ذِكْرُ كِبَرِ السِّنِّ وَالشَّيْخُوخَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ


 ((ذِكْرُ كِبَرِ السِّنِّ وَالشَّيْخُوخَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ))

*مَرْحَلَةُ كِبَرِ السِّنِّ وَالشَّيْخُوخَةِ تَكُونُ بِقَدَرِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-:

قَالَ اللهُ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم: 54].

اللهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي بَدَأَ خَلْقَكُمْ مِنْ نُطْفَةٍ، وَأَنْشَأَكُمْ عَلَى ضَعْفِ حَالِ الطُّفُولَةِ، ثُمَّ جَعَلَ اللهُ فِيكُمْ مِنْ بَعْدِ ضَعْفِ الطُّفُولَةِ شَيْئًا مِنَ الْقُوَّةِ النِّسْبِيَّةِ الَّتِي تَتَدَرَّجُ مُتَصَاعِدَةً حَتَّى تَبْلُغُوا كَمَالَ قُوَّتِكُمْ، وَهِيَ قُوَّةُ الشَّبَابِ، ثُمَّ جَعَلَ اللهُ بَعْدَ هَذِهِ الْقُوَّةِ ضَعْفَ الْكِبَرِ وَالْهَرَمِ وَضَعْفَ الشَّيْخُوخَةِ وَالشَّيْبَ، فَتَتَنَاقَصُ لَدَيْكُمْ هَذِهِ الْقُوَّةُ تَدْرِيجِيًّا حَتَّى تَصِلَ إِلَى تَمَامِ الضَّعْفِ وَنِهَايَةِ الْكِبَرِ إِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْمُعَمَّرِينَ، أَوْ تُوَافِيكُمْ مَنَايَاكُمْ قَبْلَ ذَلِكَ.

يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ خَلْقَهُ؛ مِنَ الضَّعْفِ وَالْقُوَّةِ، وَالشَّبَابِ وَالشَّيْبَةِ، وَهُوَ الْعَلِيمُ بِتَدْبِيرِ خَلْقِهِ، الْقَدِيرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يَشَاؤُهُ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5].

وَمِنْكُمْ مَنْ يَتَوَفَّى قَبْلَ بُلُوغِ وَقْتِ الشَّبَابِ وَالْقُوَّةِ وَاكْتِمَالِ الْعَقْلِ، وَبَعْضُكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى الْهَرَمِ وَالْخَرَفِ وَضَعْفِ الْعَقْلِ، فَيَبْلُغُ السِّنَّ الَّذِي يَتَغَيِّرُ بِهِ عَقْلُهُ، فَلَا يَعْقِلُ هَذَا الْمُعَمَّرُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ يَعْلَمُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَيَصِيرُ كَمَا كَانَ فِي أَوَّلِ طُفُولَتِهِ؛ ضَعِيفَ الْبِنْيَةِ، قَلِيلَ الْإِدْرَاكِ.

*وَذَكَرَ اللهُ بُلُوغَ الْبَعْضِ الْكِبَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ:

وَقَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23].

وَأَنْهَى رَبُّكَ إِرَادَتَهُ التَّكْلِيفِيَّةَ بِقَضَاءٍ مُبْرَمٍ فِي وَصَايَا مُوَجَهَّةٍ لِلرَّسُولِ ﷺ وَلِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أُمَّتِهِ:

الْوَصِيَّةُ الْأَولَى: تَفْسِيرُهَا أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ، فَاجْعَلُوا كُلَّ عِبَادَاتِكُمْ مَحْصُورَةً بِهِ، وَمَقْصُورَةً عَلَيْهِ.

الْوَصِيَّةُ الثَّانِيَةُ: وَأَمَرَ بِالْوَالِدَيْنِ بِرًّا بِهِمَا، وَعَطْفًا عَلَيْهِمَا، وَإِحْسَانًا إِلَيْهِمَا.

إِمَّا يَبْلُغَانِ إِلَى حَالَةِ الضَّعْفِ وَالْعَجْزِ، فَيَصِيرَانِ عِنْدَكَ فِي آخِرِ الْعُمُرِ كَمَا كُنْتَ عِنْدَهُمَا فِي أَوَّلِ الْعُمُرِ، فَلَا تَقُلْ لَهُمَا كَلِمَةَ تَضْجُّرٍ وَكَرَاهِيَّةٍ مِثْلَ كَلِمَةِ أُفٍّ، فَضْلًا عَمَّا هُوَ أَشَدُّ مِنْهَا، وَلَا تَزْجُرْهُمَا عَمَّا يَتَعَاطَيَانِهِ مِمَّا لَا يُعْجِبُكَ، وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا حَسَنًا جَمِيلًا لَيِّنًا فِيهِ تَكْرِيمٌ لَهُمَا وَتَعْظِيمٌ لِفَضْلِهِمَا.

وَالرَّسُولُ ﷺ أَعْلَمَنَا بِأَعْمَارِ أُمَّتِهِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُم مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ)). أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَه، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ يُبَيِّنُ لَنَا النَّبِيُّ ﷺ عَنْ أَعْمَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّ الْغَالِبَ الْأَغْلَبَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَنَّ الْقَلِيلَ مَنْ يُجَاوِزُ هَذَا الْقَدْرَ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّسُولُ ﷺ، وَأَقَلُّهُم مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ -يَعْنِي: مَنْ يَتَخَطَّى السَّبْعِينَ-.

وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ بِدَلِيلِ شَهَادَةِ الْحَالِ، فَإِنَّ مِنَ الْأُمَّةِ مَنْ لَمْ يَبْلُغُوا السِّتِّينَ، مِنْهُمْ مَنْ يُتَوَفَّى دُونَ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجُوزُ السَّبْعِينَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَخَطَّى ذَلِكَ، فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ مَخْرَجَ الْأَغْلَبِ.

 

المصدر: حُقُوقُ الْمُسِنِّينَ وَرِعَايَةُ حُقُوقِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الْإِسْلَامُ دِينُ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ
  وَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ
  حُسْنُ الخُلُقِ
  سُبُلُ التَّغْيِيرِ لِصَلَاحِ الْوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ وَالْأُمَّةِ
  تَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِي اجْتِمَاعِ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ
  حُكْمُ النِّكَاحِ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ
  ذِكْرُ اللهِ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ
  الْأَمْرُ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَالتَّحْذِيرُ مِنَ الْخِيَانَةِ
  نَمَاذِجُ دَالَّةٌ عَلَى الْمَعِيَّةِ الْخَاصَّةِ
  إِمْسَاكُ الْعَبْدِ عَنِ الشَّرِّ وَأَذَى الْخَلْقِ صَدَقَةٌ
  الدرس السابع عشر : «حُسْنُ الخُلُقِ»
  تَحْرِيمُ اللهِ عَلَى الْإِنْسَانِ كُلَّ الْخَبَائِثِ
  أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: الِاجْتِهَادُ فِي الْعَمَلِ وَالسَّعِيُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ الْحَلَالِ
  التَّرْشِيدُ فِي السُّنَّةِ.. خَاصَّةً فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ
  • شارك