مَبْنَى الشَّرِيعَةِ وَقِيَامُ السُّنَّةِ عَلَى التَّيْسِيرِ


((مَبْنَى الشَّرِيعَةِ  وَقِيَامُ السُّنَّةِ عَلَى التَّيْسِيرِ))

إِنَّ مَدَارَ الشَّرِيعَةِ عَلَى نَفْيِ الْحَرَجِ وَإِثْبَاتِ التَّيْسِيرِ،  قَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر} [البقرة: 185].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78].

هُوَ اللهُ الَّذِي اخْتَارَكُمْ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- مِنْ دُونِ سَائِرِ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ لِحَمْلِ الرِّسَالَةِ الْخَاتِمَةِ، وَحَمَّلَكُمْ وَظِيفَةَ تَبْلِيغِ الدِّينِ الْخَاتَمِ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ.

وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ الَّذِي تَعَبَّدَكُمْ بِهِ ضِيقًا لَا مَخْرَجَ لَكُمْ مِمَّا ابْتُلِيتُمْ بِهِ، بَلْ وَسَّعَ عَلَيْكُمْ، فَجَعَلَ التَّوْبَةَ فِي بَعْضٍ مَخْرَجًا، وَالْكَفَّارَةَ فِي بَعْضٍ مَخْرَجًا، وَالْقِصَاصَ كَذَلِكَ.

وَشَرَعَ الْيُسْرَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَسَّعَ دِينَكُمْ تَوْسِعَةَ مِلَّةِ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ.

فَمَدَارُ شَرِيعَةِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- عَلَى نَفْيِ الْحَرَجِ وَرَفْعِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ فِي مُنْتَهَاهَا إِنَّمَا هِيَ جَلْبُ مَنْفَعَةٍ وَدَرْءُ مَفْسَدَةٍ.

وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مَا كَلَّفَ الْإِنْسَانَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَجَعَلَ لَهُ فِيهِ تَيْسِيرًا وَرَفَعَ عَنْهُ فِيهِ الْحَرَجَ.

فَتُشْتَرَطُ -مَثَلًا- الْقُدْرَةُ لِلصِّيَامِ:

فَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الصِّيامِ كَالْعَجْزِ الدَّائِمِ كَحَالِ كَبِيرِ السِّنِّ, أَوْ الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ -أَيْ: شِفَاؤُهُ مِنْ مَرَضِهِ- وَالَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ لِكِبَرِهِ: أَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا.

وَمِثَالٌ آخَرُ: الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ: وَهُوَ مِنَ الرُّخَصِ الَّتِي يُحِبُّ اللهُ تَعَالَى أَنْ تُؤْتَى، وَمِنْ تَسْهِيلَاتِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ.

فَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى ثُبُوتِهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ فِعْلِهِ، وَأَمْرِهِ بِذَلِكَ، وَتَرْخِيصِهِ فِيهِ.

وَمِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَرَوَى نَحْوَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْمُغِيرَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ نَحْوَهُ فِي ((الصَّحِيحِ))  مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.

فَالشَّارِعُ رَخَّصَ بَعْضَ الرُّخَصِ فِي الْعِبَادَاتِ؛ تَيْسِيرًا عَلَى عِبَادِهِ وَرَحْمَةً بِهِمْ.

وَمِنْ تِلْكَ الرُّخَصِ -أَيْضًا-: إِبَاحَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ -فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ الَّتِي يَجِدُ فِيهَا الْمُسْلِمُ الْمَشَقَّةَ كَالسَّفَرِ وَالْمَطَرِ الشَّدِيدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ-.

أُبِيحَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا، وَبَيْنَ صَلَاتَيِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كَذَلِكَ فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا.

وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ سَمَاحَةِ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَيُسْرِهَا، وَهُوَ فَضْلُ اللهِ تَعَالَى؛ لِئَلَّا يَجْعَلَ عَلَيْنَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ .

وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

 

المصدر:فَهْمُ مَقَاصِدِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَصَلَاحِيَتُهَا لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  عِبَادَةُ النَّبِيِّ ﷺ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ
  مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ: اسْتِقَامَةُ الْعَقِيدَةِ
  تَقْدِيمُ مَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ عَلَى الْمَصَالِحِ الْخَاصَّةِ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِ الْأَئِمَّةِ
  مَرَاتِبُ النَّاسِ فِي طُولِ الْأَمَلِ وَقِصَرِهِ
  وَسَائِلُ الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ السَّعِيدَةِ
  وَاجِبُ الْعُلَمَاءِ تَعْلِيمُ الْمُسْلِمِينَ طَبِيعَةَ عَدُوِّهِمْ
  فَضَائِلُ الْعِلْمِ
  اتِّبَاعُ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ وَالتَّحْذِيرُ مِنَ الْفَوْضَى
  ثَمَرَاتُ الْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ
  مَظَاهِرُ النِّظَامِ فِي عِبَادَةِ الْحَجِّ
  مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ سَبِيلٌ لِوَحْدَتِهَا
  وَسَائِلُ مُفِيدَةٌ لِسَعَادَةِ الْأُسْرَةِ وَالْحِفَاظِ عَلَيْهَا
  الدُّرُوسُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
  ثَمَرَاتُ الِاقْتِصَادِ الْقَوِيِّ عَلَى الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ
  وُجُوبُ شُكْرِ نِعْمَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
  • شارك