جُمْلَةُ حِكَمٍ عَظِيمَةٍ مِنْ تَحْوِيلِ القِبْلَةِ


((جُمْلَةُ حِكَمٍ عَظِيمَةٍ مِنْ تَحْوِيلِ القِبْلَةِ))

عِبَادَ اللهِ! لَقَدْ كَانَ لِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ حِكَمٌ كَثِيرَةٌ:

1*مِنْهَا: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ؛ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُؤْمِنُونَ بِاللهِ، وَرَسُولُهُمْ خَيْرُ الرُّسُلِ؛ لِأَنَّهُ ﷺ خَاتَمُهُمْ، وَبِرِسَالَتِهِ تَمَّ بِنَاءُ الدِّينِ الَّذِي وَضَعَ كُلُّ رَسُولٍ سَابِقٍ لَبِنَةً فِي هَيْكَلِهِ، حَتَّى تَمَّ عَلَى يَدَيْ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ.

وَكِتَابُهُمْ خَيْرُ الْكُتُبِ؛ لِأَنَّهُ مُصَدِّقٌ لَهَا، وَمُهَيْمِنٌ عَلَيْهَا؛ فَنَاسَبَ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُمْ خَيْرَ الْقِبَلِ.

وَخَيْرُ الْقِبَلِ: هِيَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، الَّذِي هُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ، وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا.

2*وَمِنَ الْحِكَمِ: أَنَّ الْجِهَةَ لَا تَكُونُ قِبْلَةً إِلَّا إِذَا وَجَّهَ اللهُ النَّاسَ شَطْرَهَا، فَكُلُّ جِهَةٍ وَجَّهَ اللهُ النَّاسَ شَطْرَهَا فَهِيَ قِبْلَةٌ، وَلَا فَضْلَ لِجِهَةٍ عَلَى أُخْرَى فِي ذَاتِهَا؛ وَلَكِنَّ الْجِهَةَ تَفْضُلُ غَيْرَهَا بِاخْتِيَارِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهَا ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.

3*وَمِنَ الْحِكَمِ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ حُجَّةَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ صَخْرَةَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَوَلَّى  الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ بِشَهَادَتِهِ -جَلَّ وَعَلَا- شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِيُثْبِتَ أَنَّهُ خَيْرُ الْمَسَاجِدِ، وَلِيَدْحَضَ حُجَّةَ الْمُعَانِدِينَ ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾[سورة البقرة: 150].

4*وَمِنَ الْحِكَمِ: أَنَّ مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ عَلَى الْأُمَّةِ الَّتِي تُعَدُّ شَرِيعَتُهَا مُتَّصِلَةً بِشَرِيعَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَمُجَدِّدَةً لَهَا: أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهَا هِيَ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ؛ لِتَتِمَّ لَهَا الْهِدَايَةُ ﴿وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.

5*وَمِنَ الْحِكَمِ فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ: مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الِامْتِحَانِ لِإِيمَانِ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ الصَّادِقَ الْإِيمَانِ يَمْتَثِلُ أَمْرَ اللهِ تَعَالَى بِغَيْرِ اعْتِرَاضٍ، وَلَا تَرَدُّدٍ، وَلَا إِنْكَارٍ.

وَلَكِنَّ ضَعِيفَ الْإِيمَانِ يُسَاوِرُهُ الشَّكُّ، وَتَعْبَثُ بِعَقْلِهِ الظُّنُونُ، وَقَدْ يَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى الرِّدَّةِ، وَيَدْفَعُهُ إِلَى الْمُرُوقِ مِنَ الْإِسْلَامِ ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ [البقرة: 143].

6*وَمِنَ الْحِكَمِ فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ: تَحْقِيقُ رَجَاءِ رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ إِذْ كَانَ يَرْجُو أَنْ يُوَلِّيَهُ اللهُ شَطْرَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهُ قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي بُعِثَ هُوَ ﷺ لِتَجْدِيدِ مِلَّتِهِ ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾.

7*وَمِنَ الْحِكَمِ: بَيَانُ أَنَّ الْبِرَّ لَا يَقِفُ عِنْدَ حَدِّ تَوْلِيَةِ الْوَجْهِ شَطْرَ جِهَةٍ خَاصَّةٍ؛ فَمَدَارُ الْإِيمَانِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ وَفِعْلِ الْخَيْرِ ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [سورة البقرة: 177].

8*وَمِنَ الْحِكَمِ: بَيَانُ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ اللهُ الْقِبْلَةَ؛ يَكُونُ اتِّبَاعُ غَيْرِهَا اتِّبَاعًا لِلْهَوَى، وَانْصِرَافًا عَنِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ الْقِبْلَةَ الَّتِي بَيَّنَهَا اللهُ هِيَ الْحَقُّ ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ﴾ [سورة البقرة: 144]..

9*وَمِنَ الْحِكَمِ: تَصْدِيقُ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ كُتُبُ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ يُصَلِّي إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ.

 

المصدر:تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ.. دُرُوسٌ وَعِبَرٌ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الشَّائِعَاتُ سِلَاحُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُغْرِضِينَ
  فَضَائِلُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ
  مَعَالِمُ عَمَلِيَّةٌ لِلنِّظَامِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ
  الْوَعْيُ بِتَحَدِّيَّاتِ الْوَطَنِ الرَّاهِنَةِ وَسُبُلِ مُوَاجَهَتِهَا
  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: رِعَايَتُهُ وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ حَلَالٍ
  تَرْغِيبُ اللهِ تَعَالَى فِي الْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ
  الدرس السابع : «العَدْلُ»
  سُنَنٌ مَهْجُورَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْأُضْحِيَةِ
  مِنْ مَعَالِمِ الرَّحْمَةِ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: إِبْطَالُ الرِّبَا الْمُدَمِّرِ لِلْمُجْتَمَعِ
  مُخْتَصَرُ أَحْكَامِ الْأُضْحِيَةِ
  عَاقِبَةُ إِهْمَالِ أَدَوَاتِ الْفَهْمِ وَالْوَعْيِ
  الْوَعْيُ بِمَا يُرَدُّ بِهِ كَيْدُ الشَّيْطَانِ وَيُدْفَعُ بِهِ شَرُّهُ
  النَّفْسُ مَعَ صَاحِبِهَا كَالشَّرِيكِ فِي الْمَالِ!!
  حَضَّ الْإِسْلَامُ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَنَبَذَ الْكَرَاهِيَةَ
  آثَارُ السَّلَفِ فِي مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ
  • شارك