مُتَابَعَةَ النَّبِيِّ ﷺ هِيَ مُقْتَضَى الشَّهَادَةِ بِأَنَّ ((مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ)), وَلَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِهَا؛ إِذْ مَعْنَى الشَّهَادَةِ لَهُ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللهِ حَقًّا: ((طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ, وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ, وَاجْتِنَابُ مَا عَنْهُ نَهَى وَزَجَرَ, وَأَلَّا يُعْبَدُ اللهُ إِلَّا بِمَا شَرَعَ)) .

وَهَذَا تَمَامُ الْمَحَبَّةِ, وَكَمَالُ التَّعْظِيمِ, وَغَايَةُ التَّوْقِيرِ, وَأَيُّ تَعْظِيمٍ أَوْ مَحَبَّةٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ لَدَى مَنْ شَكَّ فِي خَبَرِهِ، أَوِ اسْتَنْكَفَ عَنْ طَاعَتِهِ، أَوِ ارْتَكَبَ مُخَالَفَتَهُ، أَوِ ابْتَدَعَ فِي دِينِهِ وَعَبَدَ اللهَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ؟!!

وَلِذَا اشْتَدَّ نَكِيرُ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- عَلَى مَنْ سَلَكُوا فِي الْعِبَادَةِ سَبِيلًا لَمْ يَشْرَعْهَا؛ فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ} [الشورى: 21].

وَقَالَ ﷺ: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

((رَدٌّ))؛ أَيْ: مَرْدُودٌ عَلَيْهِ.

فَإِذَا كَانَتِ الْمَحَبَّةُ وَالتَّعْظِيمُ عِبَادَةً؛ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ وَالْجَوَارِحُ.

وَيَتَحَقَّقُ تَعْظِيمُ النَّبِيِّ ﷺ بِالْقَلْبِ؛ بِتَقْدِيمِ مَحَبَّتِهِ عَلَى النَّفْسِ, وَالْوَالِدِ, وَالْوَلَدِ, وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ؛ إِذْ لَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ إِلَّا بِذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ لَا تَوْقِيرَ وَلَا تَعْظِيمَ بِلَا مَحَبَّةٍ, وَإِنَّمَا يَزْرَعُ هَذِهِ الْمَحَبَّةَ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ, وَالْإِحَاطَةُ بِشَيْءٍ مِنْ مَحَاسِنِهِ ﷺ.

وَإِذَا اسْتَقَرَّتْ تِلْكَ الْمَحَبَّةُ الصَّادِقَةُ فِي الْقَلْبِ كَانَ لَهَا لَوَازِمُ, هِيَ فِي حَقِيقَتِهَا مَظَاهِرُ لِلتَّعْظِيمِ وَدَلَائِلُ عَلَيْهِ تَظْهَرُ عَلَى اللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ.

وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْآيَةَ الَّتِي قَالَ الْعُلَمَاءُ: ((إِنَّهَا آيَةُ الْمِحْنَةِ، أَوْ آيَةُ الِاخْتِبَارِ)) ؛ لِأَنَّ أَقْوَامًا يَدَّعُونَ مَحَبَّةَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هَذِهِ الْآيَةَ امْتِحَانًا وَاخْتِبَارًا؛ مِنْ أَجْلِ تَقْدِيمِ الدَّلِيلِ وَإِقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَى صِدْقِ الدَّعْوَى، فَأَنْزَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَوْلَهُ: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [ آل عمران: 31] .

اتِّبَاعُ النَّبِيِّ ﷺ.. أَوَّلُ ذَلِكَ أَنْ يَجْتَهِدَ الْإِنْسَانُ فِي اتِّبَاعِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْعَقِيدَةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا؛ أَلَّا يَأْتِيَ بِالتَّمْثِيلِ وَلَا التَّعْطِيلِ، وَأَلَّا يَأْتِيَ بِالتَّجْسِيمِ وَلَا بِالتَّشْبِيهِ، أَلَّا يَأْتِيَ بِالْغُلُوِّ، وَأَلَّا يَأْتِيَ بِالْجَفَاءِ، أَلَّا يَكُونَ خَارِجِيًّا، وَأَلَّا يَكُونَ مُرْجِئِيًّا، وَأَلَّا يَكُونَ مُئَوِّلًا وَلَا مُشَبِّهًا وَلَا مُجَسِّمًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ آتِيًا بِالْعَقِيدَةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ.

يَعْرِفُ رَبَّهُ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَيُطِيعُ رَبَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِيمَا كَلَّفَهُ بِهِ مِنْ أَمْرٍ آخِذًا بِأَسْبَابِهِ، فَلَا يَكُونُ جَبْرِيًّا يَتَوَاكَلُ قَائِلًا: إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا قُدِّرَ! وَيَحْتَجُّ بِالْقَدَرِ عَلَى الْمَعَاصِي!!

وَلَا يَكُونُ قَدَرِيًّا؛ فَيَجْعَلُ مَشِيئَةَ الْعَبْدِ نَافِذَةً وَلَا مَشِيئَةَ لِرَبِّهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُمُ الَّذِينَ جَاءَ النَّبِيُّ ﷺ بِمِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ الَّذِي عَلَيْهِ يَسِيرُ أَهْلُ السُّنَّةِ.

فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُتَابِعًا لِلنَّبِيِّ ﷺ فِي عَقِيدَتِهِ، فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْوَحْيِ مِنْ رَبِّهِ، فِيمَا دَلَّ بِهِ عَلَى أَسْمَاءِ رَبِّهِ وَصِفَاتِهِ، وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَمَا أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ مِنْ أَمْرٍ وَمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ نَهْيٍ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ ﷺ.

فَيَأْتِي الْإِنْسَانُ بِالْمُتَابَعَةِ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ فِي الْعَقِيدَةِ، وَفِي الْقَوْلِ؛ فَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا بِمَا يُوَافِقُ الشَّرْعَ مُتَابِعًا لِرَسُولِ اللهِ ﷺ.

فَمِنْ أَجْلِ أَنْ تَكُونَ مُتَابِعًا، مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحِبَّكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.. يَنْبَغِي أَنْ تُتَابِعَ النَّبِيَّ ﷺ بَدْءًا فِي عَقِيدَتِهِ؛ إِذْ إِنَّهُ أُرْسِلَ بِهَذَا الْأَمْرِ كَمَا أُرْسِلَ النَّبِيُّونَ وَالْمُرْسَلُونَ لِتَوْحِيدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

فَتُتَابِعُ النَّبِيَّ ﷺ فِي عَقِيدَتِهِ!

وَتُتَابِعُ النَّبِيَّ ﷺ فِي قَوْلِهِ!

وَتُتَابِعُ النَّبِيَّ ﷺ فِي فِعْلِهِ!

وَتُتَابِعُ النَّبِيَّ ﷺ فِي أَخْلَاقِهِ وَفِي سُلُوكِهِ ﷺ؛ {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ}.

 

 

المصدر: التَّأَسِّي بِأَخْلَاقِ الرَّسُولِ الْكَرِيمِ ﷺ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ مُوَاجَهَةِ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ: صُحْبَةُ الصَّالِحِينَ وَمُجَانَبَةُ الْفَاسِدِينَ
  عِبَادَةُ النَّبِيِّ ﷺ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ
  مَسْئُولِيَّةُ الْمُسْلِمِ وَوَاجِبَاتُهُ تِجَاهَ إِخْوَانِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
  الزَّوَاجُ نِعْمَةٌ وَقُرْبَةٌ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-
  مِنْ سُبُلِ بِنَاءِ الْأُمَّةِ: الْعَمَلُ الْجَادُّ
  تَعَلُّقُ الْخِيَانَةِ بِالضَّمِيرِ
  الْحَثُّ عَلَى اسْتِغْلَالِ مَرْحَلَةِ الشَّبَابِ فِي الْعِبَادَةِ وَالْعَمَلِ
  وَسَطِيَّةُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ
  الْإِسْلَامُ دِينٌ كَرَّمَ الْإِنْسَانَ
  الْمُسْلِمُ الْإِيجَابِيُّ الْجَادُّ، الْفَائِقُ الْمُمْتَازُ
  ثَلَاثُونَ وَصِيَّةً لِلْأَبْنَاءِ فَاحْرِصْ عَلَيْهَا
  مِنْ سُبُلِ الْحِفَاظِ عَلَى الْمِيثَاقِ الْغَلِيظِ: مَعْرِفَةُ حُقُوقِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَمُرَاعَاتُهَا
  مَبْنَى حَرَكَةِ حَيَاةِ الْمُسْلِمِ عَلَى نِظَامٍ مُحْكَمٍ
  حُكْمُ الشَّائِعَاتِ فِي الْإِسْلَامِ
  مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ مُوَاجَهَةِ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ: إِدْمَانُ ذِكْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
  • شارك