الْكَلِمَةُ أَمَانَةٌ؛ فَأَمْسِكُوا أَلْسِنَتَكُمْ!


((الْكَلِمَةُ أَمَانَةٌ؛ فَأَمْسِكُوا أَلْسِنَتَكُمْ!))

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ! لَوْ أَنَّنَا كَفَفْنَا عَنِ الْكَلَامِ فِيمَا لَا يَعْنِي؛ فَلَنْ نَتَكَلَّمَ؛ لِأَنَّنَا لَا نَتَكَلَّمُ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا فِيمَا لَا يَعْنِينَا!

ارْجِعْ إِلَى نَفْسِكَ صَادِقًا، وَفَتِّشْ فِي نَفْسِكَ وَاعِيًا؛ وَسَتَرَى صِدْقَ مَا أَقُولُ -إِنْ شَاءَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا--.

مَا نِسْبَةُ مَا يَعْنِيكَ إِلَى مَا لَا يَعْنِيكَ فِيمَا تَتَكَلَّمُ بِهِ إِلَّا كَتَفْلَةٍ فِي بَحْرٍ، إِلَّا كَرَمْلَةٍ فِي صَحْرَاءَ جَرْدَاءَ لَا أَمَدَ لَهَا.

أَمْسِكْ لِسَانَكَ حَتَّى تَتَوَفَّرَ عَلَيْكَ طَاقَةُ عَقْلِكَ وَطَاقَةُ قَلْبِكَ؛ مِنْ فَهْمِكَ، مِنْ حِفْظِكَ، مِنْ عِلْمِكَ، مِن ذِكْرِك، مِنْ تُقَاكَ وَتَقْوَاكَ، فَهَذَا كُلُّهُ بِسَبَبِ هَذِهِ الْآفَةِ.

فَلَوْ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ.. لَوْ أنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ -فَهَذَا نَافِعٌ لِكُلِّ إِنْسَانٍ، هَذَا مَبْدَأٌ إِنْسَانِيٌّ عَامٌّ، كَقَوْلِهِ ﷺ: ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ)) ، هَذَا يَنْفَعُ الْكَافِرَ وَيَنْفَعُ الْمُسْلِمَ نَفْعًا مُضَاعَفًا؛ لِأَنَّ مَا يَنْفَعُهُ بِالضَّرُورَةِ وَبِالْأَوَّلِيَّةِ يَتَعَلَّقُ بِآخِرَتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِنَّهُ يَحْرِصُ عَلَى مَا يَنْفَعُهُ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهُ فَيَسْتَفِيدُ أَيْضًا.

فَكَذَلِكَ لَا تَتَكَلَّمْ فِيمَا لَا يَعْنِيكَ، وَفِّرْ طَاقَةَ عَقْلِكَ وَطَاقَةَ قَلْبِكَ وَاحْفَظْ عَلَى نَفْسِكَ وَقْتَكَ وَاسْتَثْمِرْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَالَ فَرْعُ الْوَقْتِ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِالْوَقْتِ فَقَدْ تَصَدَّقَ بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إِنَّمَا هُوَ حَصِيلَةُ عَمَلٍ وَبَذْلِ مَجْهُودٍ فِي وَقْتٍ، وَالْوَقْتُ هُوَ الْأَصْلُ، وَعَلَيْهِ؛ فَعَلَيْكَ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِهَذَا الْوَقْتِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، فِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمِينَ، فِي تَقْرِيبِ مَا بَيْنَ الْمُتَنَازِعِينَ، فِي بَثِّ الْعِلْمِ النَّافِعِ، فِي الدَّعْوَةِ إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ.

خَطَرُ اللِّسَانِ عَظِيمٌ، وَلَا نَجَاةَ مِنْهُ إِلَّا بِالنُّطْقِ بِالْخَيْرِ؛ فَعَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ الْعَبْدِ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ)) . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي ((الصَّمْتِ))، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.

وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ: ((يَا لِسَانُ! قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ، وِاسْكُتْ عَنْ شَرٍّ تَسْلَمْ مِنْ قَبْلَ أَنْ تَنْدَمَ)) .

وَقَالَ ﷺ: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)) .

فَاخْزُنْ لِسَانَكَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ، فَإِنَّكَ بِذَلِكَ تَغْلِبُ الشَّيْطَانَ.

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُطَهِّرَنَا مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ كُلِّهَا, وَأَنْ يُقِيمَ أَلْسِنَتَنَا عَلَى الْجَادَّةِ مُسْتَقِيمَةً بِغَيْرِ اعْوِجَاجٍ.

اللهم احْفَظْ أَلْسِنَتَنَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَقُلُوبَنَا مِنْ كُلِّ وَارِدِ شَرٍّ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

المصدر:أَمَانَةُ الْكَلِمَةِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مِنْ فَضَائِلِ شَهْرِ شَعْبَانَ
  مِنْ سُبُلِ بِنَاءِ الْأُمَمِ: التَّوْبَةُ مِنَ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ
  الذِّكْرُ هُوَ بَابُ الْفَتْحِ الْأَعْظَمِ
  نِدَاءٌ إِلَى طُلَّابِ الْعِلْمِ
  مِنْ مَعَالِمِ بِرِّ الْمُسْلِمِينَ بِأَوْطَانِهِمْ: إِجْلَالُهُمُ الْعُلَمَاءَ وَأَخْذُهُمْ بِمَشُورَتِهِمْ وَنُصْحِهِمْ
  رَحْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْغَزَوَاتِ وَالْحُرُوبِ
  مَعَانِي التَّضْحِيَةُ فِي دِينِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-
  حَقِيقَةُ الْخَوَنَةِ لِمِصْرَ الْحَبِيبَةِ فِي السَّنَوَاتِ الْأَخِيرَةِ
  الْكَلَامُ طَيِّبٌ وَخَبِيثٌ وَبَيَانُ شَأْنِهِ
  أَسْبَابُ طُولِ الْأَمَلِ
  الْإِيمَانُ تَصْلُحُ بِهِ الْحَيَاةُ عَلَى مُسْتَوَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ
  مَظَاهِرُ الْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ وَالْمَوَاثِيقِ فِي الْحَيَاةِ
  التَّحْذِيرُ مِنْ إِيذَاءِ الْيَتِيمِ وَقَهْرِهِ
  تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى حُبِّ تَعَلُّمِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّة
  الْأَمَلُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
  • شارك