الْإِيمَانُ تَصْلُحُ بِهِ الْحَيَاةُ عَلَى مُسْتَوَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ


 ((الْإِيمَانُ تَصْلُحُ بِهِ الْحَيَاةُ عَلَى مُسْتَوَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ الْأَجْسَادَ تَتَفَاعَلُ مَعَ الْإِيمَانِ حَتَّى تَتَحَوَّلَ إِلَى شَيْءٍ جَدِيدٍ.

((الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ، وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ)) كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ.

جَاءَ الرَّجُلُ كَافِرًا، فَقُدِّمَ إِلَيْهِ حِلَابٌ فَشَرِبَهُ، وَآخَرُ فَشَرِبَهُ، إِلَى سَبْعَةٍ، وَالْحِلَابُ: مَا يُجْعَلُ فِيهِ لَبَنُ النَّاقَةِ الْمَحْلُوبِ.

فَيَشْرَبُ وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى سَبْعَةٍ!!

فَأَسْلَمَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قُدِّمَ إِلَيْهِ حِلَابٌ فَشَرِبَهُ، وَثَانٍ فَلَمْ يَسْتَتِمَّهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ، فَقَالَ ﷺ: ((الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ)).

مَا الَّذِي دَهَاهُ؟

إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ بَيْنَ الْحَدَثَيْنِ!!

إِنَّهُ الْإِيمَانُ، يُغَيِّرُ النُّفُوسَ وَالْقُلُوبَ وَالْأَجْسَادَ وَالْأَرْوَاحَ.

إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَلَّنَا عَلَى ذَلِكَ دَلَالَةً وَاضِحَةً: ((الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ)).

قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِنَّمَا يُرَبِّي نَفْسَهُ عَلَى الْقَنَاعَةِ وَالزَّهَادَةِ وَالصَّوْمِ.

هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بِسَبِبِهِ وَرَدَ الْحَدِيثُ، لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ إِلَّا سَوَادُ اللَّيْلِ، وَلَمْ يَسْتَتِمَّ الثَّانِيَ شُرْبًا، وَإِنَّمَا رَدَّهُ.

فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ قَانُونًا لِيَدُلَّنَا عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يُعِيدُ صِيَاغَةَ الْأَبْدَانِ كَمَا يُعِيدُ صِيَاغَةَ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ.

وَاللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لَمَّا تَدَرَّجَ بِهِمْ فِي أَمْرِ الْخَمْرِ حَتَّى حَرَّمَهَا {فَاجْتَنِبُوهُ}؛ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ ذَهَبَ الِاعْتِمَادُ مِنَ الْخَلَايَا الْعَصَبِيَّةِ، مِنْ خَلَايَا الْمُخِّ، فَصَارُوا أَبْعَدَ النَّاسِ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ، وَقَامُوا لِتَوِّهِمْ، لِسَاعَتِهِمْ، لِفَوْرِهِمْ، فَأَرَاقُوهَا وَأَمَرُوا بِإِرَاقَتِهَا فِي الشَّوَارِعِ -شَوَارِعِ مَدِينَةِ رَسُولِ اللهِ-، فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَصْبَحَ وَلَمَّا أَصْبَحَ إِذَا مَضَى فِي شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ، يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ أَصَابَهَا مَطَرٌ بِلَيْلٍ؛ لِكَثْرَةِ مَا أُرِيقَ مِنَ الْخَمْرِ فِي شَوَارِعِهَا، بِكَلِمَةٍ!

كَيْفَ تُحَوِّلُ الْكَلِمَةُ هَذَا الِاعْتِمَادَ فِي الْخَلَايَا الْمُخِّيَّةِ، فِي الْخَلَايَا الْعَصَبِيَّةِ، كَيْفَ تُحَوِّلُهَا إِلَى لَا شَيْء؟

كَيْفَ تُعِيدُهُ إِلَى السَّوَاءِ نَفْسِيًّا وَجَسَدِيًّا وَعَصَبِيًّا، حَتَّى تَصِيرَ كَمَا أَرَادَ اللهُ؟

إِنَّهُ الْإِيمَانُ...

فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ مُتَعَلِّلًا: لَا أَسْتَطِيعُ!

قِيلَ لَهُ: لَا اسْتَطَعْتَ.

فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ لِلرَّجُلِ الَّذِي تَكَبَّرَ أَنْ يَأْكُلَ بِيَمِينِهِ: ((لَا اسْتَطَعْتَ)).

فَمَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَرْفَعَهَا بَعْدُ إِلَى فِيهِ.

وَيْحَ النَّاسِ مَاذَا دَهَاهُمْ؟!! إِنَّهُ دِينُ اللهِ، يُعِيدُ صِيَاغَةَ الْحَيَاةِ عَلَى: قَالَ اللهُ، قَالَ رَسُولُهُ، عَلَى الْوَحْيِ الْمَعْصُومِ، لَا عَلَى الْفِكْرِ الْمَوْهُومِ.

فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، وَاحْذَرُوا الْمَدَنِيَّةَ الْغَرْبِيَةَ بِمُنْتَجَاتِهَا، وَفُسُوقِهَا، وَفُجُورِهَا.

فَإِنَّ الْبَشَرِيَّةَ لَمْ تَعْرِفْ مَدَنِيَّةً أَفْسَقَ، وَلَا أَفْجَرَ، وَلَا أَكْثَرَ كُفْرًا وَشِرْكًا مِنَ الْمَدَنِيَّةِ الْغَرْبِيَّةِ الْمُعَاصِرَةِ، لَقَدْ أَفْسَدَتِ النَّاسَ، وَدَمَّرَتِ الْأَخْلَاقَ، وَأَذْهَبَتِ الْحَيَاءَ، وَغَزَتِ الْبُيُوتَ، وَالْقُلُوبَ، وَذَهَبَتْ بِأَصْلِ الْإِيمَانِ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ النُّفُوسِ.

إِنَّهُمْ فَسَقَةٌ فَجَرَةٌ، مُشْرِكُونَ كَافِرُونَ مُلْحِدُونَ، يُرِيدُونَ تَدْمِيرَكُمْ فَاتَّقُوهُمْ، وَاتَّقُوا مُنْتَجَاتِهِمْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْلِ وَالنَّفْسِ، وَالْفِكْرِ وَالرُّوحِ.

أَمَّا مَا جَعَلُوهُ مِنْ وَسَائِلِ تَرْقِيَةِ الْحَيَاةِ، وَالْإِعَانَةِ عَلَى لَأَوْائِهَا؛ فَهَذَا أَمْرٌ مَبْذُولٌ لِكُلِّ أَحَدٍ.

اتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، وَعُودُوا إِلَى دِينِكُمْ، وَاتَّقُوا اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي أَنْفُسِكُمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.

وَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا أَجْمَعِينَ، وَأَنْ يُحْسِنَ خِتَامَنَا أَجْمَعِينَ، وَأَنْ يُلْحِقَنَا بِالصَّالِحِينَ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

 

 

 

المصدر:الْإِيمَانُ وَآثَارُهُ فِي الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الدرس السابع والعشرون : «الْعَفْوُ وَكَظْمُ الغَيْظِ»
  أَهْدَافُ الْحَجِّ
  مَتَى تَعُودُ إِلَيْنَا الْقُدْسُ وَنَسْتَرِدُّ الْأَقْصَى السَّلِيبَ؟!!
  المَوْعِظَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ : ((رَمَضَانُ شَهْرُ الْأَحْدَاثِ وَالِانْتِصَارَاتِ الْعَظِيمَةِ))
  الدُّرُوسُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
  الْحِكْمَةُ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الْحَجِّ
  تَعَلَّمُوا مِنْ دُرُوسِ التَّارِيخِ!
  حُرْمَةُ قَتْلِ الْمُسْتَأْمَنِينَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  خُطُورَةُ تَغْيِيبِ وَعْيِ أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ
  مِنْ أَعْظَمِ مُوجِبَاتِ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ فِي رَمَضَانَ: تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ
  مَفْهُومُ الْحَيَاةِ وَالِابْتِلَاءِ
  حُبُّ الوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ مِنْ تَقْوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
  كُنْ بَارًّا بِوَطَنِكَ وَفِيًّا لَهُ!!
  مَسْئُولِيَّةُ الْمُسْلِمِ تِجَاهَ وَطَنِهِ الْإِسْلَامِيِّ
  مَنْزِلَةُ السُّنَّةِ فِي الْإِسْلَامِ وَحُجِّيَّتُهَا
  • شارك