مِنْ أَعْظَمِ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: تَرْبِيَتُهُ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ


((مِنْ أَعْظَمِ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ:

تَرْبِيَتُهُ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ))

((إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ فِي كَفَالَةِ الصَّالِحِينَ الْأَخْيَارِ؛ فَإِنَّ الْمُرَبِّيَ وَالْكَافِلَ لَهُ الْأَثَرُ الْأَعْظَمُ فِي حَيَاةِ الْمَكْفُولِ وَأَخْلَاقِهِ وَآدَابِهِ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ اللهُ الْمُرَبِّينَ بِالتَّرْبِيَةِ الطَّيِّبَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْحَثِّ عَلَى الْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ، وَالتَّرْهِيبِ مِنْ مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ)).

*أُسُسُ تَرْبِيَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَالصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- لِلنَّاشِئَةِ:

مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنَاطَ التَّكْلِيفِ فِي الْإِسْلَامِ: الْبُلُوغُ مَعَ الرُّشْدِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلَكِنْ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْأُمُورِ أَنْ يُرَاعُوا أَبْنَاءَهُمْ فِي صِغَرِهِمْ، وَيُرَبُّوهُمْ عَلَى تَحَمُّلِ تَكَالِيفِ الْإِسْلَامِ؛ حَتَّى تَسْهُلَ عَلَى نُفُوسِهِمْ، وَيَنْشَئُوا عَلَى حُبِّهَا، وَيُدَاوِمُوا عَلَيْهَا.

وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ((مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ، وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ)). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُ.

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: «عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلَاةَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرٍ».

وَقَدْ كَانَ الرَّسُولُ ﷺ وَالصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- يَقُومُونَ بِتَرْبِيَةِ النَّاشِئَةِ عَلَى الْأَدَبِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى الْتِزَامِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، فَقَدْ رَأَى الرَّسُولُ ﷺ رَبِيبَهُ فِي حَجْرِهِ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- رَآهُ تَطِيشُ يَدُهُ فِي الصَّحْفَةِ أَثْنَاءَ الطَّعَامِ -وَكَانَ يَأْكُلُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ-، فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ ﷺ -مُعَلِّمًا، وَمُهَذِّبًا، وَمُؤَدِّبًا-: ((يَا غُلَامُ! سَمِّ اللهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ)).

وَيَبْقَى أَثَرُ هَذَا التَّأْدِيبِ فِي نَفْسِ الْغُلَامِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ حَيَاتَهُ كُلَّهَا، اسْتَمِعْ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ بَعْدُ: ((فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ.

أَيْ: فَمَا زَالَتْ تِلْكَ هَيْئَةَ أَكْلَتِي بَعْدُ، عَلَى حَسَبِ مَا عَلَّمَهُ إِيَّاهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي ((صَحِيحِهِ))، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: ((كُنَّا نُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ -أَيْ: مِنَ الصُّوفِ- فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ؛ أَعْطَيْنَاهُ ذَلِكَ -تَعْنِي: اللُّعْبَةَ- حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ)).

فَهَكَذَا تَرْبِيَةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَكَذَلِكَ رَبَّى الصَّحَابَةُ الْكِرَامُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَبْنَاءَهُمْ، فَخَرَجَتْ أَجْيَالٌ مُسْلِمَةٌ تَنْشُرُ الْخَيْرَ فِي رُبُوعِ الْأَرْضِ، وَعَاشَتْ بِالْإِسْلَامِ وَلِلْإِسْلَامِ.

لَقَدْ حَثَّ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ عَلَى ضَرُورَةِ الِاهْتِمَامِ بِتَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ وَالشَّبَابِ؛ قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا- فِي أَصْحَابِ الْكَهْفِ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13].

نَحْنُ بِعَظَمَةِ رُبُوبِيَّتِنَا وَشُمُولِ عِلْمِنَا نَقْرَأُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ؛ خَبْرَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ذَا الشَّأْنِ، مُتَّصِفًا بِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ، إِنَّهُمْ شُبَّانٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ، وَزِدْنَاهُمْ بِمَعُونَتِنَا وَتَوْفِيقِنَا إِيمَانًا وَبَصِيرَةٍ.

وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِتْيَانَ الشَّبَابَ أَسْرَعُ اسْتِجَابَةً لِنِدَاءِ الْحَقِّ، وَأَشَدُّ عَزْمًا وَتضْحِيَةً فِي سَبِيلِهِ.

وَمِنْ فَوَائِدِ الْآيَةِ:

ضَرُورَةُ الِاهْتِمَامِ بِتَرْبِيَةِ الشَّبَابِ؛ لِأَنَّهُمْ أَزْكَى قُلُوبًا، وَأَنْقَى أَفْئِدَةً، وَأَكْثَرُ حَمَاسًا، وَعَلَيْهِمْ تَقُومُ نَهْضَةُ الْأُمَمِ.

وَقَدْ جَمَعَ الشَّبَابُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَتَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالْتِزَامِ ذَلِكَ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ مَعْرِفَتِهِمْ بِرَبِّهِمْ، وَزِيَادَةِ الْهُدَى مِنَ اللهِ تَعَالَى لَهُمْ.

 

المصدر:تَرْبِيَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّة وَحُقُوقُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  دِينُ الِاسْتِقَامَةِ وَالتَّوَازُنِ
  انْحِرَافِ الشَّبَابِ.. الْوَاقِعُ وَالْعِلَاجُ
  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: رِعَايَتُهُ وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ حَلَالٍ
  الدَّعْوَةُ إِلَى إِفْرَادِ اللهِ بِالْعِبَادَةِ
  نَصِيحَةُ النَّبِيِّ ﷺ لِلنِّسَاءِ يَوْمَ الْعِيدِ
  الْوَفَاءُ بِالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ مَعَ النَّاسِ كَافَّةً
  دِينُ اللهِ مُحَارَبٌ، وَلَكِنَّهُ دِينٌ مَنْصُورٌ عَزِيزٌ
  الحث على بِرِّ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنَ الأَرْحَامِ
  الصِّيَامُ وَالْقِيَامُ مُمْتَدَّانِ طُوَالَ الْعَامِ
  أَهَمِّيَّةُ الْفَهْمِ وَالْوَعْيِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ
  الْهِجْرَةُ إِلَى الْحَبَشَةِ أَوَّلُ هِجْرَةٍ فِي الْإِسْلَامِ
  بَيَانُ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ
  حُقُوقُ الْأَطْفَالِ فِي الْإِسْلَامِ
  ضَوَابِطُ الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ الْمَشْرُوعِ وَالْعَمَلُ الْجَمَاعِيُّ التَّنْظِيمِيُّ الْمُبْتَدَعُ
  • شارك